|
المؤتمرات الدولية التسووية .. ابعاد ودلالات ...
نشر بتاريخ: 06/08/2019 ( آخر تحديث: 06/08/2019 الساعة: 11:45 )
الكاتب: يونس العموري
هي مرحلة خلط الاوراق ومحاولة خربشة المفاهيم واعادة تموضع الاحتلال على خارطة العلاقات الدبلوماسية ، وتسويق وجهة النظر الاسرائيلية من جديد من خلال حملات العلاقات العامة الدولية على طريق ادارة الازمات السياسية... فالساحة المحلية وتلك الاقليمية والدولية باتت تعج بالكثير من الاراء والمبادرات وتلك المسماة باطروحات المؤتمرات الدولية لإطلاق عملية التسوية السياسية على اسس العودة الى طاولة المفاوضات ، والملاحظ هنا ان كل المبادرات والاطروحات تلك تهدف الى مجرد العودة الى ثنائية المفاوضات دون تحديد الأليات العملية لتلك المفاوضات او ايجاد أليات فعلية لإلزام الاحتلال بفعل التنفيذ ...
اذ تأتي الدعوات الجديدة او ما يُشاع عنها بالمؤتمر الدولي في كامب ديفيد بحضور زعماء عرب استنادا لما بات يعرف بصفقة القرن غير معلومة الملامح على الاقل من الناحية النظرية والتي اصبحت معروفة وواضحة بإطارها العملي وبالمحاولات الجديدة لإعادة انتاج المبادرة العربية للسلام (والتي يدور الحديث حول تعديلها ) والتي كانت قد داستها مجنزرات قوات الاحتلال بعد اسابيع من توقيع العرب عليها بقمة بيروت التي غاب عنها الزعيم الراحل ياسر عرفات، في اطار الدعوات والإعلانات الموسمية التي عودتنا عليها ادارة نتنياهو فيما يخص تطورات القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وكافة قضايا المنطقة المتصلة ببعضها البعض بشكل عام.، وغالبا ما تجيء هكذا دعوات لأغراض اسرائيلية داخلية ولإخراج تل ابيب من عنق الزجاجة، خدمة لتوجهاتها ولسياساتها الإقليمية والدولية ... واذ تأتي هكذا دعوات اليوم، فبلا شك ان وراءها الكثير من المرامي والأبعاد، التي تصب بالنهاية في مسارات السياسة الأمريكية ودبلوماسيتها المتخبطة، جراء تخبطها بمعالجة ملفات المنطقة بسوريا واليمن والعراق وليبيا وعلى رأس تلك الملفات الملف الإيراني بكافه ابعاده ، الأمر الذي أنتج سياسة أمريكية متخبطة من الطراز الأول ، وهو الأمر الملموس من مواقف الادارة الامريكية من اي جهود قد تأتي لمعالجة المسألة الفلسطينية بصرف النظر عن طبيعة وحقيقة هذه الجهود... فهي من جهة تحاول جاهدة ان تطلق فعلها السياسي الدبلوماسي خدمة لأهدافها في المنطقة عموما، ومن جهة اخرى تعاني سياستها من عقبات كإنعكاس لتخبط أليتها العسكرية في في كافة المناطق، وعدم مقدرتها على تحقيق اهداف الغزوة الأطلسية التي قادتها جيوشها على العراق وافغانستان وليبيا في السنوات الأخيرة، وفشلها بمعالجة الملف الإيراني بعد الإخفاق في ما يمكننا تسميه بمواجهة معارك الكر والفر باإحتجاز البواخر والناقلات البحرية ، الأمر الذي استدعى ويستدعي نشاطا محموما للفعل الدبلوماسي في محاولة لإختراق ما عجزت عن تحقيقة حتى الأن قواتها المسلحة واساطيلها المرابطة في المنطقة، وعجز ربيبتها وحليفتها ( اسرائيل) في تحقيق نوع من الإختراق العسكري لصالح المعسكر الأطلسي الأمريكي واجنداته السياسية الإقليمية المترابطة والأهداف الدولية ككل على اعتبار ان المنطقة (الشرق اوسطية) هي