|
الشاعر الشيخ “شجار في السابعة صباحاً”: سخرية الشعر في تعرية الواقع
نشر بتاريخ: 21/04/2019 ( آخر تحديث: 21/04/2019 الساعة: 19:32 )
الكاتب: المثنى الشيخ عطية في السابعة صباحاً، حيث يبدأ الغبش بجرّ أذيال هزيمته أمام وجه النور، ويستبشر البشر بالحصول على سلّة بيضٍ أكبر، توسّع ابتساماتهم الخجولةَ أكثر؛ في صباح النور هذا الذي لا نعرفُ إن كان يحدث في يوم سبتٍ أو أربعاء، يعلو صوت الجارة أو الحبيبة التي ترسل نبوءاتها من ماضي الحب، أو الزوجة التي لم يُرضِها أداء زوجها في إسكات صرير الباب، وهي تلومه على علاج حريق كنيسة نوتردام؛ ويخبو مع هذا صوت أصابع قراءتنا في تقليب مجموعة الشاعر الفلسطيني وليد الشيخ: “شجار في السابعة صباحاً”، التي تُورّطُنا في مقاربة أجواء سخريتها عند حديثنا عنها:“أظن أنني حداثي أكثر مما توقعت لذا، عندما أمطرتْ بالأمس، قرأتُ إيمان مرسال وانتبهت أنني غالباً، في ديسمبر، أقرأ قصائد مقاتلة لأولاد وبنات يتبادلون قبلاتٍ ساخنةً في الأسانسير قصائد الأسانسيرات لها طعم الخوف لذا أستعجل في قراءتها ولا أصل إلى الطابق الأول”. في السابعة صباحاً، وهرباً ربما من صوت جارته التي “لأسباب مجهولة حتى الآن/ظلت مخلصة لنشرة الأخبار/ في التلفزيون الأردني”، يشكّل وليد الشيخ البنية الظاهرة لمجموعته الشعرية بأربعة أقسامٍ، لا يُستَحسن اعتبار القسم منها قصيدةً طويلة، حيث لا يوجد رابط كما يبدو بين قصائد القسم ببعضها، مع وضع الشاعر عناوين لهذه الأقسام: “جارة تتحدث في صباح تافه عن حرب 67″، “شجار في السابعة صباحاً قبل عشرين سنة”، “تلال وعرة”، و”حيرة”. وتضم هذه الأقسام قصائد قصيرة بعدد 11، 9، 10، 12، لكل قسم على التوالي، وبعنوان لكل منها، ويضم كل ذلك كتاب أنيق بتصميم الشاعر زهير أبو شايب، ويصلح للحمل في جيب القراءة لمن يريد قهر الوقت. وفي السابعة صباحاً حيث تخلع الكلمة ثيابها أمام مراياها، يتكشف جسد قصائد النثر التسعة والثلاثين، من أصل اثنين وأربعين قصيدة، عن مزاياه، ولا يخفي هذا الجسد مباشرةً تميزه بطابع السخرية، كوسيلة للإدهاش، ولكشف أَسَنِ وحركة الواقع، ومفاجأة الماضي نائماً داخل سريره، هانئاً تارة، ومتحسراً أخرى، ونادماً ثالثةً، إنما متزملاً بالسخرية في جميع الحالات. وذلك مع تجنّب هذه القصائد عيش أحلامِ وكوابيس الكتابة الآلية السوريالية، في خلقها للارتباطات الغريبة، وإن شاب خلقَها ارتباطات مختلفة تغلب عليها الواقعية، لكنها مع ذلك تدفع الجملة الشعرية للتألّق. ويبدو أن سلوك القصائد نهج السخرية الذي تشتهر به قصيدة النثر المتألقة بصورة عامة، واستخدامه ببراعةِ تعويض نقص العوامل التي لا تطالها اليد من قبل شاعرها، قد قرّب هذه القصائد إلى حدّ كبير من النجاح، ومن فرضِ مكانةٍ لنفسها في هذا الحقل الزاهر للمبدعين فيه، والشائك لمن لا يمتلك في شرايينه نبضَ تمريغ أسَنِ الواقع بالسخرية. في هذا التكشف غير الآبه بالأعين التقليدية المستنكرة مخالفته لقواعد سلوك ما يجب الالتزام به من قيمِ وأخلاقيات التحريم، تتسلّل حركة الحياة اليومية كامتياز آخر لهذه القصائد، بلغة بسيطة تزيد عدم اهتمامها قليلاً بعض أخطاء لغوية تمرّدت على التدقيق، لكنّها لم تؤثر على لمس قرونِ استشعارها همومَ الحياة اليومية للناس، من حبّ، وخوف، ورغبات، وآمال، وخيبات، وانكسارات، وإبداعات. هذا إلى جانب تفعيل تأثيرها بما دخل حياة الناس من ثقافة، وزيادة هذا التأثير بأسلوب الأسئلة الضاحكة الغريبة المتألقة، سواء بشكل طرحها المباشر كأسئلة، أو بطرحها في نسيج ارتباطات الجملة الشعرية المتحدية لشغف القارئ، مثل “أسئلة الصباح” التي تأتي غير طبيعية هكذا: “من أين سيأتي الصبر يا أمّ كلثوم كي أقرأ قصائد متقنة لشعراء مهذبين؟