وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

كابوس حكومة (نتنياهو) القادمة

نشر بتاريخ: 01/05/2019 ( آخر تحديث: 01/05/2019 الساعة: 18:01 )
كابوس حكومة (نتنياهو) القادمة
الكاتب: ابراهيم عبد الله صرصور
(1)
انطلقت الثلاثاء الماضي اعمال الكنيست ال – 21 بعد معركة انتخابية كانت الأشرس في تاريخ إسرائيل، والاسوأ على مستوى مجتمعنا العربي في الداخل...

سلَّط خطاب الرئيس الإسرائيلي (رؤوفين ريفلين) في جلسة الكنيست الافتتاحية الضوء على مجموعة الازمات التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي على المستويين النظري والعملي، ولخصها في: أولا، خطورة استمرار الخطاب الشعبوي المدغدغ للعواطف، والمستثير لنزعات الكراهية والمعمق لثقافة الاستقطاب. ثانيا، تحذيره من خطورة سيطرة السلطة التشريعية والتنفيذية على السلطة القضائية، الأمر الذي يهدد (الديموقراطية!!) ويؤسس لنظام يفتقد إلى منظومات رقابة حقيقية يُؤَمِّنُ التوازن بين السلطات، ويمنع تغول بعضها وتداخل اختصاصاتها. ثالثا، تأكيده على أن "تداول السلطة" هو صمام الأمان ل – "الديموقراطية!!!" في إسرائيل، مستذكرا في هذا الصدد فصلا من تاريخ زعيم الليكود السابق (مناحين بيجين) الذي مثل المعارضة المسؤولة عقودا طويلة حتى وصل الى السلطة بعد ان نجح في إقناع شرائح واسعة من الإسرائيليين بدعمه بعد ان كانوا تقليديا وقودا لحزب "مباي/العمل" منذ العام 1948 وحتى العام 1977. الملفت للانتباه ان (ريفلين) لم يتطرق الى الملف السياسي ومستقبل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بأي كلمة، والذي يشير - ربما - إلى اجندة جديدة قد تطغى على اهتمام المجتمع الإسرائيلي وحكومته في المرحلة القادمة..

أما خطاب رئيس الوزراء (نتنياهو) فلم يختلف لا في قليل ولا في كثير عن مضامينه التي يكاد يكررها في كل خطاب، حيث جاء فيه: أولا، الحديث عن معاناة اليهود عبر التاريخ (المظلومية)، وانتقالهم من حالة العبودية الى الحرية من خلال تعليقه على اللوحة التي غطت الحائط الخلفي لقاعة (شاغال) في الكنيست، والتي تلخص تاريخ اليهود ابتداء من خروجهم من مصر (العبودية) نحو الحرية بقيادة موسى عليه السلام، ومرورا بتعزيز (نظامهم السيادي) في عهد داود عليه السلام، وليس انتهاء بنهضة اليهود المعاصرة بعد المحرقة النازية. ثانيا، تأكيده على أن بقاء اليهود مرهون ببقاء إسرائيل، وبقاء إسرائيل مرهون بقوتها وتفوقها في جميع المجالات، واستعدادها الدائم لمواجهة الاخطار. ثالثا، اشارته الى زلزال "الربيع العربي" التي ما زال نشطا، والذي – في رأيه – يعبر بشكل واضح عن الفرق بين إسرائيل وجاراتها العربيات من حيث الاستقرار وال "الديموقراطية!!" من جهة، وحاجة إسرائيل الى الا تثق الا في نفسها وقوتها من أجل حماية مصالحها من جهة اخرى.. لم يتطرق نتنياهو أيضا الى ملف الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والذي يشير أيضا بوضوح الى ان هذا الملف لن يكون أولوية على جدول اعمال حكومته القادمة..

(2)

تزامنا مع انطلاق اعمال الكنيست ال -21 والتي منحت كتلة أحزاب اليمين أكثرية واضحة (65 عضوا)، إلا أن مفاوضات الائتلاف الحكومي يبدو انها ستكون صعبة وشاقة، وسيكون لها نتائجها الكارثية على مجمل الأوضاع داخليا وفلسطينيا وإقليميا ودوليا..

الأحزاب التي من المتوقع ان تشارك في حكومة نتنياهو القادمة هي: الليكود، اتحاد أحزاب اليمين (البيت اليهودي والاتحاد الوطني وعوتسما يهوديت/اتباع كهانا)، يهدوت هتوراه، شاس، كلنا (كحلون) وإسرائيل بيتنا (ليبرمان)..

