وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حماس ودروس "النهضة"

نشر بتاريخ: 28/10/2019 ( آخر تحديث: 28/10/2019 الساعة: 13:24 )
حماس ودروس "النهضة"
الكاتب: عماد عفانه
يمكن اعتبار حركة النهضة من الأحزاب الناجية من محرقة الحكم، فبعد الثورة لم تسلم الأحزابٍ التي شاركت في حكم تونس كلياً أو جزئياً.

فقدا اختفت معظم الأحزاب التي حكمت، مثل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحزب نداء تونس، بينما كانت "النهضة" الناجي الوحيد، رغم اصابتها بتراجع قاعدتها الانتخابية، لتراجع ثقة قواعدها بقرارات قيادتها المتساهلة التي اخذتها في وقت ادارة التحالفات.

الثورة التي التهمت الأحزاب الحاكمة، لم تستطع ابتلاع "النهضة" فهي لقمة كبيرة، ليس لأنها حركة ليست ناشئة فقط، بل لأنها حركة تاريخية متجذرة ليس في عيون الشعب، بل ثابتة في وجدانهم وفي فطرتهم، لارتباطها ربما بتمثيل اتجاه ديني أكثر منه اتجاه سياسي.

لكن السؤال بعد أن نجت الهضة من محرقة الحكم وحازت على أكبر نسبة مقاعد قياسا بالأحزاب الفائزة الأخرى، هل ستتمكن النهضة من الحكم، خصوصا إذا علمنا أن نسب الفوز "الضعيفة"، لا تمكن الأحزاب الفائزة الخمسة الأولى والتي حصدت 109 مقاعد في البرلمان، من تشكيل أغلبية مطلقة لتشكيل حكومة بمفردها، اللهم إلا إذا تحالفت مع غيرها، تحالف سيكون ذات ثمن باهظ وكلفة سياسية ستنال من شعبية هذه الأحزاب لاحقا، ما سيجعل من عملية بناء تحالفات الحكم أمر عسيراً.

نظرا لخوف الأحزاب التي صنفت نفسها في خانة المعارضة، من الاقتراب من حركة النهضة، كي لا يصيبها عدوى الضياع والاندثار التي اصابت غيرهم من الأحزاب المنثرة.

هذه الأحزاب انتخبها الشعب كي تحكم لا لتعارض، واختارها لتنهض بالوطن بالشراكة مع الأحزاب الأخرى، وليس لتدخل في بازار المزايدات ورفع سقف شروط التفاوض بهدف التعطيل، وكأنها تحكم على نفسها بالاندثار منذ الآن وقبل حلول موعد الانتخابات التالية.

الدرس الأول:

- مهما بلغت أي حركة من الطهارة والنقاء، فان مغانم الحكم لابد أن تصيب شريحة منها فتنال من طهارتها ومن سمعتها، لذا يجب تفعيل الرقابة والمحاسبة بعلانية وشفافية.

- هناك أحزاب صغيرة تنال مقاعد من فتات الأصوات الساقطة على جنبات التصويت للأحزاب الكبيرة، ورغم أنها لا تصلح بيضة قبان، فانها ولأسباب مصلحية بحتة تتمنع عن المشاركة في الحكومات كي لا تصيبها لعنة الناخبين، ولنا مثال في جميع القوى التي رفضت مشاركة حماس الحكم رغم أنها عرضت عليهم مغانم أكبر من حجمهم.

- لعنة الاندثار قد تصيب الأحزاب الصغيرة، لكن الحركات الكبيرة ذات الامتداد في وجدان الناس، وذات العطاء المستمر قد تخسر بعض الأصوات لكنها لا تندثر.

- يجب عدم التحالف مع أحزاب أو اشخاص ملوثين ومجروحين وطنيا مهما بلغ حجمهم.

