|
قراءة تحليلية لنتائج مسح القوى العاملة الفلسطينية
نشر بتاريخ: 28/02/2019 ( آخر تحديث: 28/02/2019 الساعة: 19:49 )
الكاتب: سامر سلامه
أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريرا مفصلا عن نتائج مسح القوى العاملة للربع الرابع للعام الماضي 2018، إستعرض فيه كافة المؤشرات الخاصة بالقوى العاملة الفلسطينية وعلى رأسها البطالة والمشاركة في سوق العمل ودرجة الإلتزام بالحد الأدنى للأجور وغيرها من المؤشرات الهامة التي تعكس أداء الإقتصاد الفلسطيني الكلي من جهة وتقيس فعالية السياسات الخاصة بسوق العمل من جهة أخرى. وبما أن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني هو الجهة الرسمية المؤهلة لإصدار الأرقام الإحصائية المتعلقة بكافة المؤشرات الإحصائية، فإننا في وزارة العمل نتابع عن كثب هذه التقارير ونقوم بدراستها والتعمق في تحليلها والإعتماد عليها في بناء سياساتنا وبرامجنا وتدخلاتنا الإستراتيجية على كافة الصعد المتعلقة بعمل الوزارة. وإنني هنا ومن خلال هذا المقال سأقوم بإستعراض أهم المؤشرات المتعلقة بقطاع العمل وتحليلها لكي أضع القراء في حقيقة ما يجري في سوق العمل من منظور مهني بحت.
إن أهم المؤشرات التي نتابعها في وزارة العمل هو مؤشر البطالة حيث أظهرت نتائج المسح أن نسبة البطالة في فلسطين قد وصلت إلى 29% بواقع 50% في قطاع غزه و16% للضفة الغربية. وهنا أود أن أقرأ هذه الأرقام من بعدين، البعد الأول أن إرتفاع نسبة البطالة في فلسطين يعود للظروف الإقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزه والناتج عن الحصار المشدد الذي تفرضه حكومة الإحتلال الإسرائيلي على القطاع وإستمرار الإنقسام وعدم تمكين الحكومة من العمل هناك، الأمر الذي إنعكس سلبا على الإقتصاد الغزي. والبعد الثاني المتعلق بالضفة الغربية وهو أن نسبة البطالة منذ العام 2000 لم تتراجع عن 14% وبذلك وبالمفهوم الإقتصادي فإن حد البطالة الطبيعية في الضفة هو 14% وعندما ترتفع إلى 16% فإن الإرتفاع على مدار العشرين سنه الماضية هو في الواقع 2% فقط. وبإعتقادي الشخصي فإن بقاء البطالة في الضفة الغربية عند حدودها الطبيعية يعود للسياسات الإقتصادية العامة التي إتبعتها الحكومات المتعاقبة وخاصة بعد العام 2007. في حين بقاء حدود البطالة الطبيعية مرتفعة عند حد 14% فإنه يعود إلى عدة أسباب أهمها سياسات الإحتلال الذي يهدف إلى تقويض الإقتصاد الوطني الفلسطيني وإلحاقه بالإقتصاد الإسرائيلي، كما أن هناك سبب داخلي آخر والمتمثل بضعف الموائمة بين مخرجات التعليم العالي وإحتياجات سوق العمل الفلسطيني . وهذا ما أظهرته بوضوح مؤشرات البطالة بحسب التخصصات العلمية حيث وصلت في بعض التخصصات إلى 87%. ومن جانب آخر قد أشار بعض الإقتصاديين أن سبب إنخفاض البطالة في الضفة الغربية يعود لإرتفاع عدد العاملين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وفي المستعمرات حيث وصل عددهم بحسب المسح المذكور إلى 130 ألف عامل وعاملة. حيث ذهب البعض للقول أنه في حال تم تسريح هؤلاء العمال فإن نسبة البطالة في الضفة الغربية سترتفع بشكل ملحوظ. وإنني هنا إذ أتفق مع الرأي الذي يقول أن سبب إنخفاض البطالة في الضفة يعود إلى عمل عدد كبير من العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر إلا أنني لا أتفق مع الرأي الذي يقول أنه