المتابع لأخبار المفاوضات الائتلافية سيلاحظ بلا كثير عناء ان الأحزاب التي يُعَرِّفُها نتنياهو ب "الشركاء الطبيعيين" يعرفون تماما: أولا، أهمية اللحظة السياسية المتاحة.. ثانيا، ضرورة استثمار اللحظة من أجل تحقيق أكثر ما يمكن من الامتيازات ومساحات النفوذ.. ثالثا، تحقيق ما استطاعوا من اجنداتهم الحزبية السياسية والمطلبية والقطاعية (sectorial).. رابعا، يعرفون أيضا استعداد نتنياهو لدفع الثمن المطلوب من اجل بقائه في السلطة تمهيدا لسن قانون (الحصانة) الذي سيمنع من تقديمه للمحاكمة ما دام على رأس وظيفته، وهو ما لن تفوته أحزاب اليمين المرشحة للمشاركة في الائتلاف الحكومي..

كشف قادة "اتحاد أحزاب اليمين" علنا عن بعض شروطهم لدخول الحكومة على مدى الأسبوعين الماضيين منذ الانتخابات التي أجريت في 9 نيسان/أبريل. إلا أن مطالبهم الرسمية، التي تم تمريرها في وثيقة لمسؤولين في الليكود ونُشرت في وسائل إعلام ناطقة بالعبرية مؤخرا، تتعدى هذه التقارير، التي شملت فقط تعيين قائد القائمة، (رافي بيرتس)، وزيرا للتربية والتعليم، والثاني في القائمة، (بتسلئيل سموتريتش)، وزيرا للعدل. في خطوة تهدف إلى إقناع نتنياهو، سيطرح سموتريتش خلال المفاوضات الإئتلافية مشروع قانون اقترحه في الكنيست الأخير يهدف إلى توفير الحصانة التلقائية لأي عضو في البرلمان.

مقابل قانون الحصانة، تصر قائمة اتحاد أحزاب اليمين على: أولا، ضم مستوطنات الضفة الغربية لإسرائيل، والتي تضم أكثر من 400,000 يهودي إسرائيلي. ثانيا، تمرير مشروع قانون تجاوز المحكمة العليا الذي سيسمح للكنيست، بأغلبية الأصوات، بإعادة تمرير تشريعات ألغتها الهيئة القضائية العليا لاعتبارها غير دستورية. ثالثا، حقيبة وزارة ثالثة مثل وزارة القدس أو وزارة شؤون الشتات. رابعا، تمرير نسخة موسعة لما يُسمى بـ "القانون النرويجي"، الذي سيسمح بدخول المرشح الوحيد في القائمة عن حزب "عوتسما يهوديت"، (إيتمار بن غفير) والناشطة الاستيطانية (أوريت ستروك) بدخول البرلمان. خامسا، تشكيل لجنة وزارية يرأسها عضو من (اتحاد أحزب اليمين) ستكون مسؤولة عن شرعنة بؤر استيطانية ومنازل في مناطق نائية في الضفة الغربية المحتلة. سادسا، الإشراف على شعبة المستوطنات في المنظمة الصهيونية العالمية. سابعا، إلغاء الإدارة المدنية، وهي الهيئة التابعة لوزارة الدفاع، والمسؤولة عن إدارة معظم الإجراءات البيروقراطية للمستوطنين الإسرائيليين، والتي ستتخذ كلها – بناء عليه – من قبل المكاتب الحكومية المعنية. ثامنا، إلغاء "قانون فك الارتباط"، وهو ما سيسمح للإسرائيليين بالعودة إلى أربع مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة تم إخلاؤها في عام 2005 بالتزامن مع الانسحاب الأحادي من قطاع غزة. تاسعا، منح أعضاء الكنيست وزن أكبر في تعيين القضاة، بما في ذلك من خلال جلسات استماع برلمانية. عاشرا، منع المستشار القضائي للحكومة من اتخاذ موقف مناقض لموقف الحكومة، ومنع مراقب الدولة من الإبلاغ عن أنشطة المكاتب الحكومية في الوقت الحقيقي، على نحو التقارير التي قدمها مراقب الدولة (يوسف شبيرا) على مدى السنوات الماضية انتقدت بشدة العديد من الوزارات التي كانت تقوم بضخ الأموال إلى بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية. حادي عشر، العودة الى احتلال قطاع غزة من جديد، وتجددي الاستيطان فيها ان احتاج الأمر، واستمرت ما أسماها ب "الاعمال الإرهابية" الفلسطينية!

فهل سيعطي (نتنياهو) شريكه (سموترتش) كل ما طلب، أو اغلب ما طلب، مقابل التسريع في تشريع الحصانة الذي سيحميه من الملاحقة القضائية؟!!!!!!!!!!!

