|
الانتخابات البلدية الفلسطينية... النتائج والدلالات بقلم: ماجد عزام
نشر بتاريخ: 19/10/2005 ( آخر تحديث: 19/10/2005 الساعة: 10:36 )
معا- نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الفلسطينية (البلدية) أثارت كما الدورة الأولى جدلا بجزئيها وردود فعل واسعة حول النتائج والرابح الأساس او الرئيس فيها، ومع تقديم كل طرف لأرقام ونتائج متشابهة تقريبا. الا أن الاختلاف تمثل في الزاوية التي تتم قراءة الانتخابات منها والمقصود طبعا الحملة السياسية والعسكرية والاعلامية الشرسة التي شنتها قوات الاحتلال ضد حركات المقاومة بشكل عام وحركة "حماس" بشكل خاص.
قبل قراءة المدلولات السياسية والحزبية للنتائج، يجب إلقاء نظرة على النسخة الرسمية منها، التي اعلنت من قبل رئيس اللجنة المركزية للانتخابات الوزير السابق والنائب عن حركة "فتح" جمال الشوبكي الذي اشار الى أن "فتح" حصلت على 546 مقعدا، اي ما نسبته 54%من عدد المقاعد و"حماس" على 165 مقعداً من اصل 1081 مقعدا موزعة على 104 دوائر انتخابية، الشوبكي اشار الى حصول "الجبهة الشعبية" على 50 مقعدا و"الجبهة الديمقراطية" على 103 مقاعد و"حزب الشعب" على 17 مقعدا والباقي ذهب للعشائر والمستقلين. النتائج التي أعلنتها حركة "حماس" تتناقض شكليا مع النتائج الرسمية رغم أنها جوهريا لا تفعل الشيء نفسه وتقدم فقط مقاربة او قراءة مختلفة للأرقام والاحصائيات وهي جاءت على النحو التالي: جرت الانتخابات فعليا في 82 دائرة انتخابية فيما حسمت النتائج في 22 دائرة انتخابية بالتزكية. شاركت الحركة بشكل مستقل وبقوائم كاملة في 62 دائرة انتخابية فحصدت ما نسبته 34.5 من الأصوات أي 229 مقعدا من مجموع 632 مقعدا اي %36.2. عدد الدوائر الانتخابية التي فازت فيها الحركة بالغالبية المطلقة من بين الدوائر 62 هي 13 دائرة انتخابية ومعظمها من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. شاركت الحركة اضافة الى الدوائر الـ62 في تحالفات مع قوائم اخرى في 12 دائرة مع حركة "فتح" و"الجبهة الشعبية" و"الديمقراطية" و "حزب الشعب". لم تشارك الحركة في الدوائر المتبقية لاعتبارات أمنية. دمج نتائج واحصائيات "حماس" ضمن النتائج العامة الرسمية يؤدي الى تظهير الصور بشكل أوضح ويقدم بالتأكيد فكرة عن الواقع السياسي الفلسطيني، ووفق ما اظهرته الانتخابات يمكن رسم الخطوط العريضة على النحو التالي: أولا، رغم الفوارق الكبيرة في عدد المقاعد التي فازت بها حركة "فتح" و تلك التي فازت بها "حماس" الا أن الفوارق في عدد الأصوات لم يكن كذلك في ظل فوز "حماس" بمعظم الدوائر والمجالس ذات الثقل السكاني المرتفع مثل بيت أمر (14105)، بيت عور التحتا (4516)، قبيا (5046)، بتعداد سكاني يقارب المئة ألف، الأمر الذي يعني أن فارق المقاعد لا يمكن ترجمته أو لا يعبر عن فارق مماثل في الأصوات والجماهيرية. ثانيا، الدورة الثانية تكرس بوضوح ثنائية "فتح" و"حماس" التي عبرت عنها نتائج الدورة الأولى، والكفة تعتبر متعادلة بين الطرفين مع تفوق يبقى لطرف ما في هذه المنطقة أو تلك. ثالثاً، القانون النسبي الذي اعتمد بالكامل في هذه المهلة وبنسبة 100% ساهم في