"تقصي الحقائق" تلتقي شاهر سعد وقادة الاتحاد العام للنقابات
نشر بتاريخ: 04/03/2020 ( آخر تحديث: 04/03/2020 الساعة: 10:47 )
رام الله- معا- التقت بعثة تقصي الحقائق الأممية المبتعثة من قبل منظمة العمل الدولية، والمعنية بفحص حالة العمال في الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وتوثيقها، شاهر سعد أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين، ونائبه راسم البياري وكوادر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، للاستماع منهم لملخص عن حالة العمل والعمال الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وترأس البعثة الحالية للعام الثالث على التوالي "فرانك هغمان –Frank Hagemann" نائب المدير الإقليمي، ومدير فريق العمل اللائق للدعم الفني للدول العربية للمنظمة في بيروت، بينما ضم فريق البعثة كل من (د. ستيفن كابسوس رئيس وحدة التحليل الإحصائي، وكاترين لانديوت، المختصة بالمعايير القانونية وكوستنتينوس باباداكس، خبير الحوار الاجتماعي، وليزا تورتل، خبيرة قانونية من قسم إدارة معايير العمل الدولية، ومنير قليبو، مدير مكتب منظمة العمل الدولية في فلسطين ورشا الشرفا، مسؤولة البرامج في مكتب القدس).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه البعثة تزور الأراضي العربية المحتلة عام 1967م (الضفة الغربية وغزة والجولان)، لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق العمال على أرض الواقع، وهي مكلفة بإعداد تقرير محايد عن الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في الأراضي المحتلة، وتقديمه لمدير عام منظمة العمل الدولية، وزيارات هذه البعثة متواصلة للأراضي العربية المحتلة منذ عام ١٩٧٨م من القرن الماضي.
وأثنى شاهر سعد على الدور المهم الذي يجب أن تلعبه منظمة العمل الدولية في توثيق وفضح الانتهاكات الإسرائيلية، والتزامها بمناصرة العمال الفلسطينيين والعاملات، كما قدم أمام البعثة عرضاً عاماً عن حالة العمال الفلسطينيين في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة.
أولاً – العمال الفلسطينيون في سوق العمل الإسرائيلي، نظرة عامة
على الرغم من المضايقات التي يتعرض لها العمال الفلسطينيون في سوق العمل الإسرائيلي، إلا أن أعدادهم في تزايد مستمر بسبب تزايد أعداد الباحثين عن عمل من الشباب والشابات وأرباب الأسر، وهو ما يتلاقى مع بحث أرباب العمل الإسرائيليون عن العمال الفلسطينيون، رغم إغراق الحكومة الإسرائيلية لسوق العمل الإسرائيلي بالعمالة الوافدة.
لكن أرباب العمل الإسرائيليون يفضلون العمال الفلسطينيون، لأنهم مهرة وأقل كلفةً من العمالة الوافدة، ويمتازون بالخبرة والكفاءة، ويتوائمون مع طقس المنطقة وطبيعة العمل، ولا يلتزم المشغلون بدفع رسومٍ للحكومة، أو التعهد بتوفير تأمينٍ صحيٍ لهم، أو دفع بدلات مختلفة وتوفير أماكن إقامة، بينما العمالة الوافدة من دولٍ بعيدةٍ كالصين وتايلند وأكرانيا والفلبين وأفريقيا، فهي مكلفة جداً وغير مستقرة، ويتحمل رب العمل الإسرائيلي كامل المسؤولية عنها، ولا يستطيع التخلص منها بسهولة في حال كانت رديئة أو عديمة المنفعة أو قليلة الخبرة والكفاءة.
كما يخضعون لقانون العمل الإسرائيلي، وترعى سفارات بلادهم حقوقهم وتدافع عنهم، الأمر الذي يجعلهم يتوجهون بقوةٍ نحو العمالة الفلسطينية القريبة، والأقل كلفةً والأكثر خبرةً وقدرةً وكفاءةً.
يعني ذلك، أن هذه الظروف التشغيلية وفرت مناخاً مناسباً لممارسة المزيد من الانتهاكات بحقهم العمال الفلسطينيين، واستفحال ظاهرة العمالة غير المنظة والمستلبة لحقوق ومكتسبات العمال.