(3)

من اللافت أيضا ان كلَّ واحد من أحزاب "الشركاء الطبيعيين" لنتنياهو يستطيع منع تشكيل الحكومة إذا أصر على تلبية كل شروطه من اجل القبول بدخول الائتلاف الحكومي، وأول هؤلاء هو حزب (يسرائيل بيتينو) بزعامة (افيغدور ليبرمان) وزير الدفاع السابق، والذي حصل على 5 أعضاء والذين بدونهم لن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومته!

يبدو انه لن تكون هنالك مشكلة امام نتنياهو في تشكيل حكومته إذا ما اقنع (ليبرمان) التنازل قليلا في مسألتين: الأولى، تنازله عن قانون التجنيد والذي ترفضه أحزاب المتدينين الأصوليين "الحريديم" (شاس) و (يهودات هاتورا) بشدة، حيث ذهب رئيس حزب يهدوت هاتورا (يعقوف ليسمان) الى التهديد بالذهاب الى انتخابات تشريعية جديدة إذا ما استجاب نتنياهو لمطلب ليبرلمان لتمرير هذه القانون الذي تعتبره الأحزاب المتدينة الأصولية رجسا من عمل الشيطان، وهدما لقلاعهم التي بنوها على مدى عقود طويلة من الزمن! الثانية، تنازله قليلا عن مطلبه القضاء على حماس في قطاع غزة، وإعادة النظر في سياسة إسرائيل فيما يتعلق ب "الإرهاب"، الأمر الذي لا يرى فيه نتنياهو أية مصلحة لإسرائيل ما دامت تحتفظ بحقها في الرد "الموجع!!" على حد قوله على أي تصعيد فلسطيني تجاه إسرائيل!

إذا نجح نتنياهو في إنزال "اتحاد أحزاب اليمين" و "يسرائيل بيتينو" عن الشجرة المرتفعة التي صعدا اليها، وأقنعهما بالتنازل عن بعض المطالب "المحرجة!!" له امام شركائه المحتملين الآخرين وخصوصا الأحزاب الأصولية المتدينة، فلن تكون مشكلة في التوصل الى تفاهمات تؤدي الى تشكيل الحكومة خلال المدة التي يمنحها القانون لتشكيلها..

(4)

المهم في كل هذا المشهد: أولا، غياب القضية والحقوق الفلسطينية نهائيا عن اجندة المفاوضات الائتلافية الإسرائيلية. ثانيا، التنافس على أشده بين شركاء نتنياهو "الطبيعيين"، وهو مُنْصَبٌ في الأساس على شطب الرقم الفلسطيني نهائيا، والتمهيد لبسط السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية المحتلة وتهويد القدس، في ظل أوضاع عربية وإقليمية ودولية مواتية، ودعم امريكي بلا حدود، وتواطئ عربي (سعودي – اماراتي – بحريني – مصري) أساسا. ثالثا، استمرار سياسة التمييز العنصري والقهر القومي ضدنا كمجتمع عربي في الداخل في ظل سيطرة اليمين المتطرف، واستمرار العمل بقانوني (القومية) و (كمينيتس)، واللذين يشكلان التهديد الأكبر حاليا على هويتنا وعلاقتنا بوطننا من جهة، والتهديد على حقوقنا في الأرض والمسكن من الجهة الأخرى..

(5)

بعيدا عن فتح جروحنا العربية من جديد، تلح عليَّ بعض الأسئلة: ألم يكن بإمكاننا كمجتمع عربي قيادة وشعبا، أن نغير هذه المشهد لو أننا أحسنا التصرف وحافظنا على وحدتنا، وزدنا من تمثيلنا ومنعنا تشكيل حكومة (نتنياهو – سموترتش – ليبرمان)؟ أعلينا ان نتجرع سم هذه الحكومة مرة أخرى في الوقت الذي كان بإمكاننا ان نمنع ذلك؟! هل سيستمر الانقسام خلال عملنا البرلماني، ام اننا سنسعى فورا لرأب الصدع، والعمل على إعادة بناء المشتركة كعربون مصالحة من جمهورنا العربي، يمهد لنهوض جديد بعد كبوة انتخابات 2019؟!

إذا كان من معاني رمضان المبارك الذي سيحل علينا ضيفا عزيزا بعد أيام قليلة، أنه ثورة إصلاح وتصحيح تكون الحياة خلاله وبعده غير ما كانت عليه قبله، فهل ستكون مأساتنا كمجتمع عربي عموما، وكأحزاب عربية خصوصا، في انتخابات 2019، دافعا لثورة تصحح هذا الواقع، وتبشر بمستقبل واعد يفتح أبواب الأمل امام أجيالنا من جديد؟!

**** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني