وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

اطفال غزة لا يحبون المدافع - بكاء - فزع - أرق - خوف - وحدة - انطواء - تبول لا إرادي

نشر بتاريخ: 14/03/2008 ( آخر تحديث: 14/03/2008 الساعة: 14:57 )
غزة- تقرير معا- "بكاء.. صراخ.. فزع أثناء النوم.. خوف من الوحدة.. انطواء.. تبول لا إرادي.. شرود ذهني...." هكذا انعكست عملية "الشتاء الساخن" العدوانية التي شهدتها منطقة عزبة عبد ربه إلى الشرق من مخيم جباليا للاجئين، على نفسيات الأطفال والطلبة خاصة أولئك في المراحل الدنيا هناك.

الطالبة يسرى عمر حميدة (10 أعوام) لا زالت حبيسة الخوف والفزع، وهي تتذكر مشاهد الرعب والقتل والتخريب التي وقعت أمام ناظريها في محيط منزل أسرتها الكائن في منطقة التوغل الإسرائيلي الأخير.

وروت الطالبة حميدة التي التقيناها في مدرسة شهداء جباليا الدنيا المشتركة، مشاهد إعدام المسعف محمود زقوت (26 عاما) الذي قتلته قوات الاحتلال أمام منزل العائلة، قائلة: "كان المسعف يحاول إنقاذ أحد الجرحى، عندما أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخا واحدا باتجاهه ما أدى إلى استشهاده على الفور قبل أن تسير على جسده إحدى الدبابات".

وأشارت الطالبة حميدة إلى أنها ووالديها وإخوتها الصغار تمكنوا بعد ذلك المشهد المؤلم من مغادرة المنزل قبل أن تدمره جرافات الاحتلال، حيث تحوّل المنزل إلى أثر بعد عين. وأضافت وقد بدت دموعها بالانهمار، لقد جرفوا غرفتي ومزقوا كتبي وشهادات التقدير التي كنت أحصل عليها من المدرسة، دون أي مبرر، سوى التخريب الذي اعتدنا عليه من الاحتلال على مدار السنوات الماضية.

حزن وشرود

أما الطالب الطفل قصي ماجد ريحان (11 عاما) فبدا شارد الذهن وهو ينظر بحزن وألم شديدين إلى مقعد زميله الطفل دردونة ذيب دردونة الذي غيّبته صواريخ الاحتلال عن مقاعد الدراسة إلى الأبد حينما كان يلهو برفقة بعض أقرانه في الحي.

وقال بكلمات تحمل في طياتها براءة الطفولة: ما الذنب الذي اقترفه دردونة ليتم قصفه بالصواريخ؟ لقد كان يلعب كرة القدم أمام منزله ويحلم بالعودة في صباح اليوم التالي إلى المدرسة".

هذا وقد خلفت الحملة العدوانية المسماة "الشتاء الساخن" والتي دارت رحاها شرق مخيم جباليا نحو 120 شهيدا ومئات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء والمدنيين، حيث أظهرت إحصائية أعدتها مديرة التربية والتعليم في شمال غزة استشهاد سبعة عشر طالبا وطالبة ما دون سن الثامنة عشر، بالإضافة إلى إصابة نحو ستة آخرين.

بدورها وصفت مديرة مدرسة شهداء جباليا، شادية دحبور، شعور طلابها، عقب العدوان بقولها: لقد بدا واضحا على وجوه التلاميذ مدى الخوف والرعب الذي عاشوه على مدار ثلاثة ايام متواصلة من القصف والتدمير. مؤكدة أن ما تعرض له التلاميذ شيء يفوق الوصف وهو بلا شك ترك آثارا سلبية على نفسياتهم.

ودعت دحبور التي فقدت أربعة من تلاميذها شهداء خلال العدوان، إلى تجنيب الاطفال ويلات الحروب والمعارك، موضحة أن الهيئة التدريسية في المدرسة وبالتعاون مع جهات مختصة ستواصل برامجها للتاخفيف عن التلاميذ والانتقال بهم نحو مساحات أوسع من التفاؤل والحياة، بعيدا عن القصف والقتل والتشريد.

