نشر بتاريخ: 09/03/2020 ( آخر تحديث: 09/03/2020 الساعة: 13:21 )
بكل تقدير، يجدر التنويه بما جسدته الحكومة الفلسطينية برئاسة د. محمد اشتية بانتصارها للواقعية وللوضوح في تبني خطوات شاملة حيال مرسوم سيادة الرئيس محمود عباس حفظه الله للتعامل مع الأزمة الناشئة عن تهديد كورونا الذي بات تهديدا جديّا، وأول المطلوب بل وأهمه، -وهو ما عمدت إليه الحكومة-أخذ الأمور بأعلى درجات الجديّة، فالتوجيهات والخطوات التي تم الإعلان عنها استهدفت تحقيق أقصى درجات الوقاية، وهي تؤسس لجملة تدابير تستحق التعاطي معها بكل مسؤولية.
المسؤولية الآن مسؤولية كل فرد، والمبادرات الفردية هي التي تتيح بلورة وعي جماعي وسلوك مجتمعي ملتزم بمبادئ الصحة العامة؛ وصولا إلى إرساء منطلقات ثابتة من التعامل المرتقي لمستوى التحدّي، مع التأكيد على أن توجيهات وزارة الصحة بمثابة خارطة طريق.
الأزمة الراهنة فرصة لمراجعة وضبط إيقاع ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لا يُعقل مواصلة البعض التعامل مع الأمور من باب التندّر والتسلية، بل ووصل الحد بالبعض إلى مستوى بلورة إشاعات وأخبار مغلوطة، وهو ما يستوجب محاكمة كل منا ما يكتبه، خاصة وأن التوقيت توقيت حرج يلقي بظلاله على مكونات حياتنا كلها، صحيح أن كون بعض القضايا أحيانا نسبية يجعل من الممكن إخضاعها لنقاش، لكن حينما يرتبط الأمر بحقائق وتوجيهات صحية، فلا مجال للنقاش، وهذه الحقيقة للأسف تغيب عن بال كثيرين.
في هذا التوقيت المكتسي طابعا خاصا وجب التنبيه إلى أهمية ترك الإفتاء في أمور الاختصاص لأهل الاختصاص، وجميل أن تكون المرجعية في المعلومات هي المصادر الرسمية، والأجمل أن يغادر بعض مربع التركيز على خلل بسيط هنا وهناك لتكبيره، وفي الوقت ذاته تقزيم كثير من الإيجابيات، حان الوقت للتركيز على الشقّ الإيجابي بما من شأنه تعزيز الروح المعنوية، والتأطير لحالة مجتمعية تنتصر للإيجابي على حساب السلبي.
مطلوب الاعتدال، وفي الوقت الذي تبرز فيه أهمية نهج عدم تحميل الأمور فوق ما تحتمل، فإن الموضوعية تقتضي أيضا عدم تحميلها أقل مما تحتمل، هذا هو المطلوب، وهو ما يكفل تعزيز نهج التعامل بروح المسئولية مع ما يرتبط بحالة الوعي، وبالسلوك الكفيل بتجنيب المشهد حالة الضبابية.
المجال مفتوح في فضاء الفيس بوك المفتوح لتشارك بمعلومة أو بإرشاد، بدلا من الاجتهاد، وبدلا من المشاركة التي لا تحمل هدفا أو رسالة، وحتى تداول ما ينشره الآخرون دون مصدر يتنافى وأبسط معايير الموضوعية.
في زمن الكورونا؛ فليكن الرجوع فقط لوسائل الإعلام التي لا نشك لحظة في مصداقيتها، ومن خلالها وعبرها يمكن الإطلالة على الموقف الرسمي، وما عدا ذلك؛ إنما يعتبر جزءا لا يتجزأ من حالة عدم الشعور بالمسؤولية.
حذر دون تهويل، وتخوّف يجب ألا يبلغ حد الهلع...هذا ما يشكّل الأساس الذي يجب أن يحكم التعامل مع المشهد، وإذا ما تم تأصيل هذا النهج، فحينها تُحاكم الأمور بمنطق وعقلانية في توقيت يتطلب إعمال المنطق.
في هذا التوقيت، ومع التسليم بدور القطاع الخاص في المراحل كلها، إلا أن التأكيد على دور القطاع الخاص لإسناد الجهد الحكومي باعتباره مكوّنا رئيسا وأصيلا ضرورة، مع تثمين ما عبرت عنه المؤسسات الصحية في القطاع الخاص من موقف إيجابيحينما اجتمع بها دولة رئيس الوزراء، وهذا الموقف ليس مستغربا، ومعه رصدت مواقع التواصل الاجتماعي عديد المبادرات الإيجابية من المتطوعين؛ أطباء وممرضين ومؤسسات...فكلهم ممن يستحقون التحية.
في زمن الكورونا..... تستعيد فلسطين موروث" الفزعة"،و"العونة"، ويبقى الرهان على حالة الوعي الكبير لدى أبناء شعبنا، فهذه الحالة بارقة، وعلامة فارقة، وفي أوقات الشدّة يكتسي الوعي رونقا خاصا فوق رونقه الزاهي أصلا، فكيف إذا اقترن الوعي بالتكافل والمبادرة؟ حينها بالتأكيد سيكون لنا ما تسجيله في ذاكرة الأيام عن مواقف نبيلة تستحق أن تبقى حاضرة في دائرة الفعل.
حمى الله فلسطين وأهلها، وما أجمل أن نُرسي نهج: " الكل يستطيع".
نعم، الكل يستطيع، وبمقدور كل منا جعل سلوكه الفردي رافدا لحالة مجتمعيّة، يحكمها الوعي والالتزام، وبالتوفيق لكل جهد مندرج في إطار توفير متطلبات ما أعلنت عنه الحكومة من خطوات؛ لا يختلف اثنان على أن الموجّه الرئيس لها هو: الوطن والمواطن.... أولا.... وأخيرا.