|
إمكانية انتفاضة المسجد
نشر بتاريخ: 28/02/2019 ( آخر تحديث: 28/02/2019 الساعة: 14:13 )
الكاتب: عميرة هس
هآرتس، 26.2.2019 ترجمة: أمين خيرالدين
ظهر جندي مسلح واحد يقف خلف حواجز جيش الاحتلال الإسرائيلي: ثمّة بَكَرَة أسلاك وسط الشارع وعدد من الحواجز البلاستكيّة خفيفة التحريك. تراجع سائقو الشاحنات بسرعة. مثلهم، اعتقدّتُ أنه في يوم السبت سيبدي قُدْس الإله العسكري رحمة وسيأمر بفتح الحاجز شرقي مدينة البيرة (حاجز بيت إيل). أخطأنا. الجندي الذي أزعج موكبُ السيارات قيلولتَه، ربما ظنّ أن تمرّدا مدنيا على شكل مبادرة لإزالة الحواجز (تصعيد، في لغة الشباكنيك الغالبة على الإدراك وعلى التخاطب). والجنديّ أخطأ أيضا. الفلسطينيون يكزّون على اسنانهم "يشددون اسنانهم على بعضها البعض"، يضيّعون وقتا طويلا على الانتظار عند الحواجز واجتيازها، ولا يطالبون بعودة حريّة تنقّلهم. صحيح أنه منذ 30 سنة، منذ طبّقت إسرائيل نظام تحديد حريّة التنقّل، التحديد الذي يذكّر بما كان ساريا في جنوب أفريقيا إبّان فترة الأبرتهايد. كم من الإذلال في هذا المشهد الصامت: جندي مسلّح واحد، قُبّعة مستديرة رهيبة، كاميرات وحواجز معدنيّة وبلاستكيّة متحرّكة تقرّر الوقت الذي يمكن لعشرات إن لم يكن مئات آلألاف من البشر، وتقرّر إن كان على الشخص أن يضيّع أربع ساعات من يومه أو أقلّ من ذلك. أو أن تفقد الشركة 60% من إنتاج عملها، بسبب الساعات الضائعة، أوأن تفقد فقط 50%. الانتقام الجماعي بسبب مقتل الجنديين بالقرب من البؤرة الاستيطانيّة غبعات أساف مستمر منذ شهرَيْن، حاجز بيت إيل، حيث خفّ منع المرور به تدريجيّا، أُغْلِق تماما وعندئذ، بعد أسابيع، فُتِح بصورة متقطّعة وليس بشكل كامل. وتحوّل المَخْرج الجنوبي من رام الله، بالقرب من مخيّم قلنديا للاجئين، لمكان يعجّ بالألات المعدنية الزاحفة، وبالصفّارات والدخان. واختنق جَيْبُ رام الله أكثر من العادة. يتكرر الضعف في حاجز بيت إيل بمئات المتغيّرات. إسرائيل فنّانة في إغلاق مناطق الخاضعين لها وتضييقها. العبور من جيب في منطقة مسيّجة ومُراقَبَة إلى جيب آخر ينطوي على الشكّ والخوف، وتتضمن هذه المتغيّرات القبول بالأمر الواقع، والإذلال، والغضب المكبوت والاستغراب من أن هذا قليل مما يُطْلَب من المحتل كي يسلب الموارد الشخصية والعامة، بعكس الأرض لأن هذا لا يمكن إرجاعه: الوقت ما عجزت عنه الحواجز التي تفصل القرى عن المدن اللوائية، القرى عن أراضيها وينابيعها، غزّة عن الضفة الغربيّة وجميعهم عن القدس الشرقيّة -- عاد الأقصى ليفعل ذلك. حيث يمتلك مسجد الأقصى ردّ فعل حيٍّ لشعب واقع تحت سيطرة غريبة وظالمة: المقاومة الشعبيّة. بالإضافة إلى مواعيد الصلوات الخمس يوميّا تفرض أجندتها على المحتلّ، وتنشد تحرير المنطقة، ولو جزئيا كمبنى في باب الرحمة، حتى لو كان مؤقّتا ورمزيّا كاقتحام السلاسل. هذه لحظات يرغب الفلسطينيون بتذكّرِها وتكرارها. لكن قوّة هذا الموقع الديني هي نقطة ضعفه. تمتصّ قدسيّته الجذّابة مُعظم الاهتمام والجهود الشعبيّة، وتهمل كلّ ما تبقّى: حريّة التنقّل، حق المرعى والفلاحة والسفر لزيارة الأصدقاء والأقارب في المدن الأخرى بدون عراقيل، حرية السفر الى البحر أو الجبال، حرية الإنتاج والتسويق بدون موانع، حريّة البناء وشق الشوارع، حريّة التنزّه والإنتاج. الابتلاع غير المتوقّف للأراضي من قِبّل الإدارة المدنيّة والمستوطنين، لا يحظى بردٍ فلسطيني جماعي كما يجب. وهنا يتنازل الأردن مُسْبَقا عن اتخاذ موقف. النضال الجماعي من أجل الأقصى في جوهره تلقائيّ، ومثل هذا النضال قد يتجاهل الأحقاد بين المنظمات الفلسطينيّة. لأنه نضال من أجل القدس. ومن أجل القدس فقط. وبالمقارنة، تحوّلت مقاومة الاستعمار الاستيطاني إلى مقاومة فرديّة، بينما يتحتّم على هذه المقاوَمة أن تكون مقاوَمَة مُنظّمة، وفي نفس الوقت عليها أن تتغلّب على الشلل الذي تسببه الأحقاد بين الفصائل. يعود مسجد الأقصى ليُظْهِر الطاقة الكامنة في النضال الجماعيّ غير المُسلَّحٍ، ويظهر قدرة الفلسطينيين على رصّ صفوفهم. لكن بدون تجريد النضال من القدسيّة ومن التنظيم، يظلّ المسجد الأقصى رمزا معزولا. |