|
الثمن الباهظ لقرار وقف التحويلات الطبية للمستشفيات الإسرائيلية
نشر بتاريخ: 29/04/2019 ( آخر تحديث: 29/04/2019 الساعة: 11:01 )
الكاتب: فتحي صباح
اعلنت الحكومة الفلسطينية في آذار (مارس) 2019 قرارها وقف التحويلات الطبية للمرضى الفلسطينيين الى المستشفيات الإسرائيلية، في واحدة من الخطوات الخطيرة غير المدروسة.
وقالت الوزارة في خبر صحافي في هذا الشأن وزعته على وسائل الإعلام إنها ستبحث عن بدائل في دول عربية آخرى، وإن القرار لا يشمل المرضى القدامى، بل وقف تحويل أي مريض جديد على الى المستشفيات الإسرائيلية. والملاحظة الأولى أن القرار كان خاطئا ومتسرعا وغير مدروس، إذ تم وقف التحويلات لكل المرضى القدامى والجدد، وقبل حتى البحث عن أي بديل يحقق الغايات المنشودة. وييدو أن القرار جاء لحرم إسرائيل من ملايين الشواكل التي تجنيها من تقديم علاج غير متوفر لمرضى فلسطينيين في مستشفيات فلسطينية في الضفة والقطاع والقدس، عقابا لها على حسم ملايين الشواكل من المقاصة، وهي خطوة إيجابية ومهمة لو كانت في مجال غير التحويلات الطبية، مثل وقف الاستيراد من إسرائيل، أو مكافحة التهريب من المستوطنات أو غيرها من الإجراءات، وأنجعها وقف التنسيق الأمني ولو ليوم واحد فقط، ما سيجعل إسرائيل "تركع" أمام السلطة الفلسطينية، وليس وقف اقتطاع الأموال من المقاصة وحسب. وتكمن خطورة القرار في أنه حرم هؤلاء المرضى من حقهم في تلقي علاج غير متوفر أصلا في المستشفيات الفلسطينية، ما يهدد حياتهم بالموت. وصرح رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية، أكثر من مرة، أنه تم ارسال وفود الى مصر والأردن لبحث سبل تحويل هؤلاء المرضى الى مستشفيات مصرية واردنية. وتقدم مصر والأردن في عدد من مستشفياتها خدمة طبية جيدة ومتطورة، وقد تكون أرخص ثمنا من نظيرتها في المستشفيات الإسرائيلية، لكن الأمر لا يتعلق بالخدمة والرعاية الصحية فقط، بل هناك أمور آخرى يجب أخذها في الحسبان. وتكمن مشكلة تحويل مرضى قطاع غزة القدامى الذين أُجريت لهم عمليات جراحية أو تلقوا علاجا لفترات محددة سابقة في مستشفيات اسرائيلية الى مستشفيات مصرية أو أردنية في أن هذه المستشفيات لن تستطيع التعامل مع هؤلاء المرضى في الشكل الطبي المهني المطلوب، نظرا لأنهم قطعوا شوطا في العلاج في مستشفيات اسرائيلية، وقد تضطر الى العودة الى نقطة البدء، واجراء فحوص وتحاليل شاملة، وهذا يعني معاناة شديدة جديدة لهؤلاء المرضى، فضلا عن التكلفة المالية الإضافية على ميزانية السلطة والحكومة الفلسطينية. كما أن أجساد هؤلاء المرضى لا تحتمل كل هذه المعاناة في السفر مسافات طويلة بين غزة والقاهرة أو العاصمة الأردنية عمان أو غيرها من العواصم، علاوة على أن طريق الذهاب من غزة الى هذه العواصم والعودة منها تستغرق أياما عدة. وليس خافيا على أحد أن رحلة السفر من غزة الى القاهرة تستغرق يومين، في حين تستغرق رحلة العودة ثلاثة أو أربعة أيام، وهذا يعني أن المريض سيقضي أسبوعا كاملا للحصول على جرعة كيماوي أو اجراء فحوص وتحاليل، فيما لا يستغرق ذلك يوما واحدا أو بضع ساعات للحصول على الخدمة نفسها في مستشفيات الضفة والقدس وإسرائيل. المسألة الآخرى أن تكلفة السفر من غزة الى القاهرة أو عمان مرتفعة جدا، فضلا عن تكلفة الإقامة الباهظة الثمن في شقق أو فنادق هناك، ولا يمكن للمرضى وذويهم تحملها، في حين أن تكلفة السفر الى الضفة او القدس أو تل أبيب مقبولة نسبيا و"مقدور" عليها بالنسبة الى المرضى، وهم كلهم أو في معظمهم من الفقراء والمعوزين. المسألة الآخرى أن المرضى سيضطرون للبقاء فترات طويلة جدا في مستشفيات القاهرة أو عمان، وهذا يعني عدم قدرة الطلاب المرضى على متابعة دراستهم المدرسية أو الجامعية، فيما سيفقد المرضى العاملون فرص عملهم، نظرا لغيابهم الطويل عن العمل، أو غيابهم عن منازلهم وأبنائهم أو ذويهم. إن جل هذه الأمور تنطبق على المرضى القدامى والجدد، من حيث التكلفة المادية، والمعاناة في العلاج والسفر والتنقل والإقامة. وأعتقد أن هذه التكلفة الاجتماعية والمالية والمعاناة الشديدة لم يأخذها من اتخذ القرار بوقف التحويلات الطبية الى المستفيات الإسرائيلية في الحسبان. إن 17 في المئة فقط من المرضى الفلسطينيين يتم تحويلهم الى مستشفيات إسرائيلية، وبلغت قيمة التكلفة الإجمالية لعلاجهم في العام 2017 نحو 139 مليون شيكل، أي ما يعادل 32.3 في المئة من التكلفة الإجمالية للعلاج خارج مرافق وزارة الصحة، ويبلغ متوسط تكلفة علاج المريض الواحد في المستشفيات الإسرائيلية حوالي 8,558 شيكلا، في حين لا توجد أرقام أو إحصاءات حول التكلفة في مصر أو الأردن. وأدعو الدكتور اشتية ووزير الصحة مي كيلة الى أخذ هذه المعاناة والتكلفة المالية والنفسية والجسدية في الحسبان وإلغاء قرار وقف التحويلات الى المستشفيات الإسرائيلية، حرصا على صحة المرضى والتخفيف من معاناتهم ومعاناة ذويهم، والبحث عن بدائل آخرى لمعاقبة إسرائيل، والحد من قدرتها على الاستفادة ماليا من خزينة السلطة وجيوب دافعي الضرائب الفلسطينيين. |