|
الحقائق الموجعة ، والأسئلة المغيبة!!!
نشر بتاريخ: 30/07/2019 ( آخر تحديث: 30/07/2019 الساعة: 16:15 )
الكاتب: عوني المشني
الحقائق عنيدة ، وفِي احيان كثيرة تكون موجعة ، لهذا يستطيب الكثير من الأناس بالهروب منها الى عالم الاوهام المتخيلة ، وهذا امر طبيعي ، فالهروب الى السهل حتى لو كان وهما مريح ، لكن الغير طبيعي ان يصدق هؤلاء أوهامهم ويصدرونه للاخرين على انه حقيقة رغم علمهم الاكيد بانه كان ملجأ لهم للهروب لا اكثر .
لم نبدأ بعد ....... القرار الفلسطيني بوقف التعامل بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الاسرائيلي هو ذاك الوهم الذي يعرف الجميع انه وهم ، متخذين القرار يعلمون ذلك ، والمثقفون الفلسطينيين على اختلاف مدارسهم الثقافية يعرفون ذلك ، فصائل المعارضة على اختلافها تعلم علم اليقين انه وهم ، والاهم من كل هؤلاء ان الغالبية العظمى من شعبنا تعلم انه وهم اما لماذا وهم فهناك الف سبب وسبب ذلك ، ولكن لا يوجد سبب يجعل من هذا القرار ذو معنى . السذج فقط هم من يعتقدون ان علاقتنا بالاسرائيليين كمؤسسة يحكمها قوانين واتفاقيات ، علاقتنا صراع ، صراع تتداخل فيه كل عناصر الحرب والمقاومة والاتفاقات والخلافات والتفاهمات ، كل طرف يعقد اتفاقيات بما يمثل مصلحته ، يلتزم بالبنود التي تخدمه ، يتجاهل وفق قدرته وما تعطيه موازين القوى ما يتعارض مع مصلحته من اتفاقيات او اجزاء منها ، يعزز من الاتفاقيات ما يخدمه ، وكل ذلك في اطار الصراع والذي تحكمه موازين القوى ، ومنذ اليوم الاول لاتفاقيات اوسلو وأسرائيل تتعامل من هذه المنطلقات ، فاسرائيل وقعت اتفاقيات لتتجاوزها او لتتجاوز ما تراه معيقا لها وليس لتلتزم بها وكل الشواهد تؤكد ان اسرائيل تجاوزتها ، واسرائيل وقعت اتفاقيات لتلزمنا بها وكل الشواهد تؤكد انها تضغط لالتزامنا باكثر مما في الاتفاقيات بما يخدم مصلحتها . هذا هو مفهوم اتفاقيات في ظل الصراع ، من اعتقد ان الاتفاقيات مقدسة فهو واهم ، المقدس موازين القوى ومصالح الطرف الذي يستطيع ان يفرضها عبر موازين القوى . لم ننتهي بعد ........ من قال ان إلغاء الإتفاقيات مرهون برغبة من يرغب من الطرفين ؟!!! إلغاء الاتفاقيات مرهون برغبة من يستطيع وليس من يرغب، هذا الف باء السياسة ، هذا لا يحتاج لتفسير ، وتطبيقا لهذا فهل تستطيع السلطة الفلسطينية مثلا ان تتجاوز باريس الاقتصادي ؟؟!!! الموانئ والمعابر ونظام الضرائب اسرائيلية، كيف سنستورد ؟؟؟ كيف سنصدر ؟؟؟ من سيحصل الجمارك ؟؟؟ وهل نمتلك القدرة على ادخال مواد خام للتصنيع ؟؟؟ الف سؤال بل عشرات الالاف من الأسئلة لها اجابة واحدة، اسرائيل تتحكم بكل هذا . امام هذا الوضع ماذا يعني إلغاء او وقف العمل باتفاق باريس ؟؟!!! وحتى إلغاء او وقف العمل باتفاق باريس هل سيكون ما بعد ذلك وضع فلسطيني اقتصادي افضل ؟!!! بمعنى ان إلغاء الاتفاق سيفضي الى استمرار التحكم الاسرائيلي بمفاتيح الاقتصاد الفلسطيني انطلاقا من قوة الاحتلال ومجال سيطرته . اما التنسيق الأمني فذلك حدث ولا حرج ؟؟؟ هل سأل احد مثلي سؤالا ساذجا عما اذا اسرائيل ستسمح بعشرات الالاف من البنادق في ايدي قوات الامن الفلسطيني بدون تنسيق امني ؟؟!!! هل سال احد سؤالا ساذجا لماذا تدفع اوروبا رواتب المتقاعدين العسكريين كاملة وشهريا ، وهل ستستمر بالدفع اذا توقف التنسيق الأمني ؟؟!!! وطبعا عشرات ومئات الأسئلة الساذجة الاخرى . اما ان اسرائيل لم تلتزم بالاتفاقيات فهذا صحيح فاسرائيل طرف يمتلك القوة لتجاوز الاتفاقيات وتمتلك القوة لتنفيذ ذلك التجاوز ، وتمتلك القوة لارغامنا على الالتزام