|
المسار الديمقراطي هو الحل
نشر بتاريخ: 04/06/2019 ( آخر تحديث: 04/06/2019 الساعة: 12:31 )
الكاتب: رائد محمد الدبعي
مع استعصاء عقدة الانقسام الفلسطيني، وفشل كل محاولات توحيد الصف الفلسطيني الداخلي، سواء مبادرات العواصم العربية، أو الإسلامية، أو اللقاءات شبه الرسمية في روسيا، وجنوب إفريقيا، وجنيف، ومع عجز كل المبادرات الوطنية، سواء كانت من شخصيات مستقلة، أو أكاديمية، أو مجموعات نسوية، أو شبابية، فقد أضحى الفلسطيني يشعر أن لا قيمة، ولا فائدة، من أي محاولات جديدة لرأب الصدع الفلسطيني بأدوات السنوات العشر الماضية، وبذات الأساليب التي أضحت مبتذلة، ومشكوك بنجاعتها، وبقدرتها على رأب الصدع، وجسر الفجوة الآخذة بالتوسع يوما بعد يوم، سواء كان ذلك على شكل انحسار هوامش ثقة المواطنين بالأحزاب السياسية، لا سيما فئة الشباب، أو النسب المرعبة للشباب الفلسطيني الذي أضحى حلمه البحث عن حياة جديدة خارج حدود الوطن، حتى لو كان الثمن ركوب البحر، ومجابهة الأمواج، وأمل ضئيل بالوصول حيا إلى شواطئ أوروبا، أو غيرها من الدول التي أضحت ملاذا لشبابنا المحبط من البطالة، والفقر، والانقسام، وغياب الأمل، فأي تراجيديا أصعب من أن يصبح الهروب من الوطن الذي كان حلم المقاتلين والثوار، حلما لأبنائهم، وأي خسارة أجسم من أن يبحث جيل بأكمله عن الأمل في جنبات الوطن ، فلا يجد سوى السراب، والإحباط، والانقسام البغيض، وكم هي مفارقة حزينة، أن البحر الذي حمل دلال المغربي ورفاقها إلى شواطئ الوطن ليقيموا جمهوريتهم حتى ولو لساعات، هو ذاته الذي يحمل شبابنا المرهق، المتعب، المهاجر نحو الغرب، وكم هو قاسي أن ذات النهر الذي كان منفذا للشباب المقاتل، المؤمن، الثائر، نحو الوطن من معسكرات الهامة، والكرامة، من أجل تنسم هواء الوطن، والاستشهاد على ثراه، هو ذاته الذي يحمل اليوم أجساد متعبة من شباب في مقتل العمر، بالاتجاه المعاكس نحو البحث عن حياة جديدة، وفرص جديدة في بلاد الغرب، للأسف تلك حقيقة قاسية، مهما حاولنا تجميلها بأدوات التجميل العصرية، إلا أنها أضحت واضحة كالشمس والنهار، لمن يمتلك عيونا ترى، وقلبا ينبض.
آن الأوان لانتهاج مسار جديد، يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويعيد البوصلة إلى وجهتها الحقيقية، ألا وهي الجماهير، فالمواطن هو روح الوطن، وقلبه النابض في آن واحد، والمدن، والشوارع، والأبنية، والبنى التحتية، ما هي سوى حجارة صماء، بلا روح، ولا نبض، ولا إحساس . وآن الأوان لكي يأخذ المثقفون الحقيقيون دورهم الطليعي في توجيه الجماهير، المثقفون المشتبكين، والقلقين، والرافضين للقوالب الجاهزة، كما قال خالد الحروب في كتابه " المثقف القلق ضد مثقف اليقين، لأن صمتهم سيبقي "المتثاقفين" المهرجين، والمهادنين، والشعبويين وفقا لتوصيف جوليان باندا، وادوارد سعيد، يملئون أذاننا بالقاذورات، ويزرعون في قلوب مواطنينا مزيدا من الإحباط، والغضب، واللامبالاة بالشأن العام، ومحاولة الخلاص الفردي، بدلا من البحث عن الخلاص الجماعي. في ظل غياب انتخابات حرة وديمقراطية، وتعطيل حق المواطن بأن يكون لديه مؤسسات تشريعية تمثله، فلن ينتهي هذا العبث اليومي، ولن تتوقف السجالات الدائرة حول كل ما يتعلق بالشأن العام، ما بين مؤيد متحمس لقرار يخدم مصالحه، أو مصالح فريقه، أو معارض شرس لذات القرار كونه يتعارض مع مصالحه، وما بين هذا وذلك سيبقى الفلسطيني، تائه ما بين الاحتلال، والانقسام، وما بين حقه بالمواطنة الكاملة، وحقيقة كونه يعيش أحكام المختطفين والرهائن، ممن لا يحق لهم سوى الصمت والدعاء . إن الدعوة لانتخابات عامة، وتحديد موعد محدد وجدي لها، والاستعداد الفعلي لتنظيمها خلال فترة معقولة، ومنطقية، وتجنيد الرأي العام، ومؤسسات المجتمع المدني، خلفها، ستقود حتما نحو إعادة الاعتبار للمواطن، وستؤدي نحو التفاف الجماهير حول القرار والجهة القائمة عليه، كونه حق لهم أولا، وكونه يخرجهم من صفوف الرهائن، والمتفرجين، نحو ساحات الفاعلين، المؤثرين ثانيا . ختاما، من السهل أن يحتج الكثيرون بأن طرح مسار الانتخابات العامة مضيعة للوقت، وبأنه ليس منطقيا، وغير قابل للتطبيق، وبان توقيته غير مناسب، فالاحتلال لن يسمح بتنظيمها في القدس، وحماس لن تسمح بتنظيمها في قطاع غزة، إلا بشروطها، وبما يضمن استمرار سيطرتها المسلحة على القطاع، كما أن المرحلة غير مهيأة لذلك، نظرا لتحدي صفقة العصر المرتقبة، وسياسات الاحتلال المتغولة، وضرورة تجنيد كل الجهود لإحباطها، وهنا أقول أن كلا التحديين حقيقيين، إلا أن كلاهما يحمل فرصة في ذات السياق، ففي يتعلق بالاحتلال، هي فرصة لتجنيد العالم أجمع مع الحق الفلسطيني بالديمقراطية التي يطالبنا بها، وفيما يتعلق بحركة حماس، فقبولها بالانتخابات يعني خطوة هامة نحو إنهاء الانقسام جديا، ورفضها سيجعل المواطن الفلسطيني يفرق بين من اختار طريق التعددية والانتخابات، ومن انتصر لمسار الانغلاق، والظلام، والتسلط، وهو الأمر الذي ستكون عواقبه وخيمة وباهظة، أما حول التوقيت، فمتى كان التوقيت لصالح الفلسطيني منذ وعد بلفور عام 1917، وأما صفقة العصر، وجرائم الاحتلال، فما من مسار أنجع، أو أضمن أو أكثر فعالية وضمانة على التصدي لهما، من جبهة داخلية متماسكة، وقيادة تجدد شرعيتها عبر الصندوق الانتخابي، ومواطن يشعر انه جزء حقيقي من القرار، عندها سيكون بكل تأكيد جزء أصيل وفاعل، من المقاومة، وعبور الطرق الوعرة نحو الهدف . |