الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

النص الحرفي لخطاب الرئيس محمود عباس امام القمة العربية

نشر بتاريخ: 29/03/2008 ( آخر تحديث: 30/03/2008 الساعة: 00:00 )
بسم الله الرحمن الرحيم

{ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }

'صدق الله العظيم '

السيد الرئيس أصحاب السيادة والفخامة والسمو السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية

السيدات والسادة، الحضور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود في البداية أن أتقدم باسم شعبنا الفلسطيني بالتهنئة والتمنيات بالتوفيق لسيادة الأخ الرئيس بشار الأسد برئاسته للقمة العربية، معبراً عن خالص شكرنا على حسن الضيافة والإعداد والتنظيم. كما أود أن أتوجه بالشكر والتقدير لصاحب الجلالة خادم الحرمين الشريفين الذي قاد بحكمته وحنكته رئاسة القمة العربية خلال العام الماضي. وأحيي الجهد المتصل للأخ الأمين العام للجامعة العربية وطاقم الجامعة.

السيد الرئيس

أعتقد أننا ندرك تماما ما يتهدد وطننا العربي من مخاطر مختلفة، تتطلب منا إجابات صحيحة وشجاعة. وأنا على ثقة بأننا جميعا متفقون على أن صياغة موقف وفعل عربي مشترك كفيل بإحداث التغيير وتعديل الموازين، لحماية مستقبل شعوبنا ودولنا ضمن رؤية تستشرف المصالح العربية العليا وتدافع عنها، وتطرح الصوت العربي مؤثرا وفاعلا في هذا العالم الذي يموج بتغيرات عميقة، وتقدم موقفا عربيا بجوهره النابع من حقوقنا وأهدافنا وأمننا القومي.

السيد الرئيس

أيها الأخوة الأعزاء

إن شعبكم الفلسطيني يواصل صموده البطولي في وجه الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي ويؤكد كل يوم تمسكه بحقوقه الوطنية وبأرضه وبقدسه الشريف، ويتمسك كذلك بخيار السلام العادل وبحل الدولتين وبمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، إلا أن إسرائيل تواصل عدوانها واحتلالها وبناء المستوطنات وتهويد القدس الشريف.

وإن الحل الذي تقوم إسرائيل برسم معالمه وخارطته على الأرض لا يتجاوز مجموعة من المعازل في أرض ممزقة بالمستوطنات وبجدار الفصل العنصري والحواجز والحصار، وهو حل يدعم الاحتلال والاستيطان ويهدف لضرب إمكانية قيام دولة فلسطين المستقلة فوق أرض الشعب الفلسطيني، أرض فلسطين.

وإن القدس الشريف، مسرى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومهد المسيح عليه السلام، والأرض التي بارك الله حولها وعاصمة الثقافة العربية للعام القادم 2009، إن القدس تتعرض اليوم لأشرس هجمة استيطانية تستهدف عروبتها عبر مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات وهدم بيوت المواطنين والتضييق عليهم في حياتهم بالضرائب ومنعهم من بناء البيوت وبإحكام الحصار على المدينة المقدسة بتطويقها بسلسلة من المستوطنات وبجدار الفصل العنصري لعزلها عن بقية الأراضي الفلسطينية.

ويترافق ذلك كله مع عقوبات جماعية واعتقالات بالجملة حتى بلغ عدد أسرانا ومعتقلينا أكثر من 11 ألف أسير ومعتقل، وهؤلاء هم أبطال الحرية الذين نعمل ليل نهار لإطلاق سراحهم وعودتهم إلى أسرهم وذويهم. إن حملات جيش الاحتلال لا تتوقف عن اقتحام واجتياح مدننا في الضفة والقطاع وعن الاغتيالات والاعتقالات وتدمير البيوت ومواصلة الحصار الذي يخنق الحياة الاقتصادية ويزيد معدلات البطالة والفقر في أوساط شعبنا.

وطوال الشهور الماضية تعرض قطاع غزة لاعتداءات وحشية متواصلة سقط ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء وبينهم عشرات الأطفال والنساء والمسنين ودمرت فيها البيوت وجرفت فيها الأراضي. ولا يخفى عليكم أن العدوان الإسرائيلي المتواصل هو جزء من سياسة إسرائيلية تهدف إلى تمزيق وحدة الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ولضرب إمكانيات التوصل لاتفاق سلام عبر التذرع بالانقسام الفلسطيني.

وقد سعينا وما زلنا لتحقيق تهدئة توقف الاعتداءات الإسرائيلية وتفك الحصار الخانق عن شعبنا، وعرضنا أن تتسلم السلطة معابر قطاع غزة لتأمين إدخال احتياجات المواطنين من المواد الغذائية والوقود والأدوية وكافة المستلزمات ولتأمين حق شعبنا في التنقل والسفر والعلاج.