بما يراد منا الالتزام . من يريد من الفلسطينيين ، وكلنا طبعا نريد ، تجاهل وتوقيف الالتزام وتوقيف العمل وإلغاء الاتفاقيات هذه ، من يريد ذلك - وكلنا نريد ذلك - عليه مراكمة تغيير في ميزان القوى عبر أدوات كفاحية تمكنه من تحقيق ذلك ، هذه هي المعادلة للتعاطي مع اتفاقيات في ظل صراع ، ومن يعتقد ان الحكاية قرار يؤخذ في اجتماع فهذا ليس له علاقة بالسياسة لا من قريب او بعيد . لم ننتهي بعد ....... لنتخيل مثلا ان السلطة لم تلتزم بكل الاتفاقات الموقعة ، هل يبقى سببا لاسرائيل بعدها لتبقي السلطة ؟؟؟!!!!! فالسلطة لم تأتي على ظهر دبابة بل جاءت نتاج اتفاقيات ، وتريد إلغاءها او وقف العمل بها ، اذن لماذا تبقى السلطة ، او لماذا تبقي اسرائيل على سلطة جاءت باتفاقيات وأوقفت العمل بذات الاتفاقيات التي أنشئت السلطة بموجبها . حقيقة نحن امام طرفة وليس امام عمل سياسي احترافي ، وحتى نكون جديين ، لم تأتي اسرائيل بسلطة الا لتحقيق مصالحها ، واستمرار وجود السلطة - مرة اخرى في ظل موازين القوى الحالية - مرهون بتحقيق المصالح الاسرائيلية ، وحال ان اصبحت السلطة معيق لتلك المصالح فانها لن تبقى او على اقل تقدير لن تجد الموافقة الاسرائيلية على بقاءها . لم ننتهي بعد ......... ربما ان الأغرب ليس القرار الذي اتخذ ، بل المطالبات المتكررة من مثقفين وسياسيين وفصائل باتخاذ هذا القرار !!!! ان فصائل نقلت مركز قرارها ليصبح علنيا وتحت الاحتلال لم تعد فصائل تحرير ، عن ماذا نتكلم !!! هل حقا هناك من يصدق ان قيادات تنظيم تعيش في العلن وتسافر في طرقات يسيطر عليها الاحتلال وتغادر عبر حدود يسيطر عليها وتعود وتقود تنظيما يعمل بحق لتحرير فلسطين ؟؟!!!! ربما لم يبقى سوى ان يزودهم الاحتلال بالسلاح لتحرير وطنهم منه !!!! ايوجد عاقل واحد يصدق ان امرا كهذا يحدث او حدث على مر التاريخ ؟!!! مؤتمرات لتنظيمات ومجالس وطنية وبيانات علنية في ظل سيطرة الاحتلال !!!! هل يصدق شعبنا ان الاحتلال يسمح لنشاط واحد يؤذيه ؟!!!! اما المثقفين الذي لا يجدون مهمة لهم سوى " يجب على ..... " يجب وقف التنسيق الأمني ، يجب اعادة بناء منظمة التحرير ، يجب انهاء الانقسام ، يجب تعزيز الكفاح المسلح ، يجب ، يجب ، يجب ...... الخ !!!! الا يدرك هؤلاء ان فعل يجب هذا يقع عليهم اولا وقبل غيرهم ، ومنذ متى يعزل المثقف نفسه عن دائرة الفعل ويكتفي بتقديم المشورة وإصدار الأوامر ؟؟؟ المثقفون يعلمون اكثر من غيرهم ان وقف التعامل مع الاتفاقيات هو سياق كفاحي وليس قرار ، وسياق يحتاج لبنى تستطيع حمله وأدوات تستطيع تحقيقه وأثمان ستدفع ، وكل ذلك غير متوفر فلماذا يتواصل عزف تلك المعزوفة المشروخة ، إلغاء ووقف والتنصل من ..... الاتفاقيات ؟؟!!! اننا امام وضع معروف للجميع ، وواضح للجميع ، والاغلبية ان لم نقل الجميع يتغاضون عنه ليواصلوا سياسة ذَر الرماد في العيون وإطلاق الشعارات التي لا رصيد لها ، انه استغباء للجمهور وبطريقة سمجة . لم ننتهي بعد ...... السؤال الذي يهرب منه متخذي القرار والمطالبين به على حد سواء : ما هو السيناريو المتوقع ان يحصل في حال وقف العمل بالاتفاقيات ؟!!! الهروب من السؤال مفهوم فالذي سيقف امام هكذا سؤال عليه ان يرسم موقف استراتيجي للتعاطي مع المتغيرات المتوقعة ، لهذا بقي هذا السؤال معلقا وبدون اجابة ، سنحاول هنا التوقف امام ما هو متوقع . السيناريو الاول وهو ان لا يأخذ احد القرار على محمل الجد ويبقى الوضع على حاله ، اما السيناريو الثاني وهو ان تبدأ السلطة بتطبيق ما تستطيع وتعيق اسرائيل تنفيذ تلك التطبيقات باجراءات محدودة ، اما