|
ضمن مهرجان "شاشات"- فيلم "الكوفية"...حين تضمد الكوفية جراح الوطن
نشر بتاريخ: 17/07/2019 ( آخر تحديث: 17/07/2019 الساعة: 20:01 )
رام الله- معا- سلطت الضوء المخرجة الشابة أفنان القطراوي في فيلمها "الكوفية" على جوانب ليست جديدة في غزة مثل الانقسام وطموح الجيل الشاب والآثار، لكن السياق السينمائي والدرامي الذي رسمته لذلك جديد، وأعطى القصة حيوية، كما أن غزة ظهرت مختلفة أيضاً.
والفيلم يتناول حكاية فتاة اسمها وعد تؤدي دورها الممثلة نيرة صالح، درست إعلام وتريد أن تشارك في مسابقة لصناعة أفلام عبر "الموبايل"، وتلتقي صدفة بصديقة قديمة تُعيرها "حامل للكاميرا" اسمها لبنى وتؤدي دورها الممثلة عبير أحمد. وهنا تبدأ بينهما صداقة في الحياة والمهنة، وتزوران معاً الأماكن الأثرية في غزة للمشاركة في مسابقة الأفلام، ومن منطلق حرصهن على إبراز الموروث التاريخي لفلسطين، تقرران العمل سوياً على إنتاج فيلم عن آثار غزة. تقول وعد لصديقتها حينها "تعرفي يا لبنى لو رجع الزمن سأدرس آثار بدل الإعلام، وأتعلم الترميم لأنه كل حجر هنا خلفه قصة". الفيلم يفتح أمامنا مشاهد بانورامية للمناطق الأثرية التي تحفظ عمق تاريخ وحضارة غزة والتي تتناقض مع الصور الشائعة لبيوت غزة المدمرة، ويختار قصة بسيطة لطموحات صديقتين تحلمان بصناعة فيلم يجمع بين شطري الوطن المقسم في كل من غزة والضفة الغربية من خلال التاريخ الجمعي لحضارته المعمارية العريقة، وبين واقع الانقسام الذي تحطمت عليه كل الآمال وجعلت وعد في نهاية الفيلم تمزق بيأس بطاقات جداول التصوير وتلقي بها إلى البحر، بينما "بلوزة" وعد في هذا المشهد وصوت فيروز ينفيان واقع الانقسام ويؤكدا ديمومة فلسطين الواحدة والجامعة "لن أنساكِ فلسطين"... كان من المفترض أن تقوم لبنى بتسليم صديقتها وعد أرشيف لتصوير المدرج الروماني وقصر هشام في أريحا في الضفة الغربية الجزء الآخر من الوطن الذي لا تستطيعان زيارته، كي تؤرخان له في مشروعهما عن الموروث المعماري للوطن الواحد، وتبدآن العمل على الفيلم، لكن تجدد الشجار المسلح نتيجة لثأر قديم بين الجيران على خلفية الانقسام السياسي يمنع لبنى من الخروج من المنزل بسهولة وتسليم الأرشيف إلى وعد. وهنا يصبح كل ما تخططان له مهدداً، خاصة خطط وأحلام الشابة وعد التي تستيقظ كل يوم صباحاً وتلبس كوفيتها؛ الشعار الجمعي الفلسطيني، وتنطلق إلى شوارع غزة حاملة معها بطاقات جدول تصوير فيلمها عن وطن غير منقسم تراثياً. إلا أن مشروع وعد ولبنى لتوثيق التراث المعماري التاريخي لشطري الوطن يُصدم بالواقع العكسي للإرث الثقيل للاقتتال الفلسطيني الداخلي، والذي يجهض تسلم وعد من لبنى أرشيف الآثار للضفة الأخرى من الوطن. وهكذا لا تستطيع لبنى مجازياً صنع فيلم عن وطن غير منقسم، لأن الوطن انقسم بدم الأخوة ولم تعد الكوفية كافية لجمعه وتضميد جراحه، بل تلوثت به؛ فحين تتوجه وعد إلى منزل لبنى لأخذ الأرشيف منها تصيبها شظية رصاصة تؤدي إلى جرحها، فتمسح بكوفيتها الدماء، وهكذا يظهر التناقض في اللحظة التي تحولت فيها الكوفية من رمز جامع لهذا الوطن إلى ضمادة لجروح الانقسام. وهذا الفيلم واحد من عشرة أفلام من إخراج مخرجات فلسطينيات شابات من الضفة الغربية، القدس وقطاع غزة، قامت مؤسسة "شاشات سينما المرأة" بإنتاجها والإشراف عليها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لنجاحها، وسيتم إطلاقها في "مهرجان شاشات الحادي عشر لسينما المرأة" الذي يحمل عنوان "أنا َفلسطينية". وتبحث هذه الأفلام في البعد الذاتي للانتماء والهوية، كما تركز على تعبيرات متشعبة عن حَيَوات المرأة الفلسطينية المتعددة التي تعطي عمقاً إبداعياً