وفي ظل الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، فإننا نطالب الأشقاء العرب بالتفكير جديا بحماية عربية ودولية لشعبنا كي نستطيع حماية شعبنا وإعادة بناء مؤسساتنا المدنية والأمنية.

ولا بد من الإشارة إلى أن السلطة الوطنية تواصل رعاية أبناء شعبنا في قطاع غزة، حيث أن 58% من الميزانية الإجمالية للسلطة الوطنية الفلسطينية تصرف على قطاع غزة وتدفع السلطة رواتب 77 ألف موظف من غزة بينما تدفع السلطة رواتب 73 ألف موظف في الضفة الغربية والقدس، إلى جانب إعفاء سكان القطاع من الضرائب وتكاليف العناية الصحية ولوازم المستشفيات وتأمين المساعدات وإيصالها لشعبنا المحاصر هناك، هذا هو الوضع الذي نقوم به بالنسبة لأشقائنا في غزة، وهذا سببه أن الوضع لا يحتمل، مما يضطرنا لصرف هذه المبالغ لتأمين المستلزمات الأساسية لشعبنا.

السيد الرئيس

أيها الأخوة الأعزاء

لقد توافقنا كأمة عربية وتوجهنا معا نحو مؤتمر أنابوليس في تشرين الثاني الماضي، حيث طرحنا مبادرة السلام العربية كإطار هو الأكثر انسجاما وتوافقا مع روح ونص القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وكنا بحضورنا وموقفنا الموحد في ذلك المؤتمر نؤكد أن الأحاديث والدعوات للتطبيع لا يمكن أن تكون قبل أن يتحقق السلام العادل والشامل على جميع المسارات.

هذا السلام الذي يؤمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الجولان العربي السوري المحتل، وما تبقى من الأراضي اللبنانية، وقيام دولة فلسطين المستقلة على جميع الأرضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلاً ومتفقا عليه على أساس القرار 194 وفق المبادرة العربية للسلام، وإطلاق سراح أسرانا ومعتقلينا من سجون الاحتلال ومعتقلاته.

وقد كان مؤتمر انابوليس، في واقع الأمر، مؤتمرا دوليا للسلام عبر بصورة واضحة عن حالة الإجماع المتبلورة دوليا بضرورة التحرك السريع نحو تحقيق السلام وفق حل الدولتين خلال العام 2008.

وجاء مؤتمر باريس لدعم السلطة ومشروع الدولة الفلسطينية اقتصاديا وماليا في كانون الأول الماضي بعنوانه وأهدافه وحجم المشاركة الشاملة فيه وبقراراته ليعبر مجددا عن إرادة عملية للمجتمع الدولي في بناء دولة فلسطين المستقلة. وإننا نتطلع باهتمام بالغ لانعقاد مؤتمر لمتابعة هذه الجهود في موسكو قريبا.

وقد حرصنا دوماً على أن نخوض مفاوضات الوضع النهائي بنية صادقة وعقول مفتوحة مستندين لدعم الموقف العربي الموحد، وآملين أن تشكل حالة الإجماع الدولي رافعة تنتشل عملية السلام من الهاوية التي قادتها إليها السياسات الإسرائيلية وتحقق هدف التوصل إلى معاهدة السلام قبل نهاية العام الحالي.

وكنا نلفت وباستمرار أنظار أعضاء اللجنة الرباعية ومختلف دول العالم إلى متطلبات لا غنى عنها للنجاح تتمثل في ضرورة تنفيذ الجانب الإسرائيلي لالتزاماته.

غير أن الشهور الماضية شهدت تصعيدا غير مسبوق من قبل إسرائيل في تنفيذ مخططات استيطانية جديدة تركزت في القدس والضفة الغربية، وبات واضحا أن الحكومة الإسرائيلية تريد وبقوة الاحتلال أن تفرض على الأرض معالم الحل السياسي كما ترغب.

السيد الرئيس

خلال السنة الفاصلة بين قمتي الرياض ودمشق، شهدنا في فلسطين أحداثا جسيمة، لقد نجحنا في عقد اتفاق مكة الذي تم بفضل الجهود الخيرة لجلالة خادم الحرمين الشريفين وباركته قمة الرياض، حيث رأينا فيه مخرجاً ملائماً لإنهاء الحصار على الشعب الفلسطيني، ولتكريس صيغة عمل وحدوي فلسطيني يستند إلى القانون.

كما سعينا للبحث عن أفضل السبل التي تقود لإنهاء هذه الحالة بما يضمن استعادة الوحدة السياسية والقانونية لشطري الوطن، وتؤمن احترام المؤسسات والنهج الديمقراطي والتعددي الذي نتمسك به.

