الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل الجديد في التغيير؟

نشر بتاريخ: 01/12/2019 ( آخر تحديث: 01/12/2019 الساعة: 20:23 )
هل الجديد في التغيير؟
بقلم: محمد القاروط "أبو رحمه"

الجواب: نعم الجديد في التغيير إذا اقترن التغيير بالاستمرارية.
والجديد المقرون بالاستمرارية يحدث تطويرا لما نريد.
والجديد الذي يحدث يجب النظر إليه من زاوية إحداث تغييرات مستمرة لمعالجة الواقع وتطوير أفق المستقبل، مستندين إلى تقييم تجربتنا.
التغيير والاستمرارية ليست انقلابا على الماضي بل تطويرا له.
التغيير هو الثابت المستمر في الحياة، علينا النظر إليه كأحد محفزات العمل وكصديق.
في هذه المقالة سنعالج التغيير لان الاستمرارية معروفة بذاتها.

الجديد ينبع من التغيير، القواعد الذهبية لفهم التغير ثلاثة:
الأولى: أن التغيير غالباً لا ينبع من داخلك بل من البيئة المحيطة بك.
الثانية: أن التغيير ليس جزءاً منك. بمعنى سيكون جديدا عليك أيضا.
والثالثة: أن في التغيير مخاطرة وفرص.
القاعدة الأولى، أن التغيير لا ينبع من داخلك، ذلك لان التغيير هو تغيير في الأفكار يعبر عنه في السلوك، وأن كل سلوك خلفه دافع، وكل دافع بحاجة الى مثير، وكل سلوك له وظيفة يؤديها (هدف)، الدوافع التي تنتج السلوك ثلاثة دافع البقاء، والدوافع الداخلية والدوافع الخارجية، الدوافع الثلاثة بحاجة الى مثير لتنتج سلوكاً يؤدي وظيفة.
المثير الذي يحرك دافعاً لإنتاج سلوك جديد هو مثير خارجي.
أما القاعدة الثانية أن التغيير ليس جزءاً منك، لان التغيير يقع في المستقبل، وماضيك وتجاربك هي جزء منك ولديك إستمرارية معها، ولان التغيير يقع في المستقبل فأنك لا تعلم ما الذي سيحصل على وجه التحديد إذا ما تم التغيير.
إن التغيير يضع ماضيك كله او جزء منه على المحك، فقد عشت، وكونت أفكارك ومعتقداتك بطريقة أصبحت مريحة لك.
عندما تقدم لك فرصة للتغيير يهتز كيان ماضيك، وإذا التقطت الفرصة وأخذت قرارك بالتغيير فلن تكون أنت كما أنت الآن.
القاعدة الثالثة أن في التغيير مخاطرة، لان لا أحد على وجه التحديد سيعرف أين سينتهي به المطاف مع الجديد الناتج عن التغيير، لان القديم مجرب ومعروف، وعشت فيه، أما الجديد الناتج عن التغيير فهو غير معلوم ومجهول.
الإنسان عدو ما يجهله صحيح، اذا كان ما تجهله عدوا فعامله كعدو، ضع هدفك وحدد آليات الوصول إلى هدفك، واتخذ قرار مواجهة عدوك، ستنتصر بالإيمان والصبر وحسن التدبير وامتلاك المعارف والمهارات اللازمة لمواجهة عدوك.
وهذه الخاصية لدى الإنسان العادي أي أن الإنسان عدو ما يجهله، تجعله يرفض فكرة التغيير لإنه يجهل ما يحّمله الجديد الناتج عن التغيير.
من الطبيعي أن يكون هناك مخاطرة في التغيير، ولكنك أمام خيارين إما أن تقرر الإستمرار في العيش في الماضي أو الدخول في المستقبل.
الدخول في المستقبل هو مخاطرة، ولكن الاستمرار في العيش بالماضي، يعني أنك قررت أن تكون كالمياه الراكدة. الحياة في المستقبل كالمياه الجارية لا تحمل معها ما تحمله المياه الراكدة.
إذا نظرنا الى الجديد الناتج عن التغيير على أنه المستقبل، فلا يسعنا إلا أن نعتبر أية فرصه للتغيير على أنها فرصة فيها مخاطرة. الجديد الناتج عن التغيير ربما يكون غير مريح، ولكن ثمة فرصة بأن يحمل معه ما تريد أن تحققه.