وذاتياً لتصورات سينمائية حول العلاقة مع الأشخاص، الأشياء، المشاعر، الأماكن، الحكايات والعلاقات. وتسلط الأفلام الضوء على إعطاء عمق شخصي لكيفية تعزيز المواطنة بأبعادها المكانية والزمانية وفضاءات احتمالاتها، إذ تشكل أفلام "أنا فلسطينية" جزء من مشروع "يلاّ نشوف فيلم!" الذي تنفذه مؤسسة "شاشات سينما المرأة"، وهو مشروع ثقافي-مجتمعي ممتد على ثلاث سنوات بتمويل رئيسي من الاتحاد الأوروبي وتمويل مساعد من مؤسسة CFD السويسرية وممثلية جمهورية بولندا في فلسطين، ويستهدف جمهور واسع وفئات مجتمعية مختلفة في سعيه إلى تطوير قدرة الفئات المجتمعية المختلفة على النقاش والتفاعل المتبادل، وذلك بهدف تعزيز المواطنة وحرية التعبير والتسامح والسلم والمسؤولية المجتمعية وتماسك النسيج الاجتماعي. تقول المخرجة القطراوي عن تجربة صناعة الفيلم بكاملها "التجربة بدأت منذ رأيت إعلان التسجيل في مسابقة أفلام مؤسسة شاشات قبل انتهاء الموعد بيوم واحد، فعملت على القصة بشكل سريع، لأني كنت مهتمة جدا أنأحظى بفرصة، وبالفعل جاءت التجربة مع شاشات تجربة جميلة وثرية لنا كمخرجات". وتوضح أن المرحلة الأولى تمثلت بقبول شاشات للفكرة، ومن ثم المرحلة الثانية بتطوير المعالجة الدرامية، وسط اهتمام المنتجة د. علياء ارصغلي بتطويرها بشكل كبير، وشيئا فشيئا ظهرت معالم الفيلم عن فتاة فلسطينية تريد صناعة فيلم ترويجي عن غزة لكن الانقسام يعيقها. وتلفت بقولها أن سيناريو الفيلم تمت كتابته بعد تعديل سبع نسخ منه، ففي كل مرة يتم إضافة أو حذف عبارات من الحوار أو أفكار عن الانقسام. وحول رسالتها عن غزة تقول "هي مدينة جارة للبحر، وابنة التاريخ، وباطنها فيه آثار تحكي قصة من جاؤوا إليها غزاة أو ضيوفاً، لكن هذه الآثار مهملة ولا أحد يمنحها القدر الكافي من الاهتمام، فحاولت أن أتحدث عنها عبر قصة صديقتين تهتمان لتاريخ البلد لكن ظروف البلد أقوى منهما". وأكدت المخرجة الشابة أنها أرادت القول بأن الانقسام السياسي لم يتضرر منه الساسة فقط، بل الشباب أيضاً كأحد ضحاياه الرئيسيين، متابعة بقولها " لذلك أردت تصوير بطلة الفيلم مفعمة بالحيوية والشغف، لكن الانقسام يطفئ شغفها". وعن الصعوبات التي واجهتها تقول " الصعوبات التي واجهتني بالمستوى الطبيعي لم تكن شيئا ليعجزني خاصة أنني اعمل في صناعة الأفلام مسبقا، لكن كانت العقبة باتساع عدد الفريق الذي يخص فيلمي إذ أنها المرة الأولى التي أعمل بها مع طاقم به 10 أفراد، وإدارة أمزجة بشرية مختلفة في موقع التصوير"، لافتة كذلك إلى القصف الإسرائيلي الذي بدأ خلال تصوير الفيلم، ما جعلهم يلغون التصوير أكثر من مرة. من جهتها قالت الممثلة نيرة صالح التي تميزت بأداء دور الفتاة وعد في الفيلم، فقد كانت شديدة الهدوء لكن الإتقان أيضاً، حيث ملامح وجهها وردود فعلها تتبدل دون أن يشعر المُشاهد أنها تمثل أو تبالغ، "منذ طفولتي لدى رغبة في خوض مجال التمثيل والوقوف أمام الكاميرا، لكن الكثير من العقبات كانت تقف أمامي كآراء الناس وانتقاداتهم، وعدم وجود الإمكانيات المتاحة للتصوير باحترافية عالية في ظل الحصار، إلا أن إرادتي جعلتني أوقن أن موهبتي أكثر من مجرد هواية". وحول الصعوبات التي واجهتها خلال تصوير الفيلم أوضحت أن التصوير كان يستغرق وقتاً طويلاً في ظل وضع حساس لقطاع غزة، ما يجعل هناك ضغط نفسي كي يتم تصوير الفيلم في الوقت المحدد مع إعادة المشاهد لتكون بالجودة المطلوبة. وتستدرك الممثلة صالح "ومع كل هذه الصعوبات إلا أنه كان هناك أداء متميز من قبل فريق شاشات في وقت كان أشبه بالمستحيل لإخراج فيلم رائع، لكن هذا حدث بسبب وجود هذا الطاقم الذي يشبه عائلة تخفف عن أبنائها الضغوط". |