|
الخبز مع الكرامة والحرية لغزة
نشر بتاريخ: 31/03/2019 ( آخر تحديث: 31/03/2019 الساعة: 22:09 )
الكاتب: سامر سلامه
الخبز مع الكرامة عنوان لكتاب من تأليف الدكتور يوسف عبد الله صائغ صدر في بيروت العام 1961 عن دار الطليعة للطباعة والنشر. جاء الكتاب في ظروف سياسية وإقتصادية غاية في الحساسية وخاصة تلك المتعلقة بالوحدة العربية من جهة وتأميم المصالح الأجنبية من جهة أخرى والتي قادها الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر. فبعد فشل المشروع العربي الوحدوي بعد إنفصال سوريا عن مصر وفشل عملية التأميم الكامل للمصالح الأجنبية في الوطن العربي أدى إلى ظهور أنظمة تمارس شكل من أشكال القمع على مواطنيها وممارسة سياسات إقتصادية لم تكن ناجعة لإحداث النمو الإقتصادي المأمول الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة والفقر في المنطقة العربية من جهة وإستمرار الأنظمة القمعية من جهة أخرى. هذه الظروف دفعت الدكتور صائغ لإستعراض مجموعة من المقترحات الإقتصادية التي من شأنها إحداث التنمية الإقتصادية في العالم العربي جنبا إلى جنب مع تحقيق العدالة الإجتماعية للجميع.
ومن هنا فإنني أرى أن هناك تشابه كبير بين الظروف التي سادت عند كتابة الكتاب المذكور والظروف التي تعيشها فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص. فالظروف السياسية والإقتصادية التي يعيشها قطاع غزة حالت دون تأمين الحد الأدنى من إحتياجات الناس المعيشية من جهة وتأمين الكرامة والحرية من ناحية أخرى الأمر الذي دفع بسكان القطاع للمطالبة بحياة كريمة بعيدا عن الشعارات الرنانة التي لم تجلب للقطاع سوى الفقر وفقدان الكرامة والحرية. فالأحداث الأخيرة في القطاع ما هي إلا تنفيس لحالة الإحتقان التي يعيشها سكان القطاع ليس بسبب غياب الخبز (الإنتعاش الإقتصادي) وإنما لغياب الكرامة والحرية والعدالة الإجتماعية الذي سببها الحصار وإصرار حكام القطاع على تفردهم بحكم القطاع وإحكامهم على مصادر الدخل ومنع أي محاولة لإنعاش القطاع إقتصاديا وإعطائه الكرامة والحرية. إن الأحداث الأخيرة في غزة وبعد خروج المئات إلى الشوارع للمطالبة بالخبز والكرامة لم تأت بفعل فاعل أو بتخطيط من رام الله كما يدعي حكام القطاع بل جائت كنتيجة طبيعية لغياب الخبز والكرامة والحرية على حد سواء. وإن رفع المتظاهرين لشعار (# بدنا نعيش) لم يكن شعارا لطلب الخبز فقط وإنما شعارا ولد من رحم المعانات والإحساس بالذل والمهانة. كيف لا والجميع يشاهد طوابير أهلنا في غزة تجاهد للوصول إلى المعونات القطرية التي لا تزيد عن 100 دولار للعائلة الواحدة ولمرة واحدة فقط!. فقد تحول أهلنا في قطاع غزة إلى متسولين بعد أن كانت غزة أفضل مكان للعيش في فلسطين على مر التاريخ. فبعد الأحداث الأخيرة في القطاع وفي ظل إستمرار المؤامرة على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية المشروعة صدرت بعض التسريبات من خلال صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، عن مسؤول مصري رفيع المستوى قوله: "إن إخراج كافة الأسلحة الثقيلة من غزة، وبقاء الأسلحة الخفيفة تحت المراقبة مقابل رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، وتقديم رزمة واسعة من المساعدات الدولية لتحسين الأوضاع في القطاع، هي المرحلة الثانية من الاتفاق مع قطاع غزة". وتتحدث تقارير إسرائيلية وعربية باستمرار عن مفاوضات بين إسرائيل وحماس، عبر مصر حول اتفاق للتوصل الى اتفاق تهدئة بين الطرفين. ووفق صحيفة يسرائيل هيوم، وفق الخطة المقترحة، "فإن كل القضايا الداخلية في غزة ستبقى تحت سلطة حماس أو أي سلطة فلسطينية أخرى مشكلة من الفصائل الفلسطينية في غزة، كما وتبقى الأجهزة الأمنية الفاعلة في غزة أيضا مسؤولة عن الأمن الداخلي في القطاع، فيما تبقى الأسلحة الخفيفة فقط تحت سلطة هذه القوى الأمنية على أن تخضع تحت مراقبة شديدة جدا". إنني أعتقد أن إستمرار المقاومة الفلسطينية على إختلاف توجهاتها وخلفياتها التنظيمية والسياسية وفي ظل الظروف الدولية الحالية تعتبر إنجازا عظيما يجب حمايته وقطف ثماره وإن الحلول المطروحة ما هي إلا محاولات لإضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية وتأبيد الإنقسام الداخلي الفلسطيني نحو تنفيذ المختطات المشبوهة بإقامة دويلة فلسطينية في غزة على حساب تحرير القدس والضفة الغربية. كما أن الحلول الإقتصادية المطروحة ما هي إلا محاولات لتوفير الخبز على حساب الكرامة والحرية والإستقلال الوطني. ومن هنا فإن أي حل يطرح بعيدا عن إنهاء الإنقسام وتبعاته وإعادة الشرعية إلى غزه وإجراء الإنتخابات العامة لتجديد الشرعيات تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ما هي إلا محاولات يائسة لن تجلب سوى الخيبة والهزيمة لأصحابها. فقضية غزة ليس قضية خبز أو مساعدات إنسانية أو حتى إنتعاش إقتصادي فقضية غزه هي قضية وطنية جوهرية ترتبط بالكرامة والحرية والإستقلال والعودة إلى حضن الوطن قبل أي شيء آخر. فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بالكرامة والحرية والعدالة والوحدة الوطنية. |