آثار نفسية وجسدية

المرشدة الاجتماعية فاتن شكشك قالت "إن مشاهد العدوان والقتل والدمار التي عايشها الأطفال في منطقة عزبة عبد ربه، تركت آثارا نفسية وجسدية وسلوكية خطيرة على معظم الأطفال، وهو ما ظهر بجلاء في سلوك الطلبة خاصة في المرحلة الدنيا، ما يستوجب على المعنيين بالعملية التربوية والتعليمية إلى جانب الأهالي الاعتناء بالأطفال، وتغيير طرق التعامل معهم بما يتلاءم مع الواقع الجديد الذي يحيونه بعد التجربة المريرة".

وأضافت المرشدة شكشك والتي تعمل ضمن برنامج الدعم النفسي الاجتماعي الذي تنفذه وزارة التربية والتعليم العالي للحد من الآثار النفسية السلبية على الطلبة، إنها ومن خلال متابعتها للطلبة لاحظت أن كثيرا منهم بدأ يعاني من حالات فزع أثناء النوم، وتبول لا إرادي، وقلة في التركيز والتحصيل الدراسي، مؤكدة أن مشاهد العدوان لا زالت حاضرة وبقوة في ذاكرة الطلبة، وهو ما ظهر بوضوح من خلال اللوحات الفنية التي قاموا برسمها والتي جاءت في مجملها متضمنة أشكالا للطائرات والدبابات والجرافات والشهداء والمنازل والأشجار المدمرة".

ومنذ انتهاء العدوان على منطقة عزبة عبد ربه، سارعت وزارة التربية والتعليم العالي إلى اتخاذ التدابير اللازمة للحد من الآثار النفسية الكارثية لدى الطلاب، وذلك من خلال تنفيذ برنامج الدعم النفسي الاجتماعي في أربعة من المدارس التي كانت مسرحا للعدوان الأخير، والمدارس هي: شهداء جباليا الدنيا المشتركة، شهداء جباليا العليا للبنين، شهداء جباليا الدنيا "أ" للبنات، وشهداء جباليا الدنيا "ب" للبنات.

بدورها أوضحت عزة محيسن رئيس قسم الصحة النفسية بالوزارة، أن الهدف من تنفيذ ذلك البرنامج الوقوف على أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية والحد منها، وذلك على ثلاث مراحل وهي: رواية القصة، والرسم الحر، والدراما أي إعادة تمثيل الحدث داخل الفصل.

وأكدت محيسن أن الوزارة وبالتعاون مع منظمة "اليونسيف" العالمية، وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والنفسية، ستتولى متابعة العديد من الحالات المستعصية داخل العيادات المختصة، حتى زوال كافة آثار الصدمة بشكل نهائي.

وقد استمر البرنامج ما بين السادس والثالث عشر من الشهر الجاري، بإشراف وزارة التربية والتعليم ممثلة برئيس قسم الصحة النفسية عزة محيسن، ومدير دائرة الإرشاد أحمد عوض، ومديرية التربية والتعليم في شمال غزة، ممثلة برئيس قسم الإرشاد التربوي عبد الحكيم السعافين، ومشرف التربية الخاصة ماجد المدهون. وقد شارك في تنفيذ ذلك البرنامج ثمانية عشر مرشد مرشدة اجتماعية.

هكذا إذن، دموع وآهات وأحزان على مقاعد الدراسة.. وجراح نفسية وسلوكية بحاجة إلى فترات طويلة كي تندمل.. لتبقى وحدها الطفولة والبراءة في فلسطين ذبيحة وجريحة وطريدة، تبحث عمّن يداوي جراحها وقد لا تجد كما هو الحال مع المسعف الشهيد محمود زقوت الذي أسعف المئات، لكنه لم يجد من يسعفه!!