|
الصراع الإقليمي الجاري لا يدور حول تحرير فلسطين بعد
نشر بتاريخ: 05/09/2019 ( آخر تحديث: 05/09/2019 الساعة: 15:33 )
الكاتب: وليد سالم
في ظل تراجع الإقليم المضطرد أمام التوسع الاسرائيلي واتجاهه المعلن لسرقة فلسطين كاملة، باتت التحليلات السياسية الفلسطينية وبعض العربية تتلهف لكل عمل يواجه هذا التوسع ، وباتت تطلق مصطلح المقاومة لوصف أي حدث يتجرأ على اسرائيل ، مع أن الأمر ليس كذلك بعد ، فهنالك التنافس الإيراني - الاسرائيلي على السيطرة على المنطقة العربية ، وفي إطار هذا التنافس تدور الصراعات " المحسوبة" بين الطرفين بدون نية لأي منهما للانجرار الى حرب شاملة بل البقاء ضمن حالة" المعركة بين حربين " كما يسميها المحللون الاسرائيليون، فيما تعبر إيران كل يوم عن عدم رغبتها بالانجرار الى حرب.
حتى الان لم تتجاوز إيران جزءا من اجندتها القائمة على اطماع معروفة في الاستحواذ على المنطقة العربية ، فهي تسمي الخليج العربي بالخليج الفارسي، كما تحتل الجزر العربية الطنب الكبرى والطنب الصغرى وأبو موسى العائدة للإمارات . في إطار هذه الأطماع فإنها تدعم حركات مقاومة فلسطينية لاسرائيل مثل حماس والجهاد الإسلامي، ولكنها تدعمها حتى الان من اجل تحسين وضعها في التنافس مع اسرائيل على النفوذ في المنطقة وليس من اجل تحرير فلسطين بعد. اجندة اسرائيل للسيطرة على الإقليم اشمل وأكثر تعقيدا ، فهي تتضمن اولا الإفلات بفلسطين كاملة، وتنفيذ وعد بلفور باعتبار فلسطينييها افرادا لهم حقوق فردية، وليس حقوقا وطنية، إما أن يقبلوا بها وإما أن يغادروا البلاد. وثانياً فهي تتضمن اجندة للسيطرة على الإقليم بعد ازالة المنافس العسكري الإيراني، والتغلب على المنافس الاقتصادي التركي، ونهب ثروات السعودية ودول الخليج بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. واذا ما تحققت هذه العناصر الثلاث يصبح لاسرائيل السيطرة المطلقة في المنطقة كما تتمنى. فيما يتعلق بايران، لا تهدف اسرائيل وأمريكا الى تقويض النظام الإيراني كما فعلت امريكا مع نظام صدام حسين في العراق، بل تهدف الى نزع تهديده لأجندة اسرائيل الإقليمية للسيطرة على المنطقة، لذلك فهي تسعى لإخراج النفوذ الإيراني من سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولمنع تحول دعمه لقوى المقاومة من أن يصبح دعما شاملا موجها نحو نظام الهيمنة الاسرائيلي بدون تردد او حسابات. أما بالنسبة لتركيا التي تكافح للانتقال من الاقتصاد السابع عشر الى الاقتصاد العاشر عالميا مع حلول ذكرى تأسيسها المئوية عام ٢٠٢٣، فهي تواجه سعي اسرائيل لأن تصبح الاقتصاد الخامس عشر عالميا خلال السنوات القليلة القادمة، فيما تسعى امريكا وإسرائيل لمنع تركيا من التقدم اقتصاديا بكل السبل بما في ذلك من خلال فرض عقوبات اقتصادية عليها والتلاعب بقيمة الليرة التركية. اخيرا، بشأن دول الخليج، فإن اسرائيل تقدم نفسها وراعيتها امريكا لهذه الدول على أنها مستعدة لحماية أمنها مقابل ثمن مالي ، قدمت منه السعودية لأمريكا ٤٦٠ مليار دولار ، والإمارات ما يزيد عن ٢٠٠ مليار دولار. المطروح هنا ايضا هو نهب ثروات هذه الدول بذريعة دعمها ضد إيران وبذلك تتسيد اسرائيل اقتصاديا وليس فقط عسكريا في