/ من أية نافذة سأترك يدي تذهب لترمي الحجارة كلما أغلق أبي الباب؟/ وأي باب عليّ أن أخلعه/ كي أصل فمك وأتناوله كحبة فلافل ساخنة (فيما الدنيا تمطر)؟/ وهل سأضمن الهبوط الآمن بين يديك يا ألله،/ دون إصابات من رجال يلبسون أثواباً باكستانية، لأسباب (غامقة) جداً؟/ وكم مرة سأتوب، حتى أكف عن تذوق نساء جديدات/ يتركن على جسدي أثلاماً تنبت فيها أغصان الناستالجيا/ وعروق من نبات السفالة؟”. ولا ينسى الشاعر، إلى جانب طرحه للأسئلة إثارة تساؤلاتٍ مربكة، حول طرحه قصائد التفعيلة الثلاث في نسيج قصيدة النثر الناظمة للكتاب، وحول الإرباك في توزيع أحرف واو العطف على بدايات بعض أشطر قصيدة “غربة”، بما يربك إيقاع القصيدة التي كانت جميلة في المجمل. ولعل هذه التساؤلات، ودون شرط أن يكون هذا التحليل صائباً، تتعلق بإحدى مزايا قصيدة وليد الشيخ الموجزة، في حمله همّ فنية القصيدة نفسها، وصراعها مع ذاتها وتراثها، الذي يتجلى في قصيدة “الخروج عن المتدارك”، بميزة ربط الشعر بالحياة الحقيقية التي تحقق طموح البشر في تحقيق تمتعهم بالحياة؛ وقصيدة “يقظة”، التي تلخّص الكثير من مزايا وهموم قصيدة النثر لدى الشاعر: “أمس، عند الساعة 11:59 دقيقة وضعت الأفعال المضارعة في الخزانة أيضاً ثلاثة أفعال من الماضي عن الحب، والحرب، والحرية ظلّت الملابس يقظة طوال العتمة”. كما لا ينسى الشاعر ولا ينسينا من خلال الحب، في قصيدة التفعيلة الخاصة به، معالجته الخاصة المتعاطفة مع ثورة يناير المصرية المخذولة التي أصبحت: “في المحطة الأخيرة من المترو مثل مخلفات يوم العيد (ألعاب مكسرة، وسوائل دبقة لعصائر حلوة المذاق لونها برتقالي على جنبات الطريق، وأقلام فلوماستر، وورق يانصيب، وتذاكر فيلم السينما في العاشرة صباحاً)؛ حيث: “ظلت يدك اليمنى وحدها/ مفتوحةً بأوهامها الخمسة/ تستجدي الحرية”؛ مع إبداء تعاطفه المحدود لرفاقه الأكراد، حباً وصداقةً في قصيدة تحمل اسمهم. ويكاد الشاعر أن يضع دخول الماضي في الحاضر ميزة لقصيدته، ويتجلى هذا أكثر في القصيدة التي تحمل عنوان المجموعة، وفي قصيدة “نبوءة الهجران” حيث: “من الصعب أن أتذكر كيف تلامسنا دون أن أرتجف كأول مرة أفتش في ثناياك البضة عما لا أعرف وأنت تقولين ما لا أفهم وأحيانا ما لا أشاء”. وكذلك في قصيدة ختام المجموعة التي يسترجع فيها زمن تسعينيات القرن الماضي، ليكشف ويفكّك عقد زمن الحاضر: “إنها التسعينيات،/ تجري خلفي/ لطالما هششت عليها بأيام/ من عقد الألفية الجديد/ دون جدوى/ التسعينيات التي أهدرتها واقفاً في انتظار غودو عربي/ بينما أمي تنتظر عودتي وتؤجل سرطانها، كي تموت/ التسعينيات التي تجرأت فيها على ماركس/ واعتبرته حكيماً قابلاً للطعن/ التسعينيات التي فرت/ وأنا أمسك بثوب الواقعية الاشتراكية/ وأُعْلي من شأن فريدة النقاش وحسين عبد الرازق حتى الثورة الأخيرة/ التسعينيات التي ستظل قابلة للتأويل/ فيما أسعى لإزاحتها/ متوسلاً/ إعادة الثمانينيات/ على كلاكيت أول مرة”. ومن ختامه إلى ختامنا، فإن “شجار في السابعة صباحاً” مجموعة شعرية تليق بالقراءة، للشاعر الذي ولد ولا نعرف إن كانت الساعة السابعة صباحاً، في مخيم الدهيشة قرب مدينة بيت لحم؛ ونما ليصدر أربع مجموعات شعرية قبل هذه المجموعة هي “حيث لا شجر” 1999، “الضحك متروك على المصاطب” 2003 “، “أن تكون صغيراً ولا تصدّق ذلك” 2007، و”أندم كل مرة” 2015. مع رواية أولى هي: “العجوز يفكّر بأشياء صغيرة” عام 2012. |