البوابة الفعلية لنفاذ ما يمكننا ان نسمية بالسيطرة السياسية على مفاعل وتفاعلات التأثيرات الدولية للفعل السياسي الأممي. ولا يمكن فهم الدعوات المتعددة الاشكال (للمؤتمر الدولي للسلام) الا في هذا السياق.. ولعل هذا مفهوم وواضح المرامي والمعاني .. ولعل عقد هكذا مؤتمر ستحاول من خلاله ادارة ترامب الإثبات انها مازلت ممسكة بقواعد اللعبة السياسية في المنطقة وكونها اللاعب الأساسي فيها وان واشنطن ما زالت تملك مفاتيح الحلول وقرارات السلم والحرب اقليميا ودوليا (وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها) بعد ان تم تقويض سياساتها وإستعداء الشعوب لها ولفعلها في المنطقة وعدم مقدرتها ومقدرة حلفاءها من تسويق ما يسمى برؤيتها السلامية من خلال صفقة القرن المزعومة ومقدمتها ورشة المنامة او حتى نهجها المتمثل بمحاربة الإرهاب وتعزيز ونشر المفاهيم الديمقراطية حيث إنكشاف زيف الديمقراطية الأمريكية حينما تأتيها بالنتائج المغايرة والمتناقضة ومصالحها... ومما لاشك فيه ان رؤى الادارة الأمريكي وكذلك ادارة الدولة العبرية التي يتم اطلاقها بالمواسم لا تغدو كونها فقاعات صابون او بالونات اختبار وفي احسن الأحوال تكون جسورا لعبور مخطط سياسي أمريكي إسرائيلي نحو المنطقة... حيث غالبا ما تكون بوابات العبور عبر القضية الفلسطينية ومفرداتها للنفاذ الى الساحة الإقليمي. وفي هذا السياق لابد من التذكير برؤية ادارة البيت الابيض المبادرتية المتكررة بين الحين والاخر، حيث الاعلان المتكرر للسلام في المنطقة والتي ظلت محل استهلاك اعلاني اعلامي امريكي لفترة طويلة من الوقت وكان اللعب السياسي (اذا ما جاز التعبير) يتمحور حول تواريخ اطلاق هكذا مبادرات ورؤى ، وفي كل مرة وعند الإستحقاق التاريخي المعلن، نجد الكثير من التبريرات التي تسوقها الكثير من الاطراف لخلق تواريخ وحتى اشتراطات جديدة لنشوء وقيام الدولة الفلسطينية، ومع كل تجديد للتاريخ الموعود او فرض شروط جديدة نجد الإستغلال الأمريكى يتجلى بالمنطقة حيث تجتهد سياسة الإبتزاز بحق دول المنطقة على قاعدة ان ثمة دولة فلسطينية موعودة وفقا للرؤية والفبركة الأمريكية التي قد أضحت شكل كياني فقط هلامي الملامح ... وهكذا تتوالي الأساليب الأمريكية في المضي قدما بسياساتها القائمة على اساس خدمة المصالح العليا للدولة العبرية وتحقيق ما يمكن ان تعجز عنه تل ابيب ذاتها .... وما الدعوة لمؤتمر السلام الذي يأتي تارة على اللسان الاروبي او الأمريكي مع تناقض في التصور له او من خلال القبول لمثل هذه الأطروحات المزعومة من قبل نتياهو الهادفة بالنهاية لإجبار الطرف الفلسطيني لإطلاق مفاوضات ثنائية الشكل وان كان من خلال ما يسمى بالمؤتمر الدولي للسلام .. وحتى هذا المؤتمر المزعوم سيكون ان يدعو لعودة الاطراف المتنازعة الى طاولة المفاوضات الثنايئة ، ولابد من ان يدرك الجانب الفلسطيني ان مسيرة التسوية السياسية بمعاييرها ومقاييسها وقوانينها قد فشلت فشلا ذريعا ولا يعول عليها وما هي الا جزء من فبركة الدعاية الأمريكية لسياسة البيت الأبيض اتجاه المنطقة وان الدعوات المعلنة لعقد مؤتمرات دولية لأجل ما يسمى بالسلام ، هو مؤتمر حافل ومزروع بحقول الألغام وسيدور