وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الطالب المحتاج بين سنديانة العلم ومطرقة العوز

نشر بتاريخ: 01/08/2019 ( آخر تحديث: 01/08/2019 الساعة: 23:54 )
الطالب المحتاج بين سنديانة العلم ومطرقة العوز
الكاتب: محمود محمد رباح من كلية العلوم / جامعة بيت لحم.
بإشراف د. زياد بني شمسة أستاذ الأدب والنقد / جامعة بيت لحم.
الاستحياء من الطلب ومد يد العون للمساعدة، أمور قد تهينه وتطيح بكرامته أرضاً، لا يقدر العيش كرفاقه الأغنياء، يظهر ابتسامةً رقيقةً ويقول: لست محتاجاً، لكنك إذا اقتربت منه تسمع ضجيج العوز يتردد في أعماقه، إنه الطالب المحتاج.
تبدأ الحكاية على أعتاب الدخول للجامعة، أقساط مرتفعة، وأسعار باهظة، مصاريف يومية، لا يستطيع توفيرها، لا يجد فرصاً تساعده على إكمال مسيرته التعليمية، ولا يجد من يكترث لأمره، أليس من واجب الوزارة احتضان هذا الطالب والانفاق عليه ومساعدته؟! حيث أنها أول من يجب أن يتبنى هذا الطالب التي تقع مسؤوليته على عاتقها كونها ترعاه منذ البداية؛ إلا أنه لا يجد سوى أوراق مزيفة ووعودٍ كاذبة تدعي مساعدته، وماذا عن المسؤولين ورجال الأعمال؟ يزورهم ويستنجد بهم ويحاول الحصول على مساعدتهم؛ لكن جل ما يلقاه عدم اكتراث لأمره والحول دون مساعدته.
يصطدم بجدار المؤسسة ويتعذب بسياط المنح وتأسره دوامة الأكاذيب ومحاولات الإعانة، فيذهب مسرعا لتقديم أوراق المنح والإعفاءات، كما أنه يأمل أن يتوفر له تعليم مجاني، لكنه ينتقل من مطب منحة الى حبائل الشفقة والاسترحام والعوز، وذلك لعدة أسباب أولها قد تكون الواسطات، أو أن أحدهم ينتمي لفصيل سياسي معين، أو بسبب الطمع وكسب كل ما هو متاح، وبذلك هو يحرم من الحصول على هذه المنح والإعفاءات، لماذا على الطالب المحتاج أن يبقى معلقا بين سماء الحلم والطموح وأرض الواقع المؤلم؟ "فما أعظم جريمة الأمة التي لا يموت فيها جوعاً غير شرفائها وأعفائها".
يستيقظ صباحا، يحمل حقيبته المحتوية على كتبه وملابس عمله، نعم هو سلك طريق العمل؛ لعدم وجود من يحتضنه، تراه يعمل في السوق، أو يبيع على الطرقات، أو يشطف الصحون ويمسح الأرض، تلك أساليب كسبه القليل من المال الذي قد يعينه على إكمال دراسته والانفاق على عائلته، فيضطر الشاب إلى الخروج للعمل، وإذا كانت ساعات عمله طويلة ولا يجد وقتاً كافياً للدراسة، حينها قد يضطر إلى ترك التعليم، والاستمرار في العمل، وعند تركه التعليم فقد تخلى عن حلمه تحت وطأة المعاناة.

وفي المقابل هناك طلبة يعتبرون دراستهم هي الهدف الأسمى فيتحدون كل ما يمرون به من صعوبات، كقارب صغير يواجه عباب البحر ليصل إلى شاطئ النجاة، لا يكفوا عن متابعة دراستهم بالرغم من عملهم، فبحسن تقسيم وقتهم يستطيعون إنجاز وتحقيق ما يريدونه، وعند وصولهم للقمة ستكون أولى فرحاتهم؛ لقدرتهم على اجتياز مصاعب الحياة وتخطي العقبات التي كادت أن تمنعهم من إكمال دراستهم، كما وأنهم استطاعوا تحقيق ما كانوا يحلمون به، والأجمل من ذلك أنهم تمكنوا من فعل ذلك وحدهم دون الاستعانة بأي مساعدة من أي انسان على الأرض، فلماذا نعرض الطالب المحتاج للمعاناة؟ ألا يكفيه أعباء دراسته فقط؟
الطلبة المحتاجون فقراء للمال، ومجتمعنا فقير لعقولهم، معظمهم ذا عقل نير، لو أتيحت له الفرصة لأبدع وأصبح رمزاً من رموز هذا الوطن، فغياب الوزارة وغياب أصحاب رؤوس الأموال وغياب المؤسسات في تقديم المساعدة لهم أمر ساهم في تحطم معنوياتهم وإبادة إبداعاتهم، ألا نستطيع نحن الشباب - أصدقائهم – مساعدتهم؟ بلى نستطيع، وذلك عن طريق جمع التبرعات لمساعدتهم، بالإضافة إلى زيادة الوعي لدى المجتمع للقيام بمساعدتنا، خطوة تتلوها خطوات على نفس الطريق، حيث أننا بالوحدة أقوى وانتقال الفكرة لا يحتاج إلى وقت، فلماذا نحرم وطننا وأنفسنا من الاستفادة من هذه الكفاءات؟ أليس من العار أن نجلس مكتوفي الأيدي لا نفعل شيئا سوى النظر إليهم بشفقة؟ لذا يجب علينا التحرك جميعاً لمساعدتهم.
وتبقى هذه القضية قائمة ما دام المسؤولون لا يضعون التعليم في أولوياتنا، عدم اهتمام بالتعليم، عدم اكتراث لأمر الطلاب، أتلقب نفسك بمسؤول؟! وأنت تقود الأمة للسير في الاتجاه المعاكس، تدفع بها إلى التأخر، وتبعدها عن التحضر والرقي، ولا يزال الطالب المحتاج يستنجد ويتوسل لإيجاد طريق لمساعدته، يطرق أبواب البشر للمساعدة، لكن النتيجة الحتمية هي لا شيء، لذا يذهب ليطرق باباً لا يُخيب ظَنَهُ أبداً وهو الدعاء إلى الله، فيرفع يديه إلى السماء قائلاً: "ربِّ يسر لي أمري، وارزقني من حيث لا أحتسب".