كانت النهضة أمام فرصة تاريخية لتصعيد مرشحها ليحوز مقعد الرئاسة لأول مرة في تاريخ تونس، إلا أن رفض شورى النهضة ترشيح شيخها راشد الغنوشي لمقعد الرئاسة، دفعه لترشيح نائبه عبد الفتاح مورو، ترشيح تم في خضم تجاذبات داخلية غير مسبوقة، وكان في وقت قصير، لم يمنح مورو الوقت الكافي للقيادم بالدعاية الإنتخابية الكافية، كما لم تبذل ماكينة النهضة ذاتها الجهد الدعائي المطلوب للترويج لمرشحها.

إضافة إلى أن ظروف وطبيعة ترشيح مورو لم تقنع قواعد النهضة بجدية هذا الترشيح، ما أعطى مساحة حرية واسعة أمام قواعد النهضة فاعطت صوتها لقيس سعيد، الأكاديمي غير المؤطر حزبيا وغير الملون ايدلوجيا، والخالي من أي برنامج انتخابي للنهوض بتونس ،حيث صرح بنفسه أن برنامجه الانتخابي هو ما يريده الشعب التونسي.

فخسرت النهضة مقعد الرئاسة، وخسر الغنوشي فرصة ترشحه لمقعد الرئاسة، وفاز قيس سعيد بجزء عزيز من أصوات قواعد النهضة.

الدرس الثاني:

- يجب أن تكون الحركات الكبيرة حاسمة في قراراتها وعلى ثقة كبيرة في توجهاتها، ومقنعة لقواعدها.

- اذا اتخذت الحركة قرارا بترشيح أحد لمنصب معين، فيجب أن تضع كل ثقلها خلفها، وان لا يدفعها التجاذب الداخلي نحو التلجلج والتكاسل، فتدفع ثمنا باهظا من مستقبلها.

- التواصل الدائم مع القواعد لجهة اقناعها بتوجهات القيادة ومجالسها الشورية، يحصن الحركة من خسارة جزء من هذه القواعد في الأوقات الحاسمة.

لكن لماذا يصر الغنوشي 80 عام على ترؤس حكومة تونس القادمة؟

ببساط لأن النظام الداخلي لحركة النهضة لا يسمح للغنوشي بالاستمرار في ترؤس هذه الحركة العظيمة والممتدة، ومنصب رئيس الحكومة سيمنح الغنوشي الحصانة من الاندثار السياسي، أو أن يطويه التعاقب الطبيعي للأجيال والتدافع البشري على سدة القيادة.

الفسيفساء الحزبية التي أفرزتها الانتخابات التونسية الأخيرة، وصعوبة بناء تحالفات مريحة تمكن النهضة من تشكيل حكومة تقود السفينة التونسية لبر الأمان، أشعرت حركة النهضة الآن وأكثر من أي وقت مضى بفداحة خسارتها لمقعد الرئاسة، خصوصا إذا ما علمنا أن الدستور التونسي ينص في فصله 89، على منح رئيس الجمهورية حق تكليف شخصٍ جدير بتشكيل الحكومة، بعد أن يستنفذ الحزب الفائز جميع الجهود من أجل تشكيل حكومةٍ يرأسها.

فلنتخيل لو حازت النهضة مقعد الرئاسة في ظل هذه الفسيفساء الحزبية المانعة من تشكيل حكومة متجانسة، وعملت على تفعيل هذه الإمكانية الاستثنائية، للخروج من قبضة شروط الأحزاب الصغيرة لتشكل حكومة الرئيس، خصوصا إذا كان هذا الرئيس من النهضة التي تحوز أغلبية برلمانية وقاعدة شعبية عريضة في الشارع.

الدرس الثالث:

- يجب أن لا تزهد الحركة في منصب الرئاسة خوفا من العواقب الدولية، فحيازة المناصب العليات يعضد بعضها بل ويحمي بعضها.

- يجب أن يضمن النظام الداخلي للحركات مكانة تحفظ للقادة التاريخيين عطائهم ومكانتهم وتاريخهم ورمزيتهم، كي لا يدفعهم البحث عن هذه المكانة في لحظة ما لاتخاذ قرارات قد تتسبب بشرخ أو انقسام.