وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الصحفية نائلة خليل تحصل على جائزة دولية للقصة الاخبارية " سيماعنبص..امرأة تحاول صنع السلام من ركام الدمار"

نشر بتاريخ: 19/03/2008 ( آخر تحديث: 19/03/2008 الساعة: 21:13 )
بيت لحم - معا - تسلمت الصحفية الفلسطينية الشابة نائلة خليل جائزة المركز الثاني المخصصة للقصص الانسانية في المسابقة العالمية التي ينظمها الصليب الاحمر الدولي حيث جرت مراسم التسليم والاحتفاء بالصحفية الناشطة يوم امس في قاعة فندق الجراند بارك بحضور مميز من الشخصيات الصحفية وممثلو بعض المؤسسات الرسمية والاهلية وحصلت الصحفية خليل الجائزة عن القصة الاخبارية .
"سيماعنبص.. امرأة تحاول صنع السلام من ركام الدمار" والتي نشرت في جريدة الايام . وفيما يلي النص الكامل للقصة الفائزة.

كتبت نائلة خليل :

بعد سنوات من الفقدان والغضب تتطلع الأسيرة المحررة سيما عنبص إلى السلام والمصالحة كطريق أمثل لمواصلة حياتها بعد كل جرائم الاحتلال التي أفقدتها شقيقها وزوجها وحريتها لسنوات.

تنظر عنبص (35 عاما) اليوم إلى المستقبل بعيون أولادها الأربعة، لذا تريده مستقبلا خالياً من الموت والفقدان وقضبان السجن الذي روعها.

في بيتها بمخيم طولكرم ازدحمت الجدران بصور الشهداء والأسرى من أحبائها، حتى يبدو أن لا مكان لصورة أخرى، تبتسم سيما بمرارة وهي تعلق"والدي مولع بتكبير الصور، وهو محق لأنها الطريقة المتاحة لرؤية عيون من نحب كل يوم".

عنبص التي عاشت الأعوام الستة الماضية في ظل هاجس الانتقام، أفرج عنها من المعتقل الإسرائيلي في الصيف الفائت، ومنذ ذلك الحين تعمل متطوعة في نادي الأسير في مدينة طولكرم، وتشارك بنشاطات جماعة (مقاتلون من أجل السلام( التي تضم نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين مقتنعين أن السلام بين الشعبين لن يكون عبر العنف والمزيد من الدماء، بل عبر المفاوضات والحوار.

"كنت ربة بيت، لدي زوجي وأبنائي الأربعة، وأشقائي الذين تكفلت بتربيتهم وأنا لم أكمل الرابعة عشرة من عمري بسبب مرض أمي، كانت حياتي عادية ورتيبة لكني اليوم أتذكرها كحياة رائعة".

رغم جمالها، يحمل صوتها هدوءا وبحة حزن، ولا تخفي عنبص مشاعرها المرتبكة، عندما تبدأ بالحديث عن مدى حبها لشقيقها مصطفى، وزوجها إبراهيم النعنيش، اللذين استشهدا في انتفاضة الأقصى.

فقدان وغضب:

"استشهاد مصطفى كان أول مأساة في حياتي، لقد ربيته كما لو كان ابناً لي، بعد استشهاده شعرت لأول مرة ماذا يعني الموت، وعندما عاد أشلاءً إلى البيت احترق قلبي"، تقول عنبص وهي تشير إلى صوره المعلقة على الحائط.

وكان مصطفى عنبص (21 عاما) استشهد في السادس من أيلول 2001، إثر قصف طائرة أباتشي للسيارة التي كان فيها بصحبة رائد الكرمي أبرز المطلوبين لقوات الاحتلال في مدينة طولكرم في ذلك الحين.

يذكر أن الكرمي نجا بأعجوبة من عملية الاغتيال تلك، لكن بعد ثلاثة شهور نجحت قوات الاحتلال باغتياله مع ناشط آخر.

وتؤكد سيما "شقيقي لم يكن مطلوبا لقوات الاحتلال، كان شابا في أول عمره كل ما يحلم به أن يعمل شرطيا في السلطة".

