|
شرائح العدو الداعمة للصمود
نشر بتاريخ: 09/07/2019 ( آخر تحديث: 09/07/2019 الساعة: 10:37 )
الكاتب: رائد محمد الدبعي
بينما كنت أخط هذه السطور حول إعلان مفترض لإحدى شركات الاتصالات الإسرائيلية " أظنه مفبركا " انتشر عبر "الفيس بوك" يشير إلى عرض للموظفين العموميين لدى السلطة الوطنية الفلسطينية بتقديم خدمة الاتصال بنصف السعر أي بما يعادل ثلاثة دنانير أردنية شهريا، نظرا للأزمة المالية التي تعاني منها السلطة بسبب قرصنة أموالنا من قبل الاحتلال، وصلتني رسالة من شركة الاتصالات الفلسطينية تقول " لضمان استمرار خدمة الهاتف وخط النت يرجى تسديد المبلغ المستحق على رقم ... خلال اليوم " بعد فشلي من التيقن من صحة خبر الإعلان الاسرئيلي، وعدم نجاحي بالوصول إلى أصل له عبر إعلانات الحملات على الصفحة الرسمية للشركة الإسرائيلية التي نشر الإعلان باسمها، تداركت أن استمراري بكتابة هذه السطور ليس مرتبط بمصداقية الخبر، إذ يكفي ردود فعل عدد كبير من المواطنين الذي اتخذوا منه منصة للتعبير عن سخطهم على أسعار شركات الاتصالات الفلسطينية مقارنة بالدول المجاورة، وليس شركات دولة الاحتلال فقط، وتحصيل رسوم تم إقرار سوابق قضائية بعدم قانونيتها لصالح أحد المواطنين الذي رفع دعوة ضد تحصيل شركة الاتصالات الفلسطينية رسوم تحت إسم "خط النفاذ"، بينما لم يتعدى خبر الشركة الإسرائيلية سوى منطلقا للحديث حول دور القطاع الخاص الفلسطيني في دعم صمود المواطنين، أذ أنني أؤمن بشكل راسخ أن مقاطعة البضائع والخدمات التي تأتي من دولة الاحتلال، هو التزم أخلاقي، ووطني، وديني، وإنساني" كما أن عنوان المقال جاء ساخرا ناقدا مستحيلا بهدف استفزاز شعورنا الوطني الجمعي .
للشهر الخامس على التوالي يخوض مئات الآلاف من الموظفين العموميين معركة الصبر والالتزام الوطني، إذ دخلوا شهرهم الخامس بنصف راتب، أو ما يزيد قليلا، فيما يقفون على أعتاب عيد الأضحى، وافتتاح العام الدراسي الجديد، والتحاق عشرات الآلاف من أبناءهم بمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، وفي ظل موقف وطني مبدئي للشعب والقيادة الفلسطينية، برفض وصم شهدائنا وأسرانا بالإرهاب، ورفض قرصنة أموال شعبنا من قبل حكومة الاحتلال، وهو الأمر الذي من الواضح أنه قد يطول، وقد يتكرر بشكل مستمر، للضغط على القيادة الفلسطينية من أجل الخضوع للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية . من غير المتوقع أن تقبل القيادة الفلسطينية بالشروط الأمريكية المتمثلة بإنهاء القضية الفلسطينية عبر إسقاط حق العودة للاجئين، والتنازل عن القدس، والقبول بكيان هش، لا يتجاوز الكانتونات في أحسن الظروف، وتحت السيطرة الأمنية والاقتصادية لإسرائيل، يضاف إلى ذلك أن ترامب يبقى هو المرشح الأوفر حظا للفوز بالانتخابات الأمريكية القادمة، وأن اليمين الإسرائيلي لا زال ممتلكا للأدوات اللازمة للاستمرار في الحكم على المدى القريب والمتوسط، فيما الأنظمة العربية عموما تجري مع التيار الأمريكي، وتستعذب موجة التطبيع المجاني مع الاحتلال، وهو الأمر الذي يجب أن يكون حاضرا في رسم سياساتنا الوطنية، وخياراتنا خلال السنوات الخمس القادمة. في ظل كل تلك الأوضاع، من الهام للغاية