تابع حديثه قائلاً: "لدينا في فلسطين 400000 عاطل عن العمل، معظمهم من الخريجين والخريجات؛ أي أن هناك 320000 أسرة فلسطينية تعيش تحت خط الفقر الوطني، وهذه حقيقة تقدم تفسيراً لبواعث ارتفاع عدد العاملين في إسرائيل والمستعمرات بنسبة 15% خلال الشهور الثلاثة الأولى من عام 2020م مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019م، ليصل إلى 128.8 ألف عامل وعاملة في إسرائيل".
وأوضح سعد للوفد الأممي بأن هذه الزيادة تعد واحدة من أدوات تحكم إسرائيل وهيمنتها على الاقتصاد الفسطيني، وجعله تابعاً لإقتصادها بالكلية، وهو الذي يعاني أصلاً من الضعف والهشاشة القصوى، ولا يستطيع الاستجابة لاحتياجات القوى الفلسطينية التي تطلب العمل، كما أن 95% من المنشئات الاقتصادية في الضفة وغزة فاقدة للقدرات التشغيلية الحقيقية، اخذين بعين الاعتبار أن العمال الذين يعملون في إسرائيل حالياً من الممكن أن يصبحوا عاطلون عن العمل في حال قررت إسرائيل إغلاق الحدود بوجوههم، ما سيتسبب برفع نسب البطالة في الضفة الغربية من 27% إلى 32%.
ثانياً - إصابات العمل القاتلة في سوق العمل الإسرائيلي
كما سعد أمام لجنة تقصي الحقائق، أن 66% من إصابات العمل في سوق العمل الإسرائيلي هي من نصيب الفلسطينيين، وهذا ناتج عن إزدواجية معاملة أرباب العمل الإسرائيليين لهم؛ التي تنحدر لدرك العنصرية والحط من كرامة الإنسان.
بما في ذلك تعريض سلامتهم الشخصية لخطر الإصابات القاتلة، داخل ورش العمل والمصانع والمعامل الإسرائيلية، بسبب عدم تزويدهم بمعدات ووسائل الصحة والسلامة المهنية وتشغيلهم في الأعمال الخطرة.
ما أدى إلى وفاة (48) عاملاً فلسطينياً في سوق العمل الإسرائيلي خلال عام 2019م، ما اعتبرناه سابقة مروعة في تاريخ العمل في فلسطين.
كما يتعرض العمال لانتهاك الانتقاص من حقوقهم الاجتماعية، وفي مقدمتها الحق في الحصول على التأمين الصحي، والأجر المتناسب مع جهدهم البدني والذهني والحصول على مكافأة نهاية الخدمة العادلة.
وهذا تصرف إجرامي مبيت ناتج عن عدم توفير وسائل ومستلزمات السلامة والصحة المهنية لعمالنا داخل ورش العمل والمصانع الإسرائيلية، وهذا مقطع يتصدر واجهة المشهد المأساوي لوضع العمال الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلي، وأصبح المتسبب الرئيس لتعاظم إصابات العمل القاتلة في صفوفهم؛ وهو نابعاً من تعمد أرباب العمل الإسرائيليين عدم الالتزام المسبق بشروط ووسائل الصحة والسلامة المهنية.
وتابع سعد حديثه قائلاً: " تدفعنا لاتهامهم علنا بقتل عمالنا وعاملاتنا عمداً وعلانا وفي رابعة النهار، وبدون خجل أو وجل أو ذرة من حياء، ضاربين بعرض الحائط كل العهود والمواثيق الدولية التي تحفظ للعامل حقه من رب عمله ومشغله، وهذا ما يجعلهم بنظرنا وبنظر عمال العالم قتلة ومجرمون يستحقون الملاحقة القانونية".
ثالثاً – سماسرة بيع التصاريح
وهم مجموعات إجرامية تتاجر بعلم ومعرفة الحكومة الإسرائيلية؛ بجهد العمال وبعرقهم، وازدهرت خارج نطاق القانون وخارج الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ومنها اتفاقية باريس الاقتصادية سيما المادة (37) منها، التي حددت مرجعية دخول وخروج العمال من وإلى إسرائيل بمكاتب الاستخدام الإسرائيلية والفلسطينية وليس سماسرة بيع التصاريح أو غيرهم، ومخالفة لاتفاقية العمل الدولية رقم (101) التي لا تجيز حصول العامل على فرصة عمل مقابل المال.