عندما تتاح لك فرصة للتغيير فإنك تقلق وتتوتر، وهذا أمر طبيعي، الجواب الحاضر في ذهنك غالباً رفض التغيير جهلاً بما لا تعلمه في المستقبل، ولكن تذكر أن لا أحد يرضى بالقديم، لإنه معلوم ومعروف ومتكرر وسيصبح مملاً.
أعط لنفسك فرصة لتتفهم الجديد الناتج عن التغيير، واعتبره مخاطرة للاستكشاف، لإنك ستصبح جديداً.
حاول وابذل جهدك للتغلب على أفكارك التي تريدك حيث أنت، الفرصة كالقنص إذا لم تلتقطها غابت وابتعدت عنك. تذكر أنك تسعى لتكون جديداً، والمطلوب هو قدر كاف من الشجاعة وتقبل المخاطرة، وإعتبار الجديد الناتج عن التغيير فرصة فيها مخاطرة.
بلادنا فيها من الراغبين في البقاء في الماضي أعداد كبيرة وهم عامة الناس، رغبتهم في البقاء في الماضي توقف نموهم، أما أنت فتذكر انه لا يمكنك أن تتقدم وتنمو بدون التغيير، وبدون إستعدادك لتقبل المخاطرة، لا تتراجع وتغمض عينيك إذا لاحت فرصة التغيير، لا تتخذ قرارات مبنية على الماضي، لإنها ستدمر حياتك أو ستبقيك مكانك.
استسلم للتغيير، واعتبره فرص فيها مخاطرة، بذلك تكون قد امتلكت رؤية للمستقبل، الرؤية الجديدة كفيلة بتغييرك، وستجعلك متجدد في كل لحظة.
الجديد الناتج عن التغيير فرصة فيها مخاطرة، إنها رؤية للمستقبل فاحجز لك مقعداً في المستقبل.
أما العاملون في مجال التنمية البشرية والتدريب، فنذكرهم بأن للتغيير بعدين، الأول منطقي والثاني نفسي، وذلك لإن أي تغيير بحاجة إلى عملية محسوبة لتحسين الواقع الحالي إلى الأحسن، وهذا دور المنطق والعقل ومسؤوليته.
أما المحور الثاني النفسي فهو المسؤول عن محاولات مقاومة التغيير، وهذا يتطلب من العاملين في مجال التغيير أن يطرحوه على المستويين المنطقي والنفسي، إن التغيير صراع بين العقل والعاطفه.
قبل أن تدفع الناس إلى التغيير عليك أن تجعلهم يرحبون به.
أما عن المعارف والمهارات اللازمة للعاملين في هذا المجال فإن من المفروض أن يتمتعوا بإرادة وإدارة للتغيير، الإرادة هي المحرك الإنساني الذي يجعل الفرد يتراجع عن التغيير أو يتخذ قراراً بإجراء تغيير جديد، في حال ثبت بالتجربة أن التغيير الذي أجراه فيه مخاطرة كبيرة.
أما الإدارة فإنها تلك المعارف والمهارات اللازمة لتحديد وقت التغيير، ومكانه، ونوعيته وكميته.
التغيير عمل ممنهج واع، له قواعد، وأبعاد ومعارف ومهارات ويحتاج إلى قدرات ووعي كاف.
كنت عند أسرة صديقي على الغداء، فلاحظت أن بعض أفراد الأسرة لهم طعام خاص، فسألت فقالوا، نقوم بتنظيم الأكل لمناسبة وزننا مع طولنا، عندما بدأنا، قالت الزوجة هذا طعام مرضى، إننا نأكل مثل طعام المرضى، صمت الجميع وتوقفوا عن الأكل وبدءوا ينظرون إلى بعضهم البعض، فلما طال صمتهم وتوقفهم عن الطعام قلت لهم: قولوا الحمد لله لإنكم إخترتم بإرادتكم وقرار منكم أن تتناولوا هذا الطعام وتعدلوا من طريقة تغذيتكم ونوعيتها، وهذا أفضل بكثير من أن لو أجبرتم عليه كما يجبر المرضى.
التغيير يحدث كل يوم، فإذا تأخرت عنه سيأتي من يقوم به ولو بعد حين.
هذه دعوة لتكون مبادراً للتغيير، لنكون من المتميزين، لنضيف إلى الحياة شيئاً جديداً. لأن من لا يزيد على الحياة شيئاً كان زائداً عليها.