في نفق مسدود. فالرئيس الأمريكي ترامب وقبله اوباما وبوش وباعتقادي اللاحق دعوا جميعا لضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إلى إسرائيل، واستبعاد البحث بقضايا القدس واللاجئين. كما ان هذه المؤتمرات والتي قد تصدر من اطراف فلسطينية رسمية او عربية ، تفتقر إلى أية آليات عملية لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبالتالي لن تقدم أفقاً سياسياً لحل شامل، حيث انها لا تنعقد على اساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ( المطلوب تعديلها ) التي جاءت وتأتي لتخفض السقف السياسي العربي الرسمي ذاته... وبرغم ذلك فهذه المباردة لا تلقى الأذان الصاغية من الجانب الإسرائيلي والأمريكي... وبذلك فتلك المبادرة المسماه عربية ووفقا للسياسة الأمريكية لا تصلح لأن تشكل قاعدة انطلاقية للحل... وعلى ضوء هذا التحليل اعتقد ان هذه الدعوات انما تهدف الى امكانية فتح النقاش والحوار للقضية الفلسطينية ما بين الجانب الفلسطيني الرسمي الضعيف بالظرف الراهن والإسرائيلي المتغول والضارب بعرض الحائط كافة اشكال قرارات الشرعية الدولية والقوانين والاعراف الاممية، من دون استنادات قاعدية تصلح لأن تشكل قاعدة علمية وعملية لإطلاق المفاوضات الفعلية وبذات الوقت دون تحديد اهداف هذه الحواراوت واللقاءات في اطار المؤتمر ودون اي شكل من اشكال الألتزام وحتى اليات إلزام للأطراف المتنازعة،ومن هنا فالمؤتمرات تلك فاقد لفحواها ولمحتوياتها منذ الأن... كما انها تجيء للإلتفاف على الصيغة الدولية الاجماعية لعقد مؤتمر دولي للسلام، تشارك فيه جميع أطراف الصراع والكتل الدولية الكبرى والأمم المتحدة. ان عقد (مؤتمر للسلام) بالصيغ المطروحة حاليا انما يهدف الى محاولة تعزيز الرؤية الأمريكية للمنطقة من خلال تعزيز سياسات المحاور وتقسيم الدول العربية ما بين معتدلة واخرى متطرفة وتدعيم مواقف الرباعية العربية المعتدلة والتي قد تصبح خماسية أوسادسية ايضا في وجه ما يسمى بقوى الممانعة والرفض العربية مع العلم ان الكل العربي الرسمي قد وافق على أطروحة السلام مقابل التطبيع، وقد وافق على مد جسور الحوار والنقاش مع الجانب الإسرائيلي تحت شعار تفعيل المبادرة العربية وتم تشكل لجنة عربية رسمية لهذا الغرض، وبالتالي يكون التطبيع العربي الرسمي الاسرائيلي قد بدأ بالشكل الفعلي وفي ظل الرفض الاسرائيلي لكل الاطروحات العربية الا فيما يخص تطبيع العلاقات ... وتل ابيب لا تريد بالظرف الراهن اكثر من تواصل للمفاوضات واللقاءات وتحقيق ما يمكن تحقيقه على هوامش اللقاءات تلك والمتمثلة بخلق اجواء تطبيعية رسمية مع الأنظمة العربية. وبالتالي فإن الدعوة لمؤتمر دولي انما تأتي اولا لتعزز هذا المفهوم التطبيعي على قاعدة الحوار والنقاش والمفاوضات.... حيث ان الرباعية العربية المعتدلة ستكون حاضرة في هذا المؤتمر وهو ما تتوق اليه ادارة البيت الأبيض وبالتالي تل ابيب لخلق تواصل فعلي وعلني ومكشوف مع ما يسمى بالمحور العربي المعتدل.. بهدف خلق النواة الشرق اوسطية الجديدة مفصلة على المقاس الامريكي في مواجهة الأخر والأخر هنا يتمثل اولا في ايران وحلفاءه والمقاومة وامكانيات نهوضها وإستنهاضها من جديد ... |