وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رحلتي

نشر بتاريخ: 06/08/2019 ( آخر تحديث: 06/08/2019 الساعة: 13:55 )
رحلتي
الكاتب: خالد جميل مسمار
الحقلة السابعة

تحريض إسرائيلي..
أعود الى محافظات الضفة التي تم تسميتها بالمحافظات الشمالية وتسمية القطاع بالمحافظات الجنوبية، فالمحتل الصهيوني لم تعجبه أعمالنا في هيئة التوجية السياسي والوطني خاصة وان عملنا لم يقتصر على القوات بل ايضا التواصل في المدارس والجامعات وبين جماهيرنا الفلسطينية.
أخذت قيادات "اسرائيل" بالتحريض ضد التوجيه السياسي وضد القيادة الفلسطينية والاعلام الفلسطيني وللأسف نجحت في تحجيم عملنا في التوجية السياسي بعد ان احتلت مدن الضفة وخاصة رام الله, مقر القيادة الفلسطينية وحاصرت مقر الرئيس أبو عمار في المقاطعة وذلك في العام 2002م، وكانت قبلها قصفت مقر القائد الشهيد أبو علي مصطفى أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثناء الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى" التي قدمت قوات الأمن الوطني عددا من كوادرها شهداء برصاص قوات الاحتلال، والتي اندلعت عقب اقتحام المجرم شارون ساحات المسجد الأقصى وقصفت مقر هيئة الاذاعة والتلفزيون في البيرة ومنطقة الارسال في رام الله لاسكات الصوت الفلسطيني الحر.
وفي أول دخول للقوات الاسرائيلية الى رام الله بقصد اعادة احتلالها كنت أسكن في مبنى يشرف على مخيم الأمعري .. وكان هدف القوات المحتلة محاولة السيطرة على المخيمات فهي تعرف ان مخيمات اللاجئين هي دائما مصدر ازعاج لهذه القوات.. واذا بدباباتهم تتجه نحو الساحة الترابية التي تواجه العمارة التي أسكنها، وكان واضحا ان هذا المبنى هو هدفها.. وفعلا رأيت الدبابات وهي تزحف ببطء شديد كالتماسيح التي تقترب من فريستها رويدا رويدا خوفا من انتباه فريستها التي إما ان تهرب وإما ان تقتل هذا التمساح. بدأت القوات الغازية تدخل العمارة بكل حذر، والرعب يملأ وجوه جنودها، وأخذت تفجر أبواب الشقق الفارغة. فتحتُ باب شقتي قبل ان ينسفوه وأنا داخلها وحيدا، فوجئوا بي وبلمح البصر صوبوا أسلحتهم في وجهي وحمدت الله انهم لم يطلقوا الرصاص بالرغم من الرعب الذي بدا على وجوهم من هول المفاجأة غير المتوقعة من قبلهم.
دخلوا بيتي الذي كنت قد جهّزته وفرشته لاحضار أسرتي من عمان وعاثوا به فسادا وقلبوا كل شيء، وأسلحتهم موجهة الى صدري، وأنا الأعزل من السلاح. اكتشفوا ملابسي العسكرية وعرفوا سيارتي الرسمية بسبب رقمها الأحمر وبحثوا عن سلاحي الذي أصروا انه بحوزتي لكنهم لم يجدوه وصادروا ملابسي العسكرية وكل كتبي وأوراقي بعد ان أجبتهم ان سلاحي هو هذا القلم الذي اكتب فيه.
طلبوا مني الخروج من الشقة، هنا اعتقدت انهم سيعتقلونني أردت ان اغير ملابسي استعدادا لذلك لكنهم رفضوا خاصة وانهم في نفس اليوم كانوا قد اعتقلوا زميلي في القوات وفي المجلس الثوري اللواء عبد الحي عبد الواحد في احدى دباباتهم. طلبوا مني التحرك ببطء وأسلحتهم موجهة إليّ. خرجت من الشقة واذا بالجنود المحتلين يضج درج السلم بهم شاهرين اسلحتهم وعيونهم تبحلق في هذا الاعزل من السلاح لكنها مرعوبة.
وصلت باب العمارة طلب قائدهم مني التوقف دون حراك الا بتعلماته, فوجئت بحوالي سبع دبابات تقف امام العمارة ورشاشاتها كلها مصوبة نحوي والجيران يراقبون ما يجري. هنا احسست براحة لم أشعر بها منذ أن احتلوا منزلي.. بل انتعشت وقلت في نفسي: ما هذا الجنون؟! كل هذه الاسلحة والدبابات موجهة ضد فرد واحد أعزل من السلاح؟! ما أعظم الفلسطيني يرهب عدوه وهو فرد لا يلوي على شيء .. نعم احسست بسكينة لذيذة وانا انظر شامخا الى هذه الدبابات الرهيبة وكأنها وجنودها واسلحتها الثقيلة لعب من ورق مقوّى او زجاج هشّ! متذّكراً قول الله سبحانه وتعالى "فأنزل الله سكينته عليه" التي نزلت في سيدنا أبي بكر الصديق عندما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهما في غار ثور: يا رسول الله لو أن احدهم نظر الى اسفل قدمه لرآنا. فقال الرسول الكريم: يا أبا بكر ما بالك في اثنين الله ثالثهما.
ولكن هذا لا يعني بل من المستحيل ان أُقارن نفسي بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن بالسكينة التي اجتاحتني في هذا الموقف.
قلت اوقفني القائد العسكري الاسرائيلي وقال: لا تتحرك الا بعد ان اطلب منك ذلك.. انظر الى يسارك، هل هذه السيارة سيارتك؟ أجبت بالايجاب عندها علمت انهم يريدون فتح السيارة. قال: تقدم الآن وافتح السيارة. حدّثتني نفسي انه ربما وضعوا فيها شيئا ما وكان مفتاح السيارة والريموت كنترول في جيبي، فضغت على زر الريموت فانفتحت السيارة دون ان يحس المحتلون بذلك فاطمأن قلبي وتقدمت نحوها وكل أسلحتهم مصوبة تجاهي وفتحتها بيدي ثم طلب مني الابتعاد واخذوا يبحثون ويفتشون داخل السيارة معتقدين بوجود سلاح فيها أو أنها مفخخة وبذلك تنكست اسلحتهم وطلبوا مني العودة الى المنزل .. عندها تيقنت انهم لا يريدون اعتقالي لكنهم ابقوا على احتلالهم للعمارة كلها خاصة سطح العمارة التي ركزوا فوقها اسلتحهم الرشاشة الثقيلة المصوبة تجاه مخيم الأمعري.