|
صفقة القرن.. من احتلال بالقوة إلى احتلال بالتراضي
نشر بتاريخ: 04/05/2019 ( آخر تحديث: 04/05/2019 الساعة: 17:09 )
الكاتب: د.نبيل عمرو
رغم أن الفلسطينيين وبمقاييس القوة المادية هم الطرف الأضعف في اللعبة إقليميا ودوليا، الا ان موقفهم من الصفقة هو الأكثر وزنا ومصداقية.
فإن قبلوا بها فستفتح كل الأبواب امامها، وان رفضوها فسيغلق الباب الأهم الذي هو باب الشرعية الشرطية لتمريرها والبناء عليها. إذا دون وضع الفلسطينيين لتوقيعهم على أي مشروع او اتفاق، فسيظل الامر مجرد اجراء من جانب واحد ، وفي حال إسرائيل وامريكا فهو اجراء احتلالي حتى لو تغطى برداء التسوية. الملاحظ حتى الان اننا حيال هرم يقف على رأسه، ذلك ان رافضي الصفقة أي العالم كله تقريبا لم يخدم الرفض باجراءات تجعل الثنائي الوحيد القائم عليها يعيد حساباته ولو جزئيا، بل على العكس من ذلك فكلما أعلنت محافل هامة عن تحفظها، وجزء مهم من هذه المحافل هو من أصدقاء أمريكا وحلفائها، نلاحظ إصرارا أمريكيا على المضي قدما في اعتماد منطقها الأساسي القائم على عدة "لاءات" تتناقض كليا مع القواعد الدولية لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واهمها لا لدولة فلسطينية ولا لعودة إسرائيل الى حدود الرابع من حزيران ولا للقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، مع ما يستتبعه ذلك من مقترحات لا تلائم الفلسطينيين والعالم كاختزال اعداد اللاجئين مقدمة لالغاء الانروا واستبدال الحقوق السياسية للفلسطينيين ببعض المزايا الاقتصادية كما لو ان كفاحهم الوطني الذي استغرق عقودا كان من اجل تحسين ظروف المعيشة ليس الا . هنالك قاعدة تكاد تكون بديهية في مجال السياسة وتنطبق على مبدأ التحفظ الإقليمي والدولي على صفقة القرن تقول " ان فاعلية رفض أي صيغة مقترحة تتحدد على أساس قدرة المتحفظين على خدمة تحفظهم باجراءات محددة " وهنا يبدو ضرورويا الإجابة عن سؤال ماذا سيفعل المتحفظون حين تعلن أمريكا صفقتها ولا تتضمن ما يغري بقبولها او التفاوض على أساسها. وهنا تتجه الأنظار الى الدوائر التقليدية التي تتبنى حل الدولتين الملغى من الصفقة . الدائرة الأولى: الفلسطينيون والعرب، ولقد اندمج موقفهما المعلن بصورة نهائية من خلال قرارات قمتي الظهران وتونس، وخلاصته نقبل بما يقبل الفلسطينيون ونرفض ما يرفضون، وخلاصة كهذه وان كانت مطلبا فلسطينيا الا انها لا تشكل ضغطا فعالا على أصحاب الصفقة. الدائرة الثانية: المسلمون الذين تستثيرهم تراثيا وعقائديا موضوعة القدس، فقد أصدرت محافلهم مواقف متطابقة تماما مع المواقف الفلسطينية والعربية. وآخر ما يلفت النظر في هذه الدائرة التصريحات الأخيرة المباشرة والقوية التي أصدرها زعيم الدولة الإسلامية الأطلسية تركيا ضد صفقة القرن وضد أهدافها التي تتجاوز مصادرة الحقوق الفلسطينية والإسلامية لتبلغ حد تكريس السيطرة الامريكية على الشرق الأوسط بعد تمزيقه. ما فهمناه من الموقف التركي ان الرجل سيرد على الصفقة الامريكية بصفقة تركية، وسننتظر ليس لرؤية ما تتضمنه الصفقة بل لاكتشاف الاليات الجديدة لتطبيقها والإجراءات العملية لردع القائمين على الصفقة الامريكية من تحقيق تطلعاتهم. الدائرة الثالثة الاتحاد الأوروبي، لقد صارت مواقف هذه المجموعة الدولية النوعية محفوظة عن ظهر قلب، فهي تؤكد وبصورة متكررة التزامها بحل الدولتين مع تحذيرها الدائم بأنه يتلاشى، ولخدمة موقفهم يقترحون وساطات بين الأطراف جميعا لحملهم على الذهاب الى مائدة مفاوضات مستحيلة، وفي اخر اجتماع لهم عرضوا الوساطة في امر المال الفلسطيني الذي اعتدت عليه إسرائيل تحت حجج واهية. الخلاصة.. صفقة القرن ليست مشروع تسوية وان استخدمت أمريكا وإسرائيل قوتهما ونفوذهما لفرضها، فقد يقطعون شوطا في هذا الاتجاه الا انهم لن يصلوا الى تسوية نهائية، فهما يعملان لتحقيق امر غير منطقي ولم ينجح مثله في تاريخ البشرية منذ بدء الخليقة، ما يسعون اليه هو تحويل الاحتلال القائم بالقوة الى احتلال يقبل بالتراضي، وهذا ما لم يحدث ولن يحدث. |