|
من الذاكرة عن الأحبة... رسالة إلى حفيده
نشر بتاريخ: 05/02/2019 ( آخر تحديث: 05/02/2019 الساعة: 11:55 )
الكاتب: أ.محمد القاروط (أبو رحمه)
كان قد أمضى ستة اشهر في زنازين إحدى مخابرات الدول العربية، وخمسة أخرى في السجن اعتقلته المخابرات على حدود فلسطين. وفي الرابع من حزيران من عام الحرب الإسرائيلية الفلسطينية عام 1982، والذي أطلق عليه شارون حرب سلامة الجليل، والذي حدد هدفها بإقتلاع قواعد م.ت.ف من لبنان، أضرب عن الطعام والدخول إلى الأقسام هو وكل المعتقلين السياسيين، مطالبين بالإفراج عنهم ليتمكنوا من الذهاب إلى لبنان، ومشاركة زملائهم شرف الدفاع عنه وعن م.ت.ف وقواعدها.
لم يدم الإضراب أكثر من 18 ساعة، في صباح الخامس من حزيران نقلتهم الباصات إلى الحدود السورية ثم إلى سرغايا ثم إلى البقاع اللبناني، والتقى زملاء له هناك. أخذ موقعه، وتوجه إلى الجبل مع وحدات متعددة من قوات الثورة الفلسطينية، محاولين وقف تقدم الجيش المحتل بإتجاه بيروت عبر جبل لبنان. كانت المعارك طاحنة في خلده، والشووف، بعد تمكن الجيش المحتل من إكمال الطوق ومحاصرة بيروت، بدأت عمليات العصابات، ضد الجيش المحتل في البقاع الغربي، وعالية، وبحمدون، وقب إلياس. كانت زوجته من المحاصرين في بيروت، وعلم زملائه هناك أنه قد تم الإفراج عنه، فأرسلوا له زوجته وإبنه الوحيد في ذلك الوقت، بوثائق مزورة مع أصدقاء له وزوجاتهم. عندما غادرهم لم يكن عُمر إبنه قد تجاوز الأربعة أشهر، وقد غاب عنهم أكثر من عام ونصف. كان في أحد المواقع يستعد إلى الذهاب في دورية خلف خطوط الجيش المحتل، وكان يأمل أن ينتهي به المطاف في بيروت حيث الأحبة والأصدقاء. طلبه على الجهاز صديقه الذي إستشهد بعد ذلك بخمسة أعوام، طالباً منه العودة إلى قيادة الكتيبة، عاد فوجدها مع إبنه في إنتظاره، تداخلا أو ضم أحدهما الآخر، والولد ينظر إلى أمه، وأظن أنه كان يتساءل ما الذي تقوم به أمي؟، ضربها على قدمها فانتبهت له، وضماه الإثنين معاً. بعد أن تبادلا ما يتبادلاه الأحبة بعد غياب طويل، إقتربت الشمس من المغيب، قال لها نعد لتحركنا هذه الليلة منذ مدة، وعلي أن أتحرك معهم فلم تمانع. طلب السيارة للتحرك فبادره زملائه برفض موقفه، وقالوا له أن لهم عليك حق، إذهب إلى دمشق وخذ إجازة، ثم تلحق بزملائك الآخرين. طاوعهم ونزل عند رأيهم، وسافر معهما إلى دمشق، كان زملائه قد استأجروا له بيتاً مفروشاً. منذ أن إلتقاهما وإبنه يناديه عمو كعادة الأطفال، وكانت تقول له هذا هو أبوك بابا. من شدة تكرارها لإبنها بأن لا يسمي أبوه عمو طاوعها وبدأ ينادي أباه... عمو بابا. كان الطفل إذا رأى أبوه يمسك يد أمه أو يقبلها ينهرها. وعندما وصلا إلى دمشق إستغرب الولد تلاصق الأب بأمه، وكان كلما لاحت له فرصة عَبَرَ عن استيائه منهما. وصلا إلى دمشق، وأخذه زملائه إلى البيت المستأجر، ظل الولد كالحارس على أمه لا يفارقها، وعندما أرادت أن تخلع غطاء رأسها... نهرها! حاولت إقناعه بأنه أبوه دون جدوى. من أين له أن يعرف أو يدرك المضامين المتعلقة بكلمة بابا، وبابا قد غاب عنه طويلاً. لازال الولد الرجل الأب الآن ملتصقاً بأمه، يحبها ويحترمها وبين الفنية والأخرى يُقبل يديها. قال صاحبنا لأبنه في العام 2002، إجتاح الجيش المحتل بقيادة شارون لبنان عام 1982 بهدف إقتلاع قواعد م.ت.ف منها، وبعد حوالي 20 عاماً أغلق المؤسسات الفلسطينية في القدس بحجة إقتلاع قواعد م.ت.ف من القدس، وفي هذا العام إقتلع مستوطناته وجيشه من غزة وجنين، وغداً سيقتلعها من باقي الأراضي الفلسطينية. كرر القول على مسامع ابنه، يا بني في العام 1982 أرادوا إقتلاعنا من جنوب لبنان وفي العام 2002 من القدس، وبعد عشرين عاماً من أي مدينة داخل الخط الأخضر سيحاولون إقتلاعنا. وزاد في القول لقد تأخرت في معرفة المضامين العميقة لكلمة بابا، ولكنك عرفتها، فترحم على الشهداء الذين تركوا أبنائهم، لنحيا نحن وأنتم وأبنائكم، حياة فيها من الحرية والكرامة أكثر من ما مضى من زمن الشعب الفلسطيني، إنه بدمائهم نحن هنا في فلسطين، نستنشق جزأً من نسائم الحرية. |