|
الإصلاح ما بين الاتهام والتشهير؟؟؟
نشر بتاريخ: 01/10/2019 ( آخر تحديث: 01/10/2019 الساعة: 08:40 )
الكاتب: د. سهير قاسم
إن إصلاح الأنظمة بوجه عام يتطلب توافر منظومة من المصطلحات اللازمة التي تفي بالغرض، فما بالنا إن تحدثنا عن إصلاح تربوي على وجه الخصوص، والذي يتطلب المزيد من الاهتمام والاضطلاع بالمسؤوليات من قبل الجميع، بغض النظر عن المناصب والرتب، الفرد والمواطن والمسؤول وكلّ ذي علاقة، على عاتقهم مسؤولية التعاون والتسلح بالحكمة والثقة والمرونة والروية لتتضافر الجهود على الأصعدة كافة، كيف لا ونحن نعيش أوضاعاً من التّرهل، وحالة من الضياع الفكري. والتساؤل المهم، هل النهوض والتطور والإصلاح يعني التّشهير والتّصفيق والتّصنع والشّخصنة ... ، أم النقيض؟!
أسئلة عديدة لا بد من التطرق إليها، فالشخصنة ضد الموضوعية، وتعني الحكم على أفكار الآخرين ووجهات نظرهم وممارساتهم بدوافع خاصة، التفسير والتحليل من منظور ذاتي، آفة باتت تحلّ بالمجتمع، داء يقع فيه الكثيرون، المواطن أم المسؤول الذي بات يقيس القانون أو القرار وتبعاته على نفسه، يعطيه صبغة شخصية، فتراه يحكم بالفساد لأسباب تتعلق بفكره الخاص دون أن يراه واقعاً ملموساً أو حتى يرى مظاهره، دون شعور بأدنى حد من المسؤولية تجاه الآخرين، فتتمركز ردود فعله حول ذاته، ويحسب المكاسب التي ربما ستعود عليه، وماذا سيحقق من جراء؟! تلك من المخاطر الجسيمة التي تمر بها المرحلة الراهنة، تحقيق مكاسب آنية ومصالح شخصية لا تنعكس أبداً على الصالح العام، وشيئاً فشيئاً ترى الترهل بعينه، فالتفصيل للقانون بالتّصنع، والهروب من المواجهة، والبديل هو التعالي عن الآخرين، فنُقاد إلى العبث بمقدراتنا! نتقبّل، دون استهجان، ما يحدث من ردود أفعال متناقضة رسمياً وغير رسمي، المسببات واضحة، إنها الشخصنة قاتلة الإبداع والظلم بعينه. وثمة قضية أخرى لا تقل أهمية في التدمير، هي الأحكام العامة غير العلمية التي تبعدنا كل البعد عن التطوير، فترى الأغلبية تتجه باللوم إلى الجميع عند حدوث تقصير أو خلل دون تخصيص، تعميم غير مدروس، إطلاق مصطلحات واسعة فضفاضة لا تسهم في التغيير البناء، إنها رسائل اتهامية في أغلبها تشهير وتدمير لكل إنجاز، فالموظف أو المعلم الجاد والمواظب حتماً سينهار يوماً، ما دام يُتهم من الجميع، فما بالك إن كان الاتهام من مسؤول أو صاحب قرار؟! وذلك لا يعني أبداً الصمت عن الحقيقة وخداع النفس وطمس الواقع، لكن البديل إظهار الحقيقة في مكانها ولمن يستحقها، التحديد لا التضليل، أينما رأيت الخلل عالج، دون استغلال بحق الجميع، تحدث بدقة وبتحديد دون تعميم مضلل، سيكون لذلك الأثر الإيجابي والمعالجة الحقيقية، عندما ترى الموظف لاهياً لاعباً لا تصدر قراراً بحق الجميع، فهل ذلك من باب العدالة؟ أم من الأفضل لفت انتباه صاحب الخطأ، لماذا التعميم، أم هل يكون من باب التضليل؟! وهل العلاج لا يصح إلا بالتعميم! سلسلة من التراكمات أظنها وراء كل خلل مذ سنوات، وما وقعنا فيه من ترهل يمت بصلة إلى هذه الآفات الخطيرة، فالاتهام للجميع تقصير بحق الجميع، أليست المحاسبة هي المصطلح الأدق، وعين الصواب، التحديد لا التعميم، واستبدال مصطلحات الشخصنة ومجرد التفكير حول الذات المجردة ووقع القوانين أو القرارات وأثرها على المصالح الخاصة والتعميمات المفرغة من مضامينها بمصطلحات أكثر دقة، فهناك الحكمة والخبرة والانطلاق نحو المأسسة، والانتقال إلى التفكير في المصلحة العامة،،، حينئذ نصل إلى التقدم والعلاج، وذلك أبداً لا يتناقض مع الاختلاف الذي هو ظاهرة طبيعية في المجتمعات كافة. إطلاق الرسائل العامة يجعل المؤسسة لا تختلف عن أقوال العوام التي لا تُبنى على التشخيص الحقيقي والواقعي، ويصغر الفرق ما بين المؤسسة الرسمية وغير الرسمية وبين ما يتداول هنا أو هناك، وعلى سبيل التمثيل لا الحصر فالطبيب العام يكشف بعمومية ولا يحدد المرض، أما المختص فيشخص بدقة لكل فرد حتى يتمكن من العلاج، والمعلم الذي يسأله ولي الأمر عن حال ابنه فيجيب " ضعيف جداً" إنما تعبّر عن ضعف المعلم لا عن ضعف الطالب، لماذا لا تشخص وتحدد مواطن الضعف بدقة لدى الطالب مثلاً؟! ربما المصطلحات قاسية، لكنها الحقيقة التي تُلزمنا بإعادة النظر في المنظومة وآليات العمل، فما آلت إليه أمورنا نوع من الوهن والضعف ربما أحد أسبابه التشهير والتصنع ... والتعميم غير المدروس هروب من تقديم العلاج، أما التشخيص الدقيق فعلاج وتصحيح للمسار. |