وكنا وما زلنا ننطلق من قناعة راسخة بحق جميع القوى والفصائل في العمل السياسي والتنظيمي في إطار القانون وضمن وحدانية السلطة ووحدانية السلاح مع احترام التزامات منظمة التحرير الفلسطينية وقرارات الشرعيات العربية والإسلامية والدولية.

وقد تجاوبنا مع كل المبادرات الخيرة على قاعدة القرارات التي اعتمدها مجلس الجامعة، وكان آخرها المبادرة التي طرحها فخامة الرئيس علي عبد الله صالح والتي أعلنا موافقة منظمة التحرير عليها لتنفيذ بنودها على الفور دون تغيير أو تعديل.

وفي هذا السياق نكرر مطالبتنا لحركة حماس بالتراجع والقبول بالالتزامات التي قبلت بها منظمة التحرير الفلسطينية والذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.

السيد الرئيس

أيها الأخوة الأعزاء

إن الأشهر القادمة حاسمة، وحاسمة للغاية، وإن وصولنا إلى نهاية العام دون تحقيق الهدف الدولي المتمثل في إنجاز اتفاق سلام يعني وضع المنطقة على فوهة حقبة جديدة من التوتر ومن فقدان الشعوب لثقتها بإمكانيات تحقيق السلام وبفاعلية المجتمع الدولي ومؤسساته.

ونعتقد أننا مطالبون في قمتنا هذه بأن نبعث برسالة واضحة للعالم تؤكد مجددا على تمسك دول الجامعة العربية بخيار السلام كما عبرت عنه مبادرة السلام العربية. غير أن تأكيد الالتزام يجب أن يترافق بتحرك من المجتمع الدولي وخاصة الرباعية الدولية لإلزام إسرائيل بالتجاوب مع هذه المبادرة.

كما أن رسالتنا للعالم ينبغي أن توضح أن إنجاح المفاوضات يتطلب إلزام إسرائيل بتنفيذ الاستحقاقات الواردة في خطة خارطة الطريق، وفي مقدمتها وقف جميع الأنشطة الاستيطانية، ووقف الهجمات والاعتداءات العسكرية ضد الشعب الفلسطيني وإنهاء الحصار وإزالة الحواجز.

إن المفاوضات لا يمكن أن تتقدم وتنجح، بل أيضا لا يمكن أن تستمر على وقع الجرافات الإسرائيلية وهي تنهب أرضنا وتبني المستوطنات فوقها، أو على وقع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية.

إن رسالتنا واضحة لكل الدول والأطراف والهيئات التي حضرت معنا مؤتمر أنابوليس وفي مقدمتها أطراف الرباعية الدولية، وهي أن عليها أن تسارع وتتقدم لتحمل مسؤولياتها لإنقاذ عملية السلام ولتبصر المخاطر الكارثية على المنطقة والسلام العالمي إذا واصلت الحكومة الإسرائيلية تقويض المفاوضات وما سيقود إليه ذلك من نتائج ستوفر البيئة الملائمة لليأس والإحباط والتطرف .

إننا في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية سنواصل تحركنا بالتنسيق الدائم والحثيث مع أشقائنا العرب، ولا بد من أن نتفق على آليات لنقل رسالتنا إلى أطراف اللجنة الرباعية ودول العالم والمؤسسات الدولية كي تتحمل مسؤولياتها في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والجولان والجزء المتبقي من لبنان.

السيد الرئيس

أيها الأخوة الأعزاء

إننا نعرب عن التأييد المتجدد للمبادرة العربية الخاصة بحل الأزمة الداخلية في لبنان، وعن تمنياتنا للشعب اللبناني الشقيق بتخطي أزمته، ونجدد هنا وباسم منظمة التحرير الفلسطينية تأكيد موقفنا الرافض لتوطين اللاجئين الفلسطينيين سواء في لبنان أو في أي دولة أخرى، مشددين على حل مشكلة اللاجئين وفق مبادرة السلام العربية.

السيد الرئيس

من فلسطين، من أرض الأقصى وقبة الصخرة وكنيستي المهد والقيامة، من الأرض التي شكلت محور الإجماع العربي، والتي تشكل قضية شعبها جوهر الأزمة ومفتاح السلام في منطقتنا وفي العالم، نحيي قادة أمتنا باسم شعبنا الصامد في الوطن والشتات، وأنا على ثقة أنكم ستتبنون القرارات الكفيلة بتأكيد مواصلة الدعم العربي السياسي والمادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، على طريق خلاصه الوطني وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وأخيرا أتقدم بالشكر الجزيل للسودان الشقيق لاستيعابه للاجئين الفلسطينيين الذين كانوا محتجزين على الحدود بالفترة الماضية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته