![]() |
لا دولة لغزة عند الاحتلال ولا عند امريكا
نشر بتاريخ: 03/04/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2019 الساعة: 18:57 )
![]()
الكاتب: وليد سالم
يكثر الحديث في الشهور الأخيرة إلى درجة اليقين احيانا عن دولة غزة كمشروع مشمول ضمن صفقة القرن للرئيس ترامب، وكذلك ضمن مشاريع الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية.
تهدف هذه المقالة الموجزة لتدقيق هذا الحديث، وإذا ما كان قابلا للصمود أمام الحقائق التي تؤكدها الدراسات العلمية حول الاحتلال وفلسطين. وبدون عوده واسعة إلى التاريخ تشير الأبحاث إلى أن الانسحاب الاحتلالي من داخل غزة عام ٢٠٠٥، قد هدف للتخلص من العبء الديمغرافي الذي تمثله، ولكنه لم يهدف إلى منح غزة الاستقلال. فقد بقيت غزة بعد هذا الانسحاب حسب القانون الدولي وتعريفاته للاحتلال خاضعة لهذا الأخير من الخارج، ولسيطرة كولونيالية كاملة على كل ما يدخل ويخرج منها. كما وبقيت عرضة لانتهاك أراضيها في كل لحظة بالقصف والاجتياح برا وبحرا وجوا، حيث شهدت ثلاثة حروب وعشرات المواجهات منذ عام ٢٠٠٥. وشهدت حصارا بريا وبحريا وجويا منذ عام ٢٠٠٧ حينما سيطرت حماس على الحكم، وهو حصار لم يكن له مثيل في التاريخ. وقد جاء انسحاب ٢٠٠٥، تكريسا لتوجه احتلالي للتعامل مع الأراضي الفلسطينية بصورة مجزءة وفق مصالحه، فالقدس بقيت على حالها في حالة ضم وأسرلة وتهويد بدأت منذ لحظة احتلالها عام ١٩٦٧، أما الضفة فقد أعملت فيها ثلاثية الاستيطان الكولونيالي والابارتهايد والاحتلال العسكري حسب هنيدة غانم، أو حالة" الابارتهايد الكولونيالي" كما أسمى عزمي بشارة هذا المزيج من الاستيطان الاستعماري والابارتهايد. وكل ذلك على طريق ضم الضفة تدريجيا إلى إسرائيل والوصول إلى إسكان مليوني مستوطن استعماري فيها حتى عام ٢٠٤٨. أما السلطة الوطنية فقد تم تحويلها إلى نوع لا يتجاوز الحكم الإداري الذاتي يسيطر على جزئيات حياتية لمن تم اعتبارهم اسرائيليا كسكان محليين بدون مواطنة، بينما اعتبر المستوطنون المستعمرون كمواطنين اسرائيليين من جهة وكسكان محليين مناظرين " للسكان المحليين الفلسطينيين"، في الضفة والقدس، بل ولهم الأولوية عليهم من خلال تمتعهم بالمواطنة الاسرائيلية. في هذا الإطار ابقت إسرائيل الأرض بيديها، كما حرمت المواطنين الفلسطينيين من حق المواطنة، وهذا الأمر الأخير ينطبق ليس على الضفة فحسب ولكن على قطاع غزة أيضا، حيث لا تعترف إسرائيل بمواطنة فلسطينية لأهلنا في القطاع أيضا، مما يجعل تعامل إسرائيل هو مع سلطتين على السكان وليس على المواطنين، أحدهما لا زال معترفا اسرائيليا بها رسميا وحسب الإنفاقات الموقعة وحتى الان وهي السلطة في الضفة، أما الثانية فلا تعترف بها إسرائيل سوى كسلطة أمر واقع، تسعى من جهة لإضعافها، والسيطرة عليها، وتحويلها إلى مجرد سلطة تساعد في توفير الاحتياجات الإنسانية