تضييق الفوارق بين الأحزاب والتشكيلات السياسية، وأضفى كذلك الطابع السياسي الصرف على الإنتخابات، وبالتالي فإن الدورة القادمة التي ستجرى في كانون الأول في المدن والتجمعات السكانية الكبيرة، غزة - نابلس ستقدم فكرة أوضح عن حجم القوى في الشارع الفلسطيني بوصفها ستجرى في المدن والمحافظات ذات الثقل السكاني والحزبي الكبير. رابعاً، لا يمكن تجاهل الظروف التي جرت فيها الإنتخابات حيث تعرضت "حماس" لحملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية، ورغم أن النتائج تظهر أنها لم تتأثر في هذه المرحلة من تلك الإعتقالات، إلا أن هذه قد تؤثر جدياً على فرص الحركة في الدورة الثانية، والأهم من الإنتخابات البلدية التي ستجرى في كانون الأول المقبل هي الإنتخابات التشريعية التي ستجرى في كانون الثاني. ونظرة على طبيعة المعتقلين ونوعيتهم تؤكد الاحتمال السابق وحسب بيان جمعية أنصار السجين، فان 90 معتقلا من أصل 423 اعتقلوا في الحملة الأخيرة هم مرشحون للانتخابات المحلية والبلدية والتشريعية، ومنهم 5 رؤساء بلديات وأكثر من 25 عضواً بلدياً ومحلياً، 50 يعملون في مجالس الطلبة، و25 استاذا ومحاضرا جامعيا و25 مدير مدرسة وجمعية ومركز دراسات، و24 امام مسجد و20 مدرساً في مدرسة حكومية وخاصة و7 مدراء مدارس و3 اطباء وممرضين و5 صحافيين و15 طالب مدرسة وما يزيد عن 70 موظفا في مؤسسات وجمعيات خيرية وحقوقية ونقابية. خامسا، لا يجب الحديث عن نتائج الانتخابات البلدية دون الالتفات الى النتيجة المميزة التي حققتها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي نجح 56 من مرشحيها من اصل 153 مرشحا وحازت الجبهة على 5% تقريبا من المقاعد والتي هي نتيجة مميزة لها في ظل الظروف التنظيمية والمالية الصعبة التي تعاني منها وعلى رأسها بالطبع اعتقال الأمين العام ونائبه، وفي ظل اتباع النظام النسبي بالكامل، فان الجبهة ستلعب دورا مؤثرا في التحالفات داخل المجالس البلدية المحلية بشكل خاص وفي الحلبة السياسية بشكل عام. النظام النسبي خدم كذلك فصائل اليسار الأخرى، "الجبهة الديمقراطية" و"حزب الشعب" و"المبادرة الوطنية"، وأظهرت النتائج أن تحالف هذه التنظيمات والتشكيلات السياسية وبلورة ما يسمى بالتيار او الطريق الثالث هو أمر قابل للحدوث ويكسر الثنائية الحالية ويضفي مزيدا من الحيوية على الحياة السياسية الفلسطينية. المعطيات والاحصائيات السابقة تمثل مؤشرات اولية فقط والاختبار أو المحك الحقيقي سيكون في الانتخابات التشريعية القادمة التي ستقدم خريطة دقيقة عن الواقع السياسي الفلسطيني مع الانتباه الى التدخلات والتأثيرات الاسرائيلية التي تنال من مبدأ تكافؤ الفرص وكذلك الى قانون التسوية الذي ستجرى على اساسه الانتخابات حيث يتم اتباع المناصفة بين النظام الأكثري- الدوائر الجغراقية- والنظام النسبي -القوائم الحزبية. وللمفارقة، فان كتلة "فتح" في المجلس التشريعي بقيادتها الشابة عارضت بشدة تبني النظام النسبي بشكل كامل، الأمر الذي اتضح انه خاطيء تماما في ضوء نتائج الدورة الثانية للانتخابات البلدية. بقلم - ماجد عزام-مدير مركز شرق المتوسط للخدمات الصحفية- بيروت |