وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأسير المريض بسام السايح: أدعوكم الى جلسة احتضار!

نشر بتاريخ: 05/09/2019 ( آخر تحديث: 05/09/2019 الساعة: 11:13 )
الأسير المريض بسام السايح: أدعوكم الى جلسة احتضار!
الكاتب: عيسى قراقع
السيد انطونيو غوتيريس، الامين العام للامم المتحدة

السيد ايبوي اوسوجي، رئيس المحكمة الجنائية الدولية

السيد بيتر ماورير، رئيس اللجنةالدولية للصليب الأحمر

السيدة ميشيل باشليه، مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان

السيد بنتاغو كانتون، رئيس اللجنة الخاصة المعنية بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة

السيد كومي نايدو، أمين عام منظمة العفو الدولية (امنستي)

أشكركم لتلبية دعوتي لحضور جلسة احتضار، ربما هو آخر لقاء بيني وبينكم لقد وصلنا الى النهاية، أنتم وأنا، مرض السرطان نهش كل جسمي كما تعلمون، لقد انتشر وعربد وتوحش واطبق انيابه على روحي، جسمي صار في الطريق الى الغياب، وبدأت في الاشهر الاخيرة اقيس هاويتي بعد ان تردى وضعي الصحي، لهذا دعوتكم، وهي ليست دعوة للوداع بقدر ما هي مشاركة في جلسة احتضار، فاحتضروا معي ايها السيدات والسادة لعل في ذلك بعض المواساة، ولقد قيل ان الاحتضار يشبه الولادة، يدخل المرء الى انفاق نفسه فيرى ما لا يراه احد في حياته القادمة.

السيدات والسادة، راقبوني وانا اغادر عالمكم وعالمي، عالمان لم يلتقيا الا في هذه اللحظة، كان عالمكم بعيداً برغم جماله واحلامه الموعودة واللغة الرصينة عن الديمقراطية وحق تقرير المصير وحقوق الانسان، عالمكم الكبير لم يتدخل لانقاذي واطلاق سراحي بعد ان وصلت حالتي الصحية الى حافة الموت، لم اعد قادراُ على التنفس، الهواء لا يأتيني الا من تحت باب الزنزانة، لم يحملني احد الى سماء مدينة نابلس، الى بيتي وعائلتي وذكرياتي لاشعر ولو مرة واحدة اني انسان بشري وليس حقل تجارب لاطباء سجون الاحتلال.

دعوتكم يا سادة الفكر والقانون وممثلي العدالة الانسانية لتفكروا مرة في هذا الخاطر الاليم وهو ان في هذا الجسد جسدي، جسداً متعطشاً للحياة، وفي هذا القلب قلبي، قلباً متعطشاً للحب، وفي روحي روحاً تنفر من استقبال الموت، فلم يعد السجان وحده من يحسب ما تبقى من الوقت الباقي لي، وانما انتم الان في هذه الجلسة عليكم ان تبدأوا بالعد، ان تحتضروا وتشهقوا معي دقيقة دقيقة وساعة ساعة، سيساعدكم ذلك في كتابة تقرير هام عن الموت البطئ في سجون الاحتلال، شكرا لانكم لبيتم دعوتي وجئتم للسجن، كل انواع واشكال السرطان المصاب بها تستقبلكم: سرطان الدم، سرطان العظم، سرطان الرئة، سرطان الدماغ، سرطان الحلق، الماء في الرئة، عضلات القلب الضعيفة، كلها ترحب بكم، صوتي المخنوق يرحب بكم، عشرون اسيرا مريضاً في عيادة الرملة يستقبلونكم ايضا، هي جلسة لنختار معاً خطواتنا الاخيرة، لنشهق بأغنية صامتة فوق هذا الحطام.

السيدات والسادة، لن أثقل عليكم، الجلسة لن تطول، هي قصيرة، فلا داعي لاجراء الفحوصات لي، لا حاجة لمزيد من العمليات الجراحية، لا تستخدموا ادواتكم واجهزتكم الطبية وشعاراتكم وانفعالاتكم، كل شئ هنا بارد وصامت، هنا محطة لانتظار الموت، وعليكم ان تشاركونا في حفلة الموت، اسمعوا ايقاع الصرخات والاوجاع من المصابين والمشلولين، تمتعوا بمشاهد تشنج العضلات وحالات الكريزا والبطون المفتوحة التي تتدلى منها الاكياس الطبية والاسلاك، هي حفلة ممتعة فيها تنوع وتعدد اشكال تثير البهجة والغثيان، عجلات متحركة، عكازات، اطراف مبتورة، اجسام ناقصة القدم او اليد او الامعاء او الكلى، شموا رائحة الموت في انفاس الاسرى المرضى ودموعهم وكوابيسهم، انتم الان داخل القبر ايها السادة، لكن القبر لا يفتح من الداخل.

السيدات والسادة، احتضروا معي واعدوا خطبة الجنازة، لقد فات الوقت، لم تصلوا قبل ذلك، لم يدق احد منكم باب السجن لمجرد التضامن او الزيارة، لم تتذكرونا في محافلكم وهيئاتكم، تركتمونا وحدنا مع السجان والمرض والهذيان، كنا مغيبين عن الادراك والعقل والقانون والحقيقة، فهل الان ادركتم انه كلما انهارت اجسامنا انهارت قيمكم وعدالتكم؟ لقد متم قبلي، فالموت ليس للجسد، وانما للفكر والارادة.

السيدات والسادة، لم يبق لي شئ لاخسره هنا، سأرتفع بجثتي العالية فوق جدران السجن واكمل نشيدي واكسر حدود الهاوية، انا ذاهب الى الموت لافتح نوافذ الحدائق في قيودي، وافرش زهر عمري في الآخرة، فالى اين انتم ذاهبون؟ الى نصوصكم وشرائعكم التي لم توقف المذابح والاعتقالات وظلم المستعمرين، صمتكم هو موت واكثر قسوة من موت السجين.

السيدات والسادة، انا الاسير المريض بالسرطان بسام السايح المحكوم بالسجن المؤبد مرتين و 30 عام، ادعوكم الى مشاركتي في جلسة احتضار داخل ما يسمى مستشفى الرملة الاسرائيلي، كونوا معي في رعشات روحي الاخيرة، واديروا وجهي نحو القدس، وليمر نعشي في شوارع مدينتي الحبيبة نابلس، في حاراتها وفوق جبالها، ليمر في الحارات العتيقة ليمر امام وجع مخيماتها.. اقيموا الصلاة عليَ في الحارات العتيقة في البلدة القديمة.