انتهى الفصل الأول من موسم الأعياد وهتفت النساء بصوتٍ عالٍ كما كلّ عامٍ بالأمنيات في يومهن الثامن من آذار اليوم العالمي للمرأة وبعدها
انفض المحبين والمتعاطفين والأهم الكاذبين من حولنا بعد سيل من الودِ والمحبة وكلمات العرفان ونحن نراقب المشهد بكل تجلياته
وكالمعتاد عادت أحوالنا النسوية تؤرقنا وتتأرجح من جديد كما النار تحت الرماد في واقع ما زالت فيه النساء تُعنّف، تُقمع، تُغتصب وتُقتل بشتّى الوسائل مكبَّلة بإرث ثقيل من القيود إلى حدٍ جعل البعض يقول إن تاريخ المرأة هو فعلا تاريخ اضطهادها.
وفي تدقيق جندري لأهم التفاعلات كان لابد من الوقوف عند تصريحات دولة رئيس الوزراء الذي قال عنها في رسالة مسجلة بأنها الجذر الأقوى والأبقى وعاشت مراحل الكفاح نسمع منها وننصت لها ونسير معها نحو الحياة وقال بأنها المرأة الفلسطينية بيت القصيد وروح النشيد
واللافت من الحكومة موقفها الأخير الذي جسد المنطوق بالفعل حينما دعت بحساسية الى التعامل بمرونة عالية مع دوام الأمهات العاملات وأجور العاملين الذين لا يستطيعون الوصول الى عملهم
حتى نتحلى بالدقة لم نعرف بعد التجارب الحقيقية إلى الأمهات تحديداً وكيف كانت عملية الدمج وكيف تعامل الوزراء مع هذا التوجه وما طبق على أرض الواقع وإلى أي مدي ساعد الأمهات والآباء في تبادل أدوارهم هناك قطع متفرقة من المشهد ، أم أحضرت طفلها إلى العمل وتركته ينام على مكتبها وتعميم واضح من وزير التنمية الاجتماعية وكان جازم وواضحة الإجراءات بحيث لا تترك إلى التأويل أو إلى مزاجية المدراء في كل المحافظات.
وحتى نكون أكثر فهم نحتاج الى قراءة معمقة تدرس فيها وزارة المرأة أو أي باحثين في قضايا النوع الاجتماعي حول آليات التطبيق والدمج لتوجهات الحكومة والعدد الذي استفاد منها وما هي التدابير التي تم طرحها وما الدور الذي ساهمت به الأسرة وقياس عدد أيام الإجازات لكلا من الأب والأم.
وهناك بجانب القلب الرئة اليسرى للوطن يعاني قطاع غزة من حالة عدم الاكتراث من حكومة الأمر الواقع، موقف مكابر وعنيد وإجراءات متأخرة والدليل دعوتهم الى مليونية يوم الأرض ومهرجان مركزي ليوم الجريح وسط تحذيرات من عدوى "الكورونا"؟ هذا لا يصنف إلا تعالى ومجافة للمخاوف الحقيقية ستدفع ثمنها بالدرجة الأولى النساء والأطفال كلنا أمل من بعض الحريصين لدفعهم عن التراجع ونأمل من الناس والجماهير عدم تلبية دعوتهم إلا في حال الإعلان عن الانفراج النهائي للفيروس
يلاحظ هذا العام من النسويات والمؤسسات النسوية ولعل الأجواء السياسية وأزمة كورونا جعلت الصوت خافت وغير حاد وغلب على البيانات الرسمية من الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والأطر السياسية تغليب السياسي على النسوي والشمولية في المطالب دون تظهير واضح لأهم مطلب لهذا اليوم وهو اصدار قانون حماية الأسرة من العنف ونشر اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في الجريدة الرسمية والمضي قدما في خطواتها والإيفاء بالتزاماتها اتجاه تطبيق الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين كان يجدر ألا يغيب في كل الرسائل الرسمية والأهلية والشخصية في الثامن من آذار حتى لا يحدث لبس أو تأويلات حول ما نريد وما نحن عليه
أما على المستوي العربي فكانت رسالة أمنا المعلمة الأولي الدكتورة نوال السعداوي الكاتبة والطبيبة المفكرة والناشطة النسوية التي دخلت قائمة التايم الـ100 امرأة الأكثر تأثيرًا على مدى الـ100 عام الماضية في مجلة التايم التي همست للنساء بكلمة السر للسعادة الذاتية من الكون هي بالاستغناء واستمرار المقاومة حتى النفس الأخير وأعادت في مقالتها الأسبوعية التي نشرت في المصري اليوم قائلة بأن
معنى السعادة أصبحت أن أفعل بنفسي كل الأشياء التي اعتقدت أنها مستحيلة، وأن وقوعي على الأرض ليس معناه ألا أحلم بلمس السماء، أو أن ارتطام رأسي بالجدار لا يعنى بالضرورة أن أفقد الوعي وأذهب في غيبوبة. تعلمت أن ساقي المكسورة ليس معناه انكسار قلبي.
السلامة والسكينة والمحبة نتمناها الى أمنا ومعلمتنا الأولي نوال السعداوي التي علمتنا عن جنسنا وكيف نتعرف على هويتنا الجندرية والجنسية كي نحكى حكايا الوجع ونكشف المستور ونعري الفكر الذكوري الطبقي الأبوي والعقلية الاستبدادية
السلام والسكينة والمحبة هدايانا لك في الثامن من آذار يا ملهمتنا الأولى.