وتكمل "بعد استشهاد مصطفى شعرت بغضب جامح ورغبة عارمة بالانتقام، زوجي أيضا تأثر كثيرا حيث كانت تربطه علاقة قوية مع إبراهيم، ورغب بالانتقام له وأنا شجعته على ذلك، لأن غضبي كان أكبر من أن أحتمل"..

بعد ثلاثة أشهر من استشهاد مصطفى تحول إبراهيم النعنيش من رب أسرة وبائع للطيور وأحيانا عامل مياومة بشكل متقطع في إسرائيل، إلى ناشط مع كتائب الأقصى، ورويدا رويدا أصبح من أبرز المطاردين لقوات الاحتلال.

غضب عنبص وألمها لم يخفت مع مرور الأيام بل كان يزداد، ففي الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول في العام 2002 قتلت قوات الاحتلال ابن عمها أحمد عنبص ولم يكن يتجاوز عمره حينها الخامسة عشرة.

تقول: "كان أحمد عائدا من مدرسته ظهرا، عندما اكتشف أن قوات إسرائيلية خاصة بدأت تحاصر حيهم، والذي يتواجد فيه دائما عدد من المطلوبين، صرخ أحمد ليحذرهم فأطلقوا عليه وابلا من الرصاص وأسكتوه للأبد".

تتذكر سيما ذلك اليوم وكيف احتجزت قوات الاحتلال جثة ابن عمها، وأعادتها مساء ذلك اليوم وقد مثّلت بها بعد أن أصيبت بنحو 70 رصاصة الى جانب تقطيع جميع أصابع الشهيد، ما سبب صدمة لعائلته ولأصدقائه الذين ودعوا جثمانه.

في غضون ذلك كان بيت سيما يتعرض للاقتحام الدائم والتخريب من قوات الاحتلال التي دأبت تبحث عن زوجها المطلوب.

أصيب زوجها إبراهيم النعنيش ثلاث مرات برصاص قوات الاحتلال، قبل أن تتمكن من اغتياله بعد ثلاث سنوات من الملاحقة حيث اغتيل في الثامن والعشرين من تشرين الأول لعام 2003.

دائرة الألم والموت لم تغلق باغتيال زوجها، فغضب العائلة كان يزداد ولا يهدأ حتى بعد دفع فاتورة كبيرة من الخسارة.

تقول عنبص: "بعد أربعين يوما على استشهاد زوجي اعتقلت قوات الاحتلال شقيقي الأكبر عبد الله، بزعم أنه نفذ عملية إطلاق نار على حاجز عسكري في اليوم الثاني لاستشهاد زوجي ثأرا له".

اعتقل عبد الله تاركا وراءه زوجة وأولادا، وحكم بالسجن 14 عاما قضى منها أربع سنوات فقط.

تتذكر سيما تلك الأيام بغصة ومرارة، وبعد اعتقال شقيقها عبد الله بشهرين اعتقلتها قوات الاحتلال مع شقيقها الأصغر محمد، وحتى أزواج شقيقاتها لم يسلموا حيث اعتقل أحدهم، وأصيب الاخر بجراح.

أطفالي بلا أم:

تقول عنبص": كنت واثقة أنه بعد سلسلة المآسي التي مررت بها سيتم اعتقالي، كنت خائفة فقط على أولادي سيّما أن والدي كبيرين في العمر، ويصعب عليهما الاعتناء بهما وتحديدا أصغرهم مصطفى الذي لم يكمل عامه الأول بعد"..
حكمت عنبص بالسجن لمدة عامين ونصف بتهمة مساعدة زوجها الشهيد فترة مطاردته، فيما أمضى شقيقها الأصغر ستة أحكام بالسجن الإداري ما مجموعه ثلاثة أعوام دون تهمة محددة.

وتعتبر تجربة الاعتقال الأقسى في حياتها، تقول: "أمضيت شهرين في زنازين الجلمة تحت الأرض بهدف التحقيق، كان يبتعد إحساسي بالتعب والجوع، عندما أتذكر أن أولادي خسروا والدهم وبعد ثلاثة شهور خسروا أمهم أيضا".

