|
في ديوان "فصاحة الغيم" للشاعرة عائدة حسنين
نشر بتاريخ: 25/08/2019 ( آخر تحديث: 25/08/2019 الساعة: 17:19 )
الكاتب: تحسين يقين
ترى هل سيكون فصيحا؟ الغيم؟ - ديوان من غزة ..من البحر؟- ...... - ما بنا من تلاطم أمواج نفس واجتماع واقتصاد.. - و؟ - انت لحوح..وعن الانقسااام أيضا! تدهشنا وتوجعنا لكنها تحلق بنا في أمل جميل عبر قصائدها الجديدة، متوجة رحلتها الشعرية على مدار ربع قرن من الزمن أو يزيد، تدخلنا عوالم مكانها وزمانها، من على شاطئ البحر، هنا الآن، تمرر مضامينها وبوحها الجمالي النقدي لنا ولأنفسنا، ضاجة من الحروب والخصام والفرقة بين الأخوة، مؤكدة على العربيّ فيها، بادئة به ومنتهية، عبر أسلوب الاعتماد على فضاء الكلمات بشكل خاص. احتوى الديوان قصائد الحب والحرب والألم وصولا للوجودية، كان الناظم فيها الذات المتأملة-المألمة في نفسها وحولها، كأنها قصيدة واحدة تعبّر عن حياة الوجع وإن ظلت متمسكة بالأمل رغم الشكوى والرثاء والإحباط. في الحب، والذي كان مبثوثا في القصائد بشكل عام، نقتبس من نص "بين يديك": "قالت: حبات المطر تملأ روحي/ فأنساب ماء/ بين يديك" أما في في الحرب وعنها، فتصف الشاعر من عمق النفس المتألمة أحوال البلاد في الحروب التي يدفع ثمنها البسطاء، وما تفعله من تدمير للنفوس والطبيعة، من ذلك ما نقرأه من قصيدة "حنين الدار": لماذا يولد الأطفال في الحرب؟/ فلا ماء/ ولا خبز/ بوسط الدار والتهجير والأسر" كذلك من قصيدة "احذر" "قالت:/ حالي كحال الشرق/ تحت القيد/ طول سنيني/ مجروحة في كبرياء النار في قلبي/ في كل شوق كان عندي للسنين/ كل الحروب عشتها/ محروقة غاباتي/ وسنابلي محروقة" ومن قصيدة "احتلال" نقرأ: "جرحى المآذن/ والأذان جريح/ والنوافذ للنوافذ باكيات/ والسماء من سماها تواسي/ دمنا البلاد/ والشموس عيوننا/ قمر دموع الناس الباكيات بلادي/ وحدي/والبلاد وحيدة/ بين الحدود والحدود" ومن قصيدة "قدرة الله" نقرأ "لا ماء في بحر غزة/ أو هواء/ أو قطرات من ندى/ لحليب الصغار/ لا نهر في الأرض/ من غيم تدلى/ قد جف الغيم من ضرع السماء" أما تيمة الألم، فهي منثورة في غير مكان، حيث كانت الشاعرة عائدة حسنين جريئة في وصف انفعالها. من نماذج ذلك قصيدة "غرباء" حيث نقرأ: "هي الأيام تجمعنا/ بعض معان تعطينا/ من لحم تقطعه منا" ولعلّ المعنى هنا يثير الأمين المادي الجسدي- والمعنوي. مثال ذلك أيضا ما نقرأه من "مشوار من التعب": هنا غزة/ هنا البحر/ وحتى الموج ينساك/ ففيه الظلمة الأعداء أسطول/ وقافلة برميل البر أعداء هنا الحرب/ وتستعر بنا الأحلام" من مطلع قصيدة "مرآتي": قالت فتاة:/ ذابلة في الدرب أنا/ أغار منك حين أراك" وبسبب هذا التحول الغريب، نجد الشاعرة متوقعة تغير المشاعر، كما في قصيدة "فراق": "أخاف الا تهواني/ حين ألقاك وتراني/ بعد السنين/ فأنا حالي فراق/ واحتراق" ومن خلال تلك التجارب