|
القمة العربية الأوروبية... المصالح تتقدم على المبادئ
نشر بتاريخ: 28/02/2019 ( آخر تحديث: 28/02/2019 الساعة: 22:23 )
الكاتب: نضال منصور
انتهت أعمال القمة العربية ـ الأوروبية التي عُقدت في شرم الشيخ بجمهورية مصر بحضور لافت للزعماء من كلا الجانبين، واعتُبرت حسب وصف مراقبين سياسيين نصرا للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أضفى قوة وشرعية على حكمه بعد انشغال لسنوات في الملفات الداخلية.
ورغم الخلافات بين الأوروبيين والعرب فإن القمة تُكرس سعي حثيث لتغيير شكل العلاقات بين الطرفين والتي سادت منذ بدايات ما سُمي "الربيع العربي"، ومحاولات لمواجهة السياسات الأميركية في المنطقة في عهد الرئيس الأميركي ترامب التي تشهد اشتباكات واختلافات مع الأوروبيين والعرب معا، وربما تكون هذه القمة محطة لملء الفراغ في حال استمرت أميركا في مخططاتها للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وخطوة للأمام حتى لا تشغل هذه المساحة روسيا والصين وكلاهما دولتان لا يتوانيان عن التغلغل سياسيا واقتصاديا وعسكريا. قمة شرم الشيخ الأوروبية ـ العربية تأتي بعد أيام ليست كثيرة من "مبايعة" البرلمان المصري للرئيس السيسي، وإقراره وقبوله تعديلات دستورية تسمح له بالبقاء رئيسا لمصر حتى عام 2034، وهو ما يعزز نفوذه ويُعطيه القدرة ليعود اللاعب الرئيسي في المنطقة العربية، ويعيد الثقل السياسي إقليميا لمصر. لم تستوقف الانتقادات التي تُوجه إلى مصر في ملف حقوق الإنسان الزعماء الأوروبيين من الحضور إلى مصر، ولم يُصغوا إلى الاتهامات التي وجهتها تركيا على لسان المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن للزعماء المشاركين في القمة، وهم بذلك يعيدون التأكيد على أن المصالح بين الدول تتقدم على المبادئ والقيم. لا نعرف ماذا جرى في اجتماعات الغرف المغلقة بين القادة العرب والأوروبيين، ولكن المؤكد أن ملفي مواجهة التطرف والإرهاب، والهجرة غير الشرعية تقدمت على حساب الملفات والأولويات الأخرى، وإن لم تختف الأصوات التي تُطالب بحل قضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. الخطر الأشد فتكا للدول الأوروبية أن العمليات الإرهابية داهمتهم في عقر دارهم. حضور الزعماء من الأوروبيين والعرب كان لافتا في قمة شرم الشيخ، ففي الجانب الأوروبي تقدمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الحضور، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ورئيس المجلس الأوروبي جون كلود يونكر، والممثلة الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية فيدريكا موغريني، وحضور كبير ومكثف لرؤساء الدول الأوروبية، والغياب الوحيد اللافت كان الرئيس الفرنسي ماكرون. ومن الجانب العربي إضافة لحضور الرئيس المصري السيسي تقدم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الحضور، بالإضافة لأمير الكويت، وملك البحرين، والرئيس العراقي، والرئيس التونسي، والرئيس الفلسطيني، وغياب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كان مثيرا للأسئلة، وترافق أيضا مع انخفاض التمثيل الإماراتي، وغياب الشيخ محمد بن راشد، وكذلك الشيخ محمد بن زايد رغم العلاقات الدافئة والوطيدة مع مصر، أما حضور ممثل قطر في الجامعة العربية للقمة فكانت رسالة احتجاج قطرية. بلا شك أن حضور 50 زعيما أوروبيا وعربيا في أول قمة تجمعهم يطرح أسئلة عديدة عن ما وراء هذا الاجتماع، وفي هذا الظرف بالذات، وما هي نقاط الاتفاق والاختلاف، وهل هي خطوات استباقية لمواجهة الأجندة الأميركية، أم مراجعة للسياسات والاستراتيجيات التي حكمت العلاقات بين أعرق الديمقراطيات، والعالم العربي الذي شهد أكثر التقلبات والصراعات ويسيطر على أهم موارد النفط والغاز في هذا الكوكب؟ من الواضح أن القارة الأوروبية "اكتوت" بنار الفوضى في العالم العربي إبان "الربيع العربي"، ففي ثماني سنوات سقطت أنظمة حكم عربية، واشتعلت أزمات وصراعات في دول عربية بجوارها، وقُتل زعماء عرب كانوا يُحكمون قبضتهم، وسلطتهم تتعدى حدودهم لتتشابك مع مصالح زعماء أوروبيين. بالمحصلة لم تنعم الدول الأوروبية بالراحة بعد العاصفة التي اجتاحت العالم العربي، بل وصلت تداعياتها وشظاياها إلى عواصمهم، فكانت "قوارب الموت" التي تنقل اللاجئين هربا من أوطانهم تدق ناقوس الخطر، وتُشعل فتيل الصراعات الداخلية عندهم، وأصبحت بمثابة الوقود الذي ألهب نيران شعارات الهوية الوطنية، وأيقظ اليمين المتطرف من سباته، وجعلت "مارد" خطاب الكراهية يخرج من "قمقمه" ليقرأ السلام على قيم الديمقراطية التي تتغنى بها أوروبا. الحكاية لم تنته عند قوارب اللاجئين غير الشرعيين والتي تتهم بعض الدول الأوروبية أنها كانت المعبر للمتطرفين، وإنما كان الأخطر والأشد فتكا أن العمليات الإرهابية والانتحارية داهمتهم في عقر دارهم، فخلايا وذئاب "داعش" المنفردة باتوا يعيشون بينهم، ويهددون