خرجت عنبص من السجن في تموز 2006، لتجد والدها القوي قد أرهقته المآسي التي عاشتها العائلة وأصيب جراء ذلك بمضاعفات في القلب، أما أطفالها الذين عاشوا عامين ونصف العام دون أم وأب فقد كان وضعهم النفسي لا يقل سوءا عن وضع قلب جدهم المريض.

أكثر الأمور قسوة كانت عندما رفض طفلها مصطفى حضنها، بل كان يبكي عندما تقترب منه، ولا يسمح لها إطلاقا باصطحابه للحمام.

عاش الطفل مصطفى طوال فترة حكم والدته في حضن خالة الأم، كان يقول لها (ماما)، وينادي على زوجها) بابا)، احتضنوه كابن لهم لعدم قدرة الجدين على رعايته لصغر سنه.

وبعد عام من الإفراج عن عنبص والتئام شملها على أطفالها لا يزال مصطفى ينادي خالة الأم ــ أم مجدي ــ > بـ أمي< واقتنع بعد طول وقت ورعاية خاصة أن له أبوين وأمّين، ويقسّم وقته في النوم بالمنزلين لأنه لا يستطيع الاستغناء عن أحدهم في حياته.

أما الابنة الكبرى ميسر( 9 أعوام) فتقول جدتها ــ أم سيما ــ إنها باتت طفلة عصبية وحساسة للغاية، وسرعان ما يصيبها تشنج عند أدنى شجار مع أبناء عمها، أو عندما يدخل الجيش للمخيم ليلاً حيث ما زالت تعتقد أنهم جاؤوا لاعتقال والدتها مرة ثاني.
أما الطفلتان الصغريان عنود (8 سنوات) وريهام ( 6 سنوات) فلا تختلفان عن ميسر في خوفهما أن يأتي جنود الاحتلال ويأخذ والدتهما بعيدا كما فعلوا ذات يوم.

أحلم وأعمل من أجل السلام

اليوم كل ما تريده سيما أن تربي أطفالها بسلام، متمنية أن لا يعيشوا الواقع الذي عاشته يوما حيث الدماء والقتل والسجن.

"أحلم بواقع مختلف يعيشه أطفالي، أعلم أننا ضحية الاحتلال الإسرائيلي وآلة حربه، لكن المزيد من العنف لن يولد سوى المزيد من الدماء، يجب أن يقتنع الإسرائيليون والفلسطينيون أيضا أن الحل فقط في المفاوضات والحوار وأن يعيش الطرفان جنبا إلى جنب بسلام"، تقول عنبص.

وأول مرة تعرفت فيها على طرح مختلف لحل القضية الفلسطينية كان في شهر نيسان من العام الحالي، حيث جاء لزيارتها أحد أبناء المخيم المعروف بنضاله وسمعته الحسنة وهو نور شحادة، الذي قال لها: إن هناك جماعة من أصدقائه يرغبون بزيارتها لتهنئتها بعد خروجها من السجن.

تقول عنبص: "جاء إلى البيت العديد من الأشخاص الفلسطينيين بينهم نساء، وأخبروني أنهم منخرطون في حركة (مقاتلون من أجل السلام)، وأنهم بالتعاون مع بعض نشطاء السلام الإسرائيليين يقنعون الجنود بعدم الخدمة في الأراضي الفلسطينية".

وتضيف "أعجبتني الفكرة، واعتبرت حينها وما زلت أننا إذا نجحنا في ذلك فهذا معناه أن نقلل فرصة قتل فلسطيني على يد جندي إسرائيلي".

وتستطرد"دعتني المجموعة إلى اجتماع لهم في حي الرام شمال القدس في أيارالماضي، وعندما وصلت تفاجأت أن القاعة المليئة بالعرب والإٍسرائيليين، كانت المرة الأولى التي أقابل فيها إسرائيليين لا يحملون السلاح ولا يرتدون زي الجنود، ورغم ذلك أصابتني غصة!!