المنطقة. لا تبدو إيران ولا السعودية قادرتين على استيعاب هذه الاستراتيجية الاسرائيلية بكافة جوانبها، لذلك تلجأ إيران الى مواجهة سعي اسرائيل للنفوذ بسعي إيراني مضاد لتوسيع نفوذها في المنطقة العربية، وكأن قدر المنطقة العربية هو إما أن تخضع للنفوذ الإيراني او النفوذ الاسرائيلي ، لا أن يكون لها ولشعوبها صوتها الخاص وحقها الخاص في تقرير مصيرها. أما السعودية فهي تظن واهمة أن تعاونها مع اسرائيل سيتيح لها أن تسيطر على المنطقة بصورة مشتركة مع اسرائيل بعد ازالة التهديد العسكري الإيراني، والتهديد الاقتصادي والإقليمي التركي. ولكن الأمر ليس كذلك من ناحية اسرائيل ، فهي تريد السيطرة منفردة بدعم من امريكا ولذلك تستغل صراع دول الخليج مع إيران من أجل نهب الأخيرة لتحقيق تسيد اسرائيل المطلق في المنطقة، مع ابقاء كل من العرب وإيران ضعيفين، والاستمرار في استغلال التناقض بينهما، وهو ما يقتضي عدم تقويض إيران بل السعي للتحالف معها بعد اضعافها ضد العرب من اجل ابقاء العرب بدورهم ضعفاء ايضا. وقد عبر عن هذا التوجه تراجع الرئيس ترامب عن ضرب إيران بعد اسقاطها لطائرة أمريكية، وهو تراجع ستنضم له اسرائيل لاحقا بعد أن تؤدي دورها المطلوب في إضعاف إيران اقليميا. أين فلسطين في إطار الصراع والتنافس الإقليمي ؟. هي غير موجودة وليست ذات اولوية حتى الان، لا لدى إيران ولا لدى دول الخليج. الأولى لا زالت تدعم قوى المقاومة لتحسين اوراقها الإقليمية للتنافس مع اسرائيل وليس من اجل تحرير فلسطين وذلك على المستوى المنظور على الأقل. أما الثانية فقد تجاوزت حتى المبادرة العربية للسلام التي تشترط حصول التطبيع بعد زوال الاحتلال، ولهذا فهي تطبع امنيا واقتصاديا مع اسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية، كما أنها تتخذ مواقف اقل ما يمكن وصفها بأنها مائعة تجاه قضايا ضم ما تبقى من فلسطين الى اسرائيل ، وإعلان امريكا للقدس عاصمة لفلسطين. يفيد هذا التحليل الموجز، أن فلسطين متروكة اقليميا لإسرائيل لتعبث بها على المدى المنظور، ضما للأرض من جهة، وضغطا على السلطة الفلسطينية في رام الله وحصارا لها لتصبح مشغولة بالرواتب وتلبية الحاجات المعيشية اكثر من انشغالها بمعركة التحرير، وتمارس اسرائيل الضغط ذاته على حماس في غزة بذات الاتجاه، مما جعل المقاومة تصبح اداة ضغط من اجل تحقيق التهدئة مع اسرائيل لضمان وصول المساعدات المالية وتشغيل محطة الوقود في غزة، وليس اكثر من ذلك حاليا. لا معالجة لهذا الانحدار الذي يهمش الكفاح من أجل فلسطين اقليميا سوى بتفاهم تركي- إيراني- عربي قائم على فهم الاستراتيجية الاسرائيلية وسعيها لاختطاف فلسطين والسيطرة على المنطقة واضعاف كل أقطابها وتوتير الصراعات بينهم ويوفر الخطط والإمكانات لمواجهتها. ما عدا ذلك فإن ترك فلسطين للفلسطينيين لوحدهم من اجل تحريرها هو خيار قد ثبت عقمه. ولعل احد المقدمات لنشوء التفاهم الثلاثي المذكور هو اعادة انبثاق دولة عربية محورية وموحدة، مناظرة لإيران وتركيا وتتحاور وتتعاون معهما على قاعدة الندية، وطرح المطالب والقضايا العربية بقوة. يبدو ذلك وكأنه ضرب من الخيال اليوم ولكنه قد يتحقق في ظل الرمال المتحركة للمنطقة العربية الحبلى دائما بالمفاجئات. |