الإنسانية تنفذ الشاعرة نحو المشاعر الوجودية، وهذا ما لمسناه في نص "روحان": أنا مرة تكتبني الرياح/ ومرة تكتبني المياه/ ومرة يكتبني الندى/ وأعود لي/ وأسائل/ أنا من أكون؟" ولعل قصيدة "العربي" من أهم قصائد المجموعة، وفيها تصف شعريا وثقافيا وإنسانيا المؤثرات على حياة العربي، أكان ذلك من ماء أو فروسية أو أطلال أو شعر، وكيف أن بعض الأمل يفيد كما بعض الماء: "هنا العربي مسكون بعشق الماء/ والنجمات/ والسيف/ ولون البرّ/ والأطلال/ والقول الجميل/ وفوق النخل أشواق من الشمس/ بملء الحب تهديها الى العرب/ ولا بحر سوى الصحراء في الصحراء/ والقمر السعيد/ ولا برد/ ولا نهر يبل الريق/ كي لا تذبل النسمات/ في المرعى/ ويبكي الغيم اذ يبكي مياه الغيم/ فيفرح العربي منتصرا/ ومنتشيا/ ببعض الماء/ ليبقى السيل في الوادي/ وفي الآبار مخزونا كما الذهب". أما رؤية حال بلدها فلسطين وبلادها العربية، فقد ظهرت في قصيدة "الحضارة"، التي حملت معاني النقد ولم تقف عند حد الرثاء فقط. ثمة نقد ذاتي ووطني وقومي، للاقتتال والفوضى والضياع والهروب، وما ترك ذلك من آلام وتجهم وخراب قادم إن استمر الحال. لقد ضجت القصيدة باللوم الشديد لا مجرد العتاب: فلسطين تبتهل/ هابيل يقتل نفسه/ ويغادر للسكون/ يرتحل/ نحن ودعنا الأمانة/ والسلامة/ والهدايا/ كالجراد نقتتل/ تحيا فوضى ودموع للصبايا العاشقات للقمر/ وضحايا تقيدهم ضحايا من ألم/ والعدو هو نحن/ والغبار نرتديه/ في ليالي البرد/ غضب يستعر/ السكوت صار لغة للغات/ والهروب صار حلا للمشاكل/ بئر ماء الروح جف/ ما زال المعلم/ يخفي عورات البلاد/ والأخوة/ والنبوة/ والحقيقة تحتضر/ نحن جرحى للحكايا النازفات/ نحن أصبحنا المرايا الصامتات/ العابسات/ صرنا ماء يجري من وسط الركام/ والخراب المنتظر/ صرنا جمرا../ نشهد الحرب الغريبة بين شعب أمهم أرض الحكاية". ..هذا ما الحّ عليه صاحبي! أما قصيدة "الرعاة"، وهي أكبر قصيدة، فقد تضمنت جوانب إنسانية عميقة أبدعت فيها الشاعرة، ونزعم أنها القصيدة الأكثر إبداعا، لما تفيض به من داخل نفسها، بما يختلط من رثاء وأمل عبر لغة ما بين الوضوح والرمزية، ويلاحظ الإبداع اللغوي هنا بشكل ملفت للنظر: يمضي الرعاة نهارهم بقلوبهم/ فالطقس عودهم مزاجه/ مرة عند الهطول/ ومرة عند الأفول/ شعر الرعاة قصة الناي الحزين/ هم يعشقون النار والبئر/ السماء/ ويرسلون بريدهم عبر الحمام/ قد ضحك الماء سمعناه/ غنى للحب/ واعتذر/ كتبت غيمات رونقها/ سحرا قد غنى لها المرعى". وكما ذكرنا في البدء عن الأمل والبقاء والمقاومة بالرغم من عوامل النفي، فقد أبت الشاعرة إلا التمسك به، لذلك حملت آخر قصيدة عنوان "سيدا": لا بيت لي/ شعبي تبعثر في البلاد/ والعراء غطاؤه/ هو لاجئ..وله الغيمات موطن/ أنا لاجئ..