التحول من لغة الخطابات إلى لغة البرامج، ومن مقاعد الرفض إلى ميدان المبادرة، ومن التعويل على المستقبل إلى المشاركة في رسم معالمه، ومن ردة الفعل إلى الفعل، وهو الأمر الذي يتطلب مشاركة الكل الفلسطيني في تحمل أعباء المسؤولية، إذ أن صمود المواطن الفلسطيني على أرضه في هذه الظروف يعتبر التحدي الأبرز للمشروع الصهيوني، الهادف إلى تحقيق حلمه القائم على أرض أكثر وعرب أقل، وهو الأمر الذي يستوجب أن تشارك مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني في تجاوز هذه المرحلة الصعبة، بما في ذلك القطاع الخاص العابر للحدود والقارات، والذي من واجبه أن يكون لبنة بناء في تعزيز صمود المواطن، فعلى الرغم من الدور الهام الذي يلعبه رأس المال الوطني الملتزم من رفد الاقتصاد الوطني بأدوات الصمود ومقومات التنمية، وتقليص نسب البطالة والفقر، والموقف المشرف الذي سطره الغالبية العظمى من رجال الأعمال في فلسطين، برفضهم المشاركة في ورشة البحرين التآمرية، إلا أن هناك دورا إضافيا من الممكن أن يقوم به رأس المال في فلسطين، والمتمثل بتوفير مختلف التسهيلات التي تساهم في توفير حياة كريمة للمواطنين، لا سيما شركات الاتصالات، والمؤسسات التعليمية، وشركات الوقود والطاقة، والكهرباء التي بادرت مشكورة لشحن مجاني للموظفين ضمن قواعد محددة، علما أنه ليس من المطلوب من تلك الشركات تقديم خدماتها للمواطنين مجانا، إذ أن تعظيم الأرباح هو هدف مباح للقطاع الخاص، لكن وفي ذات الوقت، من غير المعقول أن يتحمل محل بقالة في أحد الأحياء الشعبية ديون باهظة لتعزيز صمود الموظفين، فيما ترفض شركات الاتصالات والجامعات، والكهرباء، والمياه، وغيرها من الشركات الكبرى التي تقدم خدمات أساسية للمواطن أن تقدم ذات التسهيلات، التي قد تؤدي إلى تراجع نسبة أرباحها على المدى القصير، ومن غير المقبول أبدا أن يرتضي أي من رجال الأعمال أن يمارس أعمال مريبة، تبدأ بالتواصل المباشر مع الإدارة المدنية، وتمتد لتشمل لقاءات، وامتيازات، وتسهيل العمل التجاري، والمكاسب التجارية، والعلاقات الثنائية، دون أن يواجه بكل حزم وعدالة وقوة، فالاحتلال ليس شركة خيرية، ومن السذاجة تبرير تلك الأعمال أو وصفها تحت أي شعار كان، سوى بأنها تراجع وطني، وأخلاقي، من المطلوب مواجهته قانونيا بشكل حاسم ورادع وعادل، حتى لا ينفرط العقد على الغارب، ويتحول الوطن إلى شركات استثمارية كل منها يبحث عن الربح والخلاص الفردي على حساب الوطن والقضية وملايين الفقراء من أبناء شعبنا . من غير الممكن تجاوز الأزمة الاقتصادية التي يمر بها شعبنا دون إعادة توزيع الحمل على الجميع، ودون أن تتحول قيم التضامن، والتعاون، والعمل المشترك من شعارات على واجهات الإعلانات، إلى سلوك جمعي، وهو الأمر الذي من يتطلب التحلي بروح المسؤولية المجتمعية من القطاع الخاص، وإعادة النظر في القوانين والسياسات المنظمة له من قبل الحكومة الفلسطينية، وتكثيف أدوار الحركات والقوى السياسية، ووسائل الإعلام، ودور العبادة نحو تعزيز قيم التضامن، والتعاون، دون ذلك ستبقى أسواقنا ساحة مستباحة لشركة اتصالات إسرائيلية، أو إحدى شركاته البانه، أو غيرها، والتي هي جزء من أعمدة الاحتلال، ومقومات استدامته . |