لسكان قطاع غزة، وحتى هذه الأخيرة تم نزعها جزئيا من أيدي حماس، وتم تحويلها منذ زمن لمسؤولية الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات. لهذا إذا كانت السلطة في الضفة قد تحولت وفق المنظور الاسرائيلي إلى سلطة حكم اداري ذاتي على جزئيات من حياة السكان الفلسطينيين، فإن سلطة حماس في غزة غير معترف بها اسرائيليا من الزاوية القانونية، لذا فهي أقل حتى من سلطةحكم اداري ذاتي وفق المفهوم الاسرائيلي ، بل سلطة أمر واقع تسعى إسرائيل لتطويعها بما يساعد على تيسير عمل قطر والأمم المتحدة في قطاع غزة لإيجاد حد أدنى من المساعدة الإنسانية التي تخفف الاحتقان جزئيا في قطاع غزة، بما يمنع توجيه هذا الاحتقان ليصبح خطرا على إسرائيل. ليس متوقعا لهذه السياسات الاسرائيلية أن تتغير في ضوء صفقة القرن، فقانون القومية الاسرائيلي نص على وجود شعب واحد هو الشعب اليهودي في ارض فلسطين التاريخية، أما الآخرون فليس لهم سوى حقوق فردية مدنية ودينية، وهذا يشمل غزة، كما لن تعترف إسرائيل بحماس كسلطة لها سيادة في غزة، بل العكس تطرح احزاب الهوية واتحاد أحزاب اليمين واليمين الجديد اعادة احتلال غزة ضمن برامجهم السياسية، كما يطرح حزب ازرق ابيض وحزب إسرائيل بيتنا اجتياح غزة وتصفية حكم حماس فيها. وأخيرا لن تقبل مصر توسيع غزة نحو سيناء كما طالبت بعض الدراسات الاسرائيلية. بناء على ما تقدم لا يبدو أن هنالك دولة فلسطينية في الأفق الاسرائيلي والأمريكي في قطاع غزة، سواء بتوسعتها أم عدمه نحو اجزاء من سيناء. وعلى العكس من ذلك يبدو ضم الضفة أو اجزاء منها وشيكا وذلك على طريق القدس والجولان ، فيما ستستمر إسرائيل في انتهاج سياسة إدارة الصراع لا أكثر مع حماس، بإحتوائها تارة، والهجوم عليها تارة أخرى، وذلك حتى يتم إنهاكها نهائيا كما ذهب اليه البروفيسور الاسرائيلي إيال زيسر في مقالته لجريدة يسرائيل هيوم يوم اول نيسان الجاري. اخيرا فإن المشكلة الأساسية في هذا الإطار أن حماس باتت تصدق نفسها بأن إسرائيل تتعامل معها كنظير تفاوضي في قضايا غزة والأسرى والقدس وغيرها من حقوق الشعب الفلسطيني وقضاياه، ومن جهة أخرى هنالك مشكلة السجال الدائر حول دولة بديلة في غزة وهو ما لن تعطيه إسرائيل بناءا على النقاط الجوهرية المطروحة أعلاه، مضافا لها العشرات من النقاط التكتيكية والتفصيلية بشأن الحياة اليومية والتي سيصعب التوصل إلى تفاهمات دائمة وراسخة بشأنها بين إسرائيل وحماس في ظل التوتر الدائم على جبهة الجنوب، وسيادة مبدأ إدارة النزاع فوق مبدأ حله الذي لا تريده إسرائيل، قدر ارادتها ابقاء سلطتين فلسطينيتين ضعيفتين في غزة والضفة تعطيانها اطالة للوقت المستقطع اللازم لها من أجل الإجهاز التام على القضية الفلسطينية . كل ذلك يعني أن قدرنا واحد، والسياسات الاسرائيلية والأمريكية تجاهنا واحدة موحدة، فهل نتحد بديلا عن السجالات العقيمة والضارة؟ |