شعبي سؤال الأرض/ للبحر/ المدى/ وتسابق الأكوان/ لا بدّ تأتي الريح بما نشتهي/ نحيا حياة الطير/ إذ غردا/ يا أيها العالم/ حرا وحرا/ سيدا/ في أرضه. في الأسلوب: تمتلك عائدة حسنين بين شاعرات فلسطين وشعرائها بلغة شعرية شاعرة خاصة، من ذلك ما يظهر في شعرها من قرن الأسماء معا بدون رابط، سوى المعنى والترادف المؤكد والمعمق لما تشعر به، تفريغا لشحنتها الانفعالية: من ذلك في قصيدة "شعر النجمات" "هو تمرين الشوق المقبل كالغيمة بالمطر/ الشعر القمر البدر الساطع بالسحر" أما الابتكار، فهو ميزة أخرى، كما في "أين النجاة/ وأملي فخار" ص65 لقد ظهرت الطبيعة، بل كأنها واكبت النصوص، أو كانت هي، وتفسير ذلك يعود إلى حالة الحصار، حيث لا يبقى غير الطبيعة من سماء وبحر بمفرداتهما. لذلك بالرغم من تأثير الطبيعة على الشاعرة، إلا أن تفسير عمق هذا الوجود فإنما يعود لحالة السجن_الحصار. وكانت الشاعرة قد أهدت مجموعتها الشعرية السادسة لطفلتها سارة، حيث أوضحت" ان المجموعة تتحدث عن فتاة كرتونية وفتى كرتوني، تروي له عبر السطور وفي المرايا وبين الرسوم الالكترونية، هي لم تره ولم يرها، مجرد خيال حكاية قلب فلا تضجروا من عبارة قالت فتاة لفتى: إنها كل فتاة وكل امرأة داخل أعماق أعماقها تروي لنفسها. حتى ولو لم أرك يا فتاتي أنت فيّ كل نفسي نصف القمر كل القمر أولي وآخري أنت نفسي كل هذا الكون ظلي كل ما حولي وحولي انت شجري وحجارة قومي وعصافير المساء كل شيء هل بعد هذا شيء؟ هل قبل هذا شيء؟ أنت أبعد أنت أقرب." لعلنا نفتبس من تقديم الناقد حسن خضر "وغزة منذ سبعين عاما، ضحية المكان والزمان في آن. هذا ما يصعب القبض على دلالته العميقة. وهذا ما يتعزز بإمكانية العثور في ما لا يحصى من نصوص ثلاثة أجيال، تقريبا، في غزة ومنها، على مدار سبعة عقود، على افتنان يتاخم حد الحقيقة الميتافيزيقية، في العلاقة بالمكان معطوفة على حب جارح من طرف واحد، فغزة الواقعية واليومية، يمكن أن تكون أشياء كثيرة، ولكنها لا تشفق على محبيها: أحلام الهرب منها أقوى من دوافع البقاء، ومع ذلك لا ينجو الهاربون والهاربات من الحنين ولا من غواية الرجوع". ولا يبدو من قبيل المجازفة القول إن المكان الساحلي، الذي يوصف أحيانا بكونه أكبر سجون الهواء الطلق في العالم، يعج بعدد من الحالمين ومنتجي ومستهلكي الشعر، أكثر من أي مكان آخر. إذا ضاقت الجدران فكّت الروح قيدها بالتحليق في فضاء بعيد. أن تكتب نساء من غزة شعرا يحتفي بالحب والحياة والوطن، فهذا يعني أن النار القديمة تواظب على تسجيل دوامها اليومي في دفتر الزمن. الرعب في "المحروقة المخروبة" فاتن أيضا، في مشهد هذه التراجيديا الإنسانية، التي ترفع المكان الساحلي، وترتفع به في فضاء بعيد". وأخيرا نظن فعلا أن الغيم كان فصيجا! صدر للشاعرة: خمسة دواوين هي: رؤى الياسمين 1993، وغنت عيوني 1994، وخطو المرايا 1998، وعناق الوردة 2005، وجدائل النرجس 2007. وقع الديوان في 126 صفحة وصدر عن مطبعة الوسيم-قطاع غزة. |