في حال تسريح هؤلاء العمال فإن البطالة سترتفع في الضفة. فإنه إذا تعمقنا في مجالات عمل عمالنا داخل الخط الأخضر فإننا نرى أن السواد الأعظم منهم يعملون في قطاعي البناء والزراعة، هذه القطاعات التي تعاني من شح كبير في الأيدي العاملة الماهرة للعمل فيها في الضفة الغربية. ومن هنا فإنني على قناعة تامة بأنه في حال تسريح العمال الذين يعملون داخل الخط الأخضر فإنهم سيجدون فرص عمل كبيرة في الضفة الغربية وبذلك فإن نسب البطالة لن ترتفع بشكل ملحوظ كما يعتقد البعض. أما فيما يتعلق بمؤشر تطبيق الحد الأدنى للأجور فقد أشار التقرير أن 31% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهريا أقل من الحد الأدنى للأجر (1450 شيكل) في فلسطين وذلك بواقع 12% في الضفة الغربية و75% في قطاع غزه. بالنظر إلى هذه النسب وطريقة إحتسابها فإنني أعتقد أن سبب إرتفاع نسبة عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور سببه يعود لعدم تطبيق القانون في قطاع غزه أصلا للأسباب المذكورة أعلاه وبالتالي فإن إعتماد مؤشرات قطاع غزه في هذا الموضوع بالتحديد قد يشوه الصورة الحقيقية عن مدى الإلتزام بتطبيق القانون في الضفة الغربية. كما أن طريقة إحتساب نسبة تطبيق الحد الأدنى للأجر وحصرها فقط بالعاملين بأجر في القطاع الخاص فإنه لا يعطي الصورة الكاملة عن مدى الطبيق إذ تعتبر الحكومة أيضا مشغلا رئيسيا في سوق العمل الفلسطيني أضف إلى ذلك العاملين لحسابهم الشخصي وبالمحصلة إذا إحتسبنا أيضا العاملين في الحكومة والعاملين لحسابهم الشخصي فإن نسبة المستخدمين الذين يتقاضون أجراً أقل من الحد الأدنى للأجور لا تتعدى 3.5% فقط في الضفة الغربية. والمؤشر الثالث والأخير الذي أرغب في إستعراضه هنا (بالرغم من وجود مؤشرات أخرى ذات أهمية لا يتسع هذا المقال لإستعراضها) هو المشاركة في القوى العاملة بحسب الجنس. حيث أظهر المسح وجود فجوة كبيرة في المشاركة في القوى العاملة بين الذكور والإناث. فقد أظهر المسح أن 7 من كل 10 ذكور هم مشاركون في القوى العاملة مقابل 2 من كل 10 إناث. ومن الملفت للإنتباه أن هناك فرق ملحوظ في زيادة نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة في قطاع غزه عنها في الضفة الغربية حيث وصلت النسبة في القطاع إلى 27% مقابل 18% فقط في الضفة الغربية. إن هذه الأرقام تستدعي تدخل عاجل من قبل كافة الأطراف لرفع هذه النسبة لأنه لا يمكن أن نحدث أي تنمية مستدامة في فلسطين دون مشاركة فاعلة للمرأة الفلسطينية التي تشكل نصف المجتمع الفلسطيني. كما أن المرأة الفلسطينية هي الأكثر تعليما إذ تصل نسبة الخريجات من مجموع الخريجين في معظم الجامعات إلى 65% وهذا سبب آخر يضاف إلى أهمية الإستفادة من الإستثمارات الضخمة التي تتم في تعليم المرأة الفلسطينية. وفي الختام فإن وزارة العمل الفلسطينية تنظر بإهتمام كبير إلى هذه المؤشرات وتعمل مع شركائها الإجتماعيين من عمال وأصحاب الأعمال لتطوير سياسات فعالة وإستراتيجيات واضحة وتدخلات ذات معنى للحد من البطالة من خلال الإستثمار في التعليم والتدريب المهني ودعم وتشجيع التشغيل الذاتي، وتطبيق الحد الأدنى للأجور من خلال تطوير وسائل فعالة للتفتيش، وتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل من خلال تطوير التشريعات والبرامج من منظور النوع الإجتماعي. * وكيل وزارة العمل |