وهي محل ملاحقة من قبل الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، التي نتج عنها اتخاذ الحكومة الفلسطينية قراراً بملاحقتها بتاريخ 14 تشرين أول 2019م، وتم إلقاء القبض على العديد منهم، وهم الآن معروضون أمام القضاء الفلسطيني، وهذا يعني بأننا مطالبون بمواصلة العمل على هذه الجبهة.
ومن المعلوم أن سماسرة بيع تصاريح العمل، كونوا سوقاً جديداً لا يخضع للرقابة؛ لأنه خارج نطاق القانون، وهي سوق قذرةٌ غير نظيفة، يتم فيها استغلال وابتزاز وإخضاع وإذلال العمال، وهي سوقٌ مشتركةٌ بين منتفعين إسرائيليين وآخرين فلسطينيين، يقومون خلالها ببيع تصاريح العمل إلى من يطلبها من الفلسطينيين، مقابل مبلغٍ يتراوح بين 550-700 دولار شهرياً لكل تصريح عمل.
كما أن أرباب العمل الإسرائيليين المستفيدين من العمالة الفلسطينية غير بريئين من هذه الجريمة اللأخلاقية، فهم شركاءٌ مع السماسرة من الجانبين، وجزءٌ رئيسٌ من العملية القذرة، فهم يساهمون بتعاونهم مع السماسرة في تخفيض الأجور وشطب الحقوق، كما يلعبون دوراً في تحديد هوية العمال وأشخاصهم ومناطقهم، وفقاً لمنافعهم وحجم عوائدهم المتوقعة من تشغيلهم.
فقد أصدر بنك (إسرائيل) مع نهاية عام 2019م تقريراً عن ظاهرة بيع تصاريح العمالة، وأفاد بأن حجم العوائد التي حصل عليها العاملون في هذا السوق تجاوزت في العام 2019 مبلغ 35 مليون دولار، حصل عليها سماسرة إسرائيليون وفلسطينيون، وذكر التقرير أن هذه الآلية المتبعة تسببت في ظلم عشرات آلاف العمال الفلسطينيين، الذين حرم بعضهم من حق العمل، وأجبر آخرون على دفع بدلاتٍ شهرية لقاء تجديد تصاريحهم، حيث يضطرون للخضوع إلى شروط السماسرة المهينة.
رابعاً - الانتهاكات بحق النساء العاملات في المستعمرات
وتحدث عن هذا الموضوع عائشة حموضة سكرتير دائرة المرأة و"عماد عواجنه" أمين سر الاتحاد في محافظة أريحا، حيث بينوا للبعثة المزيد من التفاصيل حول ما تتعرض له العاملات الفلسطينيات في مستعمرات منطقة أريحا والأغوار، حيث يوجد في هذه المنطقة 38 مستعمرة مقامة فوق أراضي المواطنين، وفيها يتم تشغيل العاملات الفلسطينيات لساعات طويلة وغير متناسبة مع أجورهن، كما تطال التجاوزرات بحقهن ممارسات التحرش الجنسي وغير ذلك من ضروب المعاملة المهينة والحاطة من قدر الإنسان وقيمته.
ومن نافلة القول: التذكير بأن حاجة الأسر الفلسطينية للغذاء هي ما تدفع بالنساء إلى البحث عن عمل، حيث تشير الاحصائيات الفلسطينية - وفقاً لحموضة - إلى أن هناك 26000 عائلة فلسطينية تعيلها النساء، وهذا يؤشر على زيادة حصة النساء من القوى الفلسطينية العاملة، وارتفاع منسوب مشاركتها في سوق العمل، الأمر الذي دفع الاتحاد إلى تصميم رؤيا جديدة لتعديل قانون العمل الفلسطيني من منظور النوع الاجتماعي لزيادة فاعليته في التصدي للانتهاكات الواقعة على النساء في مواقع العمل.
