|
طبول حرب أم سلام في الشرق الأوسط؟
نشر بتاريخ: 30/08/2019 ( آخر تحديث: 30/08/2019 الساعة: 21:06 )
الكاتب: نضال منصور
بينما يعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ "عسل" خطة السلام، ويحث الخطى لإعلانها، ويكرر مستشاره غاريد كوشنير الوعود بمستقبل زاهر للمنطقة حين يعم السلام والازدهار خلال جولاته المكوكية استعدادا لعقد مؤتمر دولي لإعلان الخطة، كانت الطائرات والصواريخ الإسرائيلية "تسرح وتمرح"؛ فتقصف أهدافا عسكرية في العراق أولا وتتبعها سوريا ولبنان. لا يعترف المسؤولون الإسرائيليون بحدود الجغرافيا، ولهذا فإن طائراتهم تتحرك وتضرب وفق ما تستدعيه مصالحهم. أي مستقبل ينتظر الشرق الأوسط بين وعود توزعها الإدارة الأميركية، وطائرات وصواريخ إسرائيلية تقصف بلدان عربية؟ ماذا تخبئ الأيام القادمة بعد تصريحات أميركية تعلن استعدادها للاجتماع بالقيادة الإيرانية، التي تعيش حصارا اقتصاديا لا يبقي ولا يذر؛ ويفتح الباب لانفجار مرتقب؟ ♦♦♦ ماذا حدث وماذا سيحدث في قادم الأيام، سؤال مشروع لقراءة المستقبل؟ لم تعترف إسرائيل رسميا أنها وراء "هجمات الدرون" في الضاحية الجنوبية في لبنان، وهي كثير ما تفعل ذلك وتلوذ بالصمت، لكن القيادة اللبنانية اتهمت إسرائيل، فرئيس الجمهورية ميشال عون أعلن أن الهجومين الإسرائيليين في الأراضي اللبنانية بمثابة "إعلان حرب"، ورئيس الحكومة سعد الحريري قال خلال لقائه سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن "إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية والقرار 1701 باعتداءاتها الأخيرة". يتحسب الشارع اللبناني بعد الهجمات الأخيرة من اشتعال حرب جديدة مع إسرائيل يدفع هو ثمنها، فـ "حزب الله" الذي خاض معركة 2006 ضد الإسرائيليين لا يحظى بالتعاطف و"التقديس" بعد أن زج لبنان في أتون الصراع السوري، عندما تدخل لدعم الأسد عسكريا. "حزب الله" اليوم أكثر قلقا من تداعيات هذه الهجمات التي يراها خرقا لقواعد الاشتباك المتفق عليها منذ 2006، ومهما كان رده سواء قرر الصمت لتفويت فرصة الصعود لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الذي يعتاش على الأزمات، أو توجيه ضربات أو تنفيذ عمليات في الداخل الإسرائيلي، أو كما نقلت رويترز عن مصدرين مقربين من "حزب الله"، "الحزب يجهز لضربة مدروسة" بحيث لا تؤدي إلى حرب، فمهما كان القرار فإن الورطة تتوسع، والأزمة تتمدد في ظروف غير مواتية. أكثر من رواية تناقلها الإعلام اللبناني عن الطائرات المسيرة التي هاجمت الضاحية الجنوبية، قيل إنها كانت بمهمة مراقبة لأهداف استراتيجية لـ "حزب الله"، وقيل إنها كانت تخطط لعمليات اغتيال لشخصيات عسكرية إيرانية، وقيل إن العملية كُشفت وأفشلت، وبغض النظر عن صحة هذه الأقاويل والتكهنات الإعلامية، فإن المطروح الآن، هل تمر العملية الإسرائيلية دون "انتقام" ورد من "حزب الله" بعد تدخلات الدبلوماسية الأميركية لتطويق الأزمة والدعوة بضبط النفس، أم أن الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله سينفذ تهديداته؟ الهجوم على الضاحية الجنوبية جاء بعد تنفيذ طائرات إسرائيلية لغارات جوية على مواقع بالقرب من دمشق قيل إنها أهدافا إيرانية؛ وقيل ـ وفق الرواية الإسرائيلية ـ إنها جاءت لمنع هجمات قاتلة بطائرات دون طيار ضد مواقع إسرائيلية، وتبعها إقدام طائرات إسرائيلية على قصف قاعدة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة" في البقاع اللبناني. هل يدفع نتانياهو المشهد نحو الأزمة حتى يكسب الانتخابات القادمة، ويظهر عند الجمهور الإسرائيلي أنه الرجل القوي القادر على ردع المعتدين، أم أن ما فعله باستهداف الضاحية الجنوبية "حصان خاسر"، وسيدفع ثمنه مستقبله السياسي حين ينطلق أول صواريخ "حزب الله" إلى الداخل الإسرائيلي؟ القصة ليست لبنان، فإسرائيل لم تعد ترى حدودا لحروب الوكالة مع إيران؛ ولهذا كسرت "تابوها" آخر بقصفها مقرات لـ "الحشد الشعبي" في العراق، وهو ما لم تفعله منذ ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، حتى في حرب الخليج عام 1990 ورغم الصواريخ العراقية التي طالت مدنا إسرائيلية فقد لاذت بالصمت، وفوضت أميركا والتحالف الدولي آنذاك بالرد؛ حتى لا تخلط الأوراق، وتفشل التوحد الدولي لتحرير الكويت، والحشد لإسقاط صدام حسين. اليوم يجاهر نتانياهو بالقول "إن إيران ليس لديها حصانة في أي مكان، وإن إسرائيل ستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أمنها وأراضيها". هذا يعني أن ضرب "الحشد الشعبي" ليس نهاية المطاف، وربما يكون "الحوثيون" في اليمن هدفا قادما للطائرات الإسرائيلية، ما دامت الأصابع الإيرانية حاضرة، وتلعب بالملف اليمني، وما دامت طهران تملك الكثير من "القرابين" لتقدمها على المذبح في صراعاتها الإقليمية وفي صراع النفوذ، وما دامت تل أبيب لا تجد من يردعها. على الأرجح ما كان ممكنا أن يتحرك نتانياهو ليضرب في العراق وسوريا ولبنان لولا الصمت أو غض النظر الأميركي، ولهذا فإن أصواتا تعالت في العراق تلمح أن الضربات كانت بعلم ومعرفة القوات الأميركية المتواجدة هناك، وأصوات أخرى لم تتورع عن القول إن هناك أذرعا إسرائيلية في العراق، والسؤال الذي يُطرح؛ كيف تقوم طائرات مسيرة تنطلق من قواعد إسرائيلية لتضرب أهدافا في العراق دون كشفها والتصدي لها، معتبرين أن هناك تواطئا قد وقع! ♦♦♦ هل الحرب قادمة بعد أن اتجهت إسرائيل لفتح جبهات صراع جديدة في حروب الوكالة مع إيران، أم أن الأمر لا يعدو مناوشات تسبق الانتخابات الإسرائيلية، وتحصد الطائرات والصواريخ الأصوات لصالح نتانياهو؟ أصدر مركز كارينغي دراسة مهمة تحت عنوان "إشعال الصراعات في الشرق الأوسط أو إخماد النيران" تعترف صراحة أن منطقة الشرق الأوسط تحولت إلى "وكر دبابير" من التدخلات العسكرية في ضوء التداعي الإقليمي واستمرار الحروب الأهلية بعد موجة "الربيع العربي" وتداعياتها. الدراسة تُرجع تصعيد الصراع في المنطقة لأربعة عوامل تتلخص بتوازن القوى الإقليمي بعد "الربيع العربي"، وترى أن النزاعات المحلية أصبحت المسرح الذي تدور عليه المنافسات الإقليمية المتواصلة على هيئة صراعات أوسع نطاقا وأشد فتكا، بالإضافة إلى استمرار صفقات الأسلحة وتوريدها الذي تعاظم بصورة حادة، وتتنافس عليه أميركا وحلفائها الأوروبيين، وأخيرا فإن الشرق الأوسط يعاني من شح ملموس في معايير الحرب وآليات فض النزاعات مقارنة مع كل مناطق العالم الأخرى. تشير الدراسة إلى مشكلات مقلقة، فالحروب والصراعات في العادة تنتهي إلى تسويات سياسية للنزاعات، والقوة العسكرية حين تتدخل فإنها تريد وتسعى لفرض السلام، وتضع آليات لفض النزاعات، وهذا ما لم يحدث في المنطقة العربية والشواهد على ذلك حتى الآن ليبيا، اليمن، وسوريا. الاتهامات من كل حدب وصوب توجه أصابع الاتهام لإيران، وتعتبرها "مربط الفرس" في كل هذه الأزمات المشتعلة في المنطقة، فأميركا تُحاصرها وتهددها بالعقاب، وإسرائيل تخوض حروب وكالة مع حلفائها، دون اشتباك مباشر، وعلى العكس من ذلك فإن ترامب يدعو إيران لحوار مباشر، ولا تستبعد الأخبار فرص تحقيق ذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم إذا ما تنازل الرئيس روحاني عن مطالبه برفع كامل للعقوبات المفروضة، وتراجعت واشنطن عن مطالبها بانصياع إيران لـ 12 شرطا قبيل الجلوس على مائدة التفاوض. التجارب والمصالح تشي دائما أن ما يُشاهد على السطح ليس هو الحقيقة، وأن غبار الانفجارات وأزيز الطائرات لا يمنع عقد الصفقات والتسويات، وبالتالي قد يكون التهديد والوعيد، والاحتكاك العسكري المحدود مقدمة لتسوية كبرى وليس لحرب كبرى، والاتجاه الآخر أو السيناريو الآخر بقول إن الفوز بالانتخابات والوصول للبيت الأبيض قد لا يتحقق إلا بمعركة كبرى، وانتصار مؤزر. آخر الكلام والحقيقة المرة أن شعوب المنطقة هم من يدفعون ثمن هذه التحولات والسيناريوهات، والمبكي أيضا أنهم ليسوا اللاعبين الذين يرسمون مستقبلهم. |