حياتهم وسلمهم. ولهذا كان شعار المؤتمر جليا لا يحمل لبسا "الاستثمار في الاستقرار" لعل ذلك يوقف زحف الأخطار للقارة الأوروبية، ولتذهب شعارات تصدير الديمقراطية والإصلاح في العالم العربي للجحيم، فالأمن والسلام لبلدانهم أولا وأخيرا حتى ولو غضبت الجماعات الحقوقية في كلا الطرفين. تصدرت قضايا مواجهة المتطرفين والإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة أجندة الحوار، ولهذا قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك "يجب أن تعمل معا بلدان المنشأ والعبور والمقصد من أجل كسر نموذج الأعمال للمهربين والمتاجرين الذين يُغوون الناس برحلات خطيرة ويُغذون عبودية العصر الحديث"، ويزعم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن المتطرفين يتسللون بين اللاجئين، ووسط هذه المخاوف من الطبيعي أن يُقال إن اجتماعات بروكسل قبل شهر بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية شهدت خلافات حول البند المتعلق بالهجرة. قضية الهجرة مفصلية وهي ما دفعت رئيس وكالة الحدود وخفر السواحل التابعة للاتحاد الأوروبي للإشادة بالجهود التي تبذلها السلطات المصرية لمنع خروج أي مهاجر عبر السواحل المصرية منذ عام 2016، وهو ما يُعيد إلى الأذهان مكافأة الاتحاد الأوروبي للرئيس التركي أردوغان حين ساهم في الحد والإبطاء من وصول المهاجرين لأوروبا مقابل الحصول على 7 مليارات دولار كمساعدات للاجئين السوريين، والسؤال هل يفعلونها مع مصر؟ انعقدت القمة في شرم الشيخ على وقع طبول أزمة في السودان تهدد حُكم الرئيس عمر البشير، وأزمة في الجزائر بعد قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح للرئاسة مرة أخرى، وفي خلفية المشهد أزمات لم تصل إلى نهايات وحلول في ليبيا وسوريا واليمن، هذا عدا عن تصاعد العدوانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، واستهتارها بكل المنظومة الدولية مما يعزز حالة القلق والتشاؤم لحلول ممكنة في القريب العاجل. رغم السوداوية التي تُغلف المشهد، فإن الرئيس السيسي في ختام أعمال القمة وصف ما تم التوافق عليه بأنه "يفوق التوقعات"، مضيفا أن "الشعوب المحبة للسلام ستجني ثمار نجاح القمة التي تم الاتفاق على تعميق الشراكة وتعزيز التعاون وسبل مواجهة التحديات". البيان الختامي للقمة شهد الاتفاق على عقد القمة القادمة في بروكسل عام 2022، وتضمن الاتفاق على دعم نظام دولي حقيقي متعدد الأطراف، وحل الأزمة الليبية بالاستناد لاتفاق الصخيرات، والترحيب باتفاق ستوكهولم لوقف النار في الحديدة باليمن، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية في اليمن والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة المقاتلين الأجانب. وكان البيان الختامي صريحا بالدعوة للتعاون لوقف الهجرة غير الشرعية، والعمل على تجفيف مصادر دعم الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ومنع التحريض على الكراهية والعنصرية. وجدد البيان الالتزام بالمواقف المشتركة بعملية السلام في الشرق الأوسط، وعدم شرعية المستوطنات، والالتزام بحل الدولتين، وضرورة الحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، وخاصة الوصاية الهاشمية عليها، وهو ما قاتل الأردن لتكرسيه والدفاع عنه، بالإضافة إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وحل الأزمة السورية بما يقتضي انتقالا سياسيا حقيقيا للسلطة يتوافق مع القرارات الدولية. لم تستوقف الانتقادات التي تُوجه إلى مصر في ملف حقوق الإنسان الزعماء الأوروبيين من الحضور الانشغال السياسي للقمة والتركيز على مكافحة الإرهاب، والحد من الهجرة لم يخف أهمية الأجندة الاقتصادية، ويكفي هنا الإشارة إلى أن ملف أمن الطاقة واستدامتها لأوروبا كان حاضرا بقوة، والإشارات الصريحة إلى أن حجم التجارة البينية بين أوروبا والمنطقة العربية يوازي نظيره لثلاث دول مجتمعة هي روسيا والصين وأميركا، وهذا أمر مهم بعد شرارة الحرب التجارية التي بدأها الرئيس ترامب. وليس ببعيد عن هذه الأجواء "جوائز الترضية" التي صرفها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بكلمته في الافتتاح حين أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي خصص مبلغا كبيرا لدولة فلسطين، و17 مليار دولار للسوريين دون الإفصاح عن التفاصيل. بعد أن أسدل الستار على القمة العربية الأوروبية الأولى، هل يمكن الاستنتاج أنها تأخرت كثيرا وجاءت بعد الخراب العربي والرعب الأوروبي، أم أنها بداية تحول استراتيجي يستشرف لغة المصالح بين دول الجوار، ويقطع الطريق على صفقات واستقطابات دولية قادمة؟ ربما تكون كل التساؤلات صحيحة، والشيء الواضح الذي لا تخطئه العين أن السيسي أكثر الرابحين من القمة، ومصر تنهض بعد سبات لتستعيد دورها الإقليمي، وشرم الشيخ نالت دعاية مجانية لتعود لتستقطب السياحة الأوروبية التي غادرتها منذ سنوات. |