الحد الأدنى للأجور
كما أوضح خالد عبد الهادي عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، وعضو اللجنة الوطنية للحد الأدنى للأجور، بأن الاتحاد يحاول من خلال فريق العمال العمل على رفع الحد الأدنى للأجور ليصبح 2470 شيكلا بدلاً من 1450 شيكلاً، مبيناً الصعوبات التي تعترض هذا الجهد في ضوء رفض أرباب العمل الذين يطالبون بربط تطبيق الحد الأدنى للأجور بمجموعة من الامتيازات الضريبية وغير ذلك من مطالب تعجيزية.
خامساً - رفع الحصار عن قطاع غزة
واستهل سعد حديثه عن قطاع غزة بالتحذير من إنطلاء المزاعم الإسرائيلية على العالم، التي تحاول ترويجها حكومة دولة الاحتلال العسكري الإسرائيلي حول منحها المزيد من التسهيلات الاقتصادية لسكان قطاع غزة، بما في ذلك تخفيف القيود المفروضة على حركة عبور السكان للحدود معها طلبا للعمل، أو توسيع منطقة الصيد البحري ومنح تسهيلات مماثلة لطالبي العلاج والتجار من أبناء قطاع غزة، معتبراً كل ذلك بأنه ينطوي على تظليل متعمد يستهدف التغطية على جرائمها وحصارها لقطاع غزة.
وأضاف متابعاً توضيحه لهذا الأمر بالقول: ندعو العالم إلى عدم تصديق المزاعم الإسرائيلية حول التسهيلات التي تقدمها لقطاع غزة، لأنها لا تسهم ولا بأي قدر في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يكابد ويلاتها شعبنا في قطاع غزة، وهي تسهيلات وهمية ولا انعكاساً حقيقياً لها على حياة المواطنين والحركة الإقتصادية في قطاع غزة المحاصر منذ 13 عاماً، والذي يعاني من أعلى معدلات البطالة والفقر عرفتها الإنسانية.
مضاف لذلك منعها لدخول السلع والبضائع المختلفة ومنها مواد البناء التى تعتبر المحرك الرئيسي للعجلة الاقتصادية، وإنعدام القدرة الشرائية وإنخفاض الواردات بنسبة تجاوزت 26% خلال الربع الأخير من عام 2019، وقد أسهمت هذه الظروف في تعميق التدهور العام ما دفع بمعدلات البطالة إلى مشارف الــ 52% أي أن هناك أكثر من 400.000 متعطل عن العمل، 69% منهم من الفئة العمرية الوقعة بين (20-29) عاماً، بينما تجاوزت معدلات الفقر حاجز 53% وأن 68% من سكان قطاع غزة يفتقرون للأمن الغذائي؛ وأن هناك مليون شخص يعيشون على مساعدات الاونروا والمؤسسات الإغاثية الدولية والعربية العاملة في قطاع غزة، مما يعني ذلك أن هناك 320000 أسرة فلسطينية تعيش تحت خط الفقر المدقع، وجميعها تعاني من تردي الخدمات الأساسية، بما فيها الرعاية الصحية وإمدادات المياه.
ودعا سعد في نهاية عرضه لهذه الجزئية، مؤسسات المجتمع الدولي إلى التوقف عن إطلاق التصريحات الجوفاء غير المجدية تجاه حصار غزة والعمل على إجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على رفع الحصار فعلياً عن قطاع غزة، ومواجهة الاستخفاف الإسرائيلي بالمنظومة الدولية ومؤسساتها وقراراتها، ووضع حد لخروجها على القانون الدولي ومواصلة تنفيذ مشروعها الاستيطاني الاحلالي.
وفي نهاية اللقاء طلب سعد من البعثة الأممية أن يكون تقريرها لهذا العام مختلفاً عن ما سبقه من تقارير، لأنه يمتلك الدافعيات الكافية لتطوير موقف منظمة العمل الدولية ونقله من طور التشخيص إلى طور الإدانة والملاحقة الدولية للجرائم الإسرائيلية بحق العمال، وتجاه الصيادين في بحر غزة الذين ضاقوا بالحصار والمحاصرين وبمساحة الصيد التي يتحركون داخلها ذرعاً.