السيناريو الثالث ان تنتظر اسرائيل اللحظة المناسبة لتعلن ردها على ذلك بالتنصل بالتنصل رسميا من الاتفاقيات وتقدم على اتخاذ إجراءات جذرية نغير من الوضع الحالي وصولا لضم الضفة او اجزاء منها وحل او تخفيض سقف السلطة لتصبح ادنىً من كونها ذات بعد سياسي ، والسيناريو الثالث هو الاكثر احتمالا ، لكن وفِي كلا الحالات فان المرواحة حتى موعد الانتخابات الاسرائيلية ستكون سيدة الموقف ، ونتائج الانتخابات ومن سيشكل الحكومة الاسرائيلية سيترك الأثر الاهم في السيناريو المتوقع ، فإذا ما شكل نتنياهو حكومة يمينية ستكون هي الاكثر يمينية عنصرية وهذا سيدفع الامور لاتجاهات تصعيدية ربما يكون ضم جزء من الضفة الفلسطينية اقلها ، وهذا سيجعل الامور تتدحرج حتى إلغاء وجود السلطة الفلسطينية او تحويلها الى سلطات مناطقية وسحب البعد السياسي عنها ، هذا السيناريو ليس غريبا فمقدماته قد بدأت حتى قبل قرار السلطة بوقف التعامل بالاتفاقيات ، اما في حال تشكل حكومة وحدة وطنية في اسرائيل فيستمر منطق ادارة الوضع القائم وتفريغ قرار السلطة من اي بعد عملي ولن يجري تغيير يذكر ، ولكن يفترض ان لا يغيب عم البال بان متغيرات فلسطينية في حكم المتوقع ستكون لها تاثير فيما سيجري ، فراغ موقع الرئاسة الفلسطينية سيترك تأثيرا في التعاطي الاسرائيلي مع الوضع . وقبل ان ننتهي ........ هذا ليس موقف عدمي ، انها رؤيا واقعية حتى وان كانت صادمة، واقعية كونها تاخذ في الاعتبار الواقع بنظرمولية وفِي سياق كالصراع وبعيدا عن المواقف النظرية الفارغة من اي تاثير موضوعي، وواقعية لا تعني الانصياع للامر الواقع وانما فهمه كما هو بالضبط والانطلاق منه لرسم برامج وسياسات تستطيع تغييره ، وواقعية كونها تبتعد عن المنهجية ألقائمة على عكس الرغبات على الواقع وإظهاره من خلالها . ولكنها صادمة بالمفهوم الذي يقدم الصورة بلا رتوش وبشكلها وحجمها الحقيقي وبدون مجاملة ولا لاي اعتبار ، وصادمة لكونها تضع الجميع بلا استثناء في موقع المسئولية وبحدود قدراتهم وتأثيرهم وقبل النهاية .... السؤال هل من طريق اخر مختلف ويؤدي الى نتائج مختلفة ؟؟!! الطريق المختلف كان وسيبقى دوما هو تعزيز عناصر القوة الذاتية ، وهنا المجال واسع وكبير ، يبدأ باعادة الاعتبار لمنظمة التحرير عبر اعادة بناءها على اساس وطني ديمقراطي جامع ، ولا ينتهي بانهاء الانقسام ، طريق يعزز صمود شعبنا ويعيد الثقة المفقودة بين شعبنا وأطره وقياداته من خلال اصلاح جوهري وعميق وجراحي في وضع السلطة ، طريق يضع استراتيجية تاخذ في الاعتبار خصوصية كل تجمع فلسطيني في الوطن والشتات ولكن في ذات الوقت يكون الهدف الوطني العام هو جوهر وأساس تلك الاستراتيجية ، عندما نحقق ذلك نستطيع ان نلغي اتفاقيات ونتجاوز اتفاقيات ونفرض شروطنا في الاتفاقيات . ولكن حتى لا نبيع أنفسنا الوهم مرة اخرى فالقوى القائمة حاليا ببنيتها وسياقاتها التي وضعت نفسها فيها غير مؤهلة بأحداث هذا التحول ، ربما يحتاج هذا الكلام الى تفاصيل لإثباته ولكن وبدون تلك التفاصيل فان تلك القوى قد استنفذت امكانياتها قبل ان تحقق أهدافها فاكتفت الإبقاء على الشعار مع فقدان الاليات ، لهذا فانها تعيش انفصاما مريعا بين الشعار والممارسة . هل نتجنى على القوى السائدة بهذا الفهم ؟؟!!! واقع الحال الذي وصلنا اليه يقول لا ، منطق وسيرورة تلك القوى تقول لا ، ربما احترامنا للتاريخ وتقديرنا للماضي الكفاحي يجعلنا نجامل ، ولكن المجاملة ان زادت عن حدها تتحول الى نفاق ، والاخطر انها تصبح على حساب قضيتنا الوطنية ، وقد " بلغ السيل الزبى " ولم يعد بالإمكان المجاملة . |