نشر بتاريخ: 15/03/2020 ( آخر تحديث: 16/03/2020 الساعة: 09:27 )
لا شك ان فايروس كوفيت 19 قد تسبب للعالم ولنا كفلسطيين حالة من الارباك، حيث تعطلت كافة مناحي الحياة وفقدت انتظامها وروتينها اليومي، ومن بين القطاعات التي تاثرت بهذه الحالة قطاع التعليم بما فيه من مدارس وجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وقد تفاعل بعض الطلبة مع قرار اغلاق الجامعات بالرغم من كونه اجراء وقائي بطريقة شابها الانزعاج والتوتر والقلق خصوصا اؤلاءك المتوقع تخرجهم الفصل الحالي ربيع 2020، ولدى الذين اعتادوا على اللقاء وجه لوجه مع اصدقائهم كل صباح ومع معلميهم في المحاضرات حيث يمارس الحوار والفكر الناقد وتتم عملية التعليم والتعلم، والذين يعتبرون ان هذا التفاعل اليومي يشكل مكونا اساسيا ومهما من حياتهم ففيه فرصة التفريغ والترفيه الوحيده وفرصة للتفاعل الاجتماعي، والذي زاد انزعاج البعض منهم ايضا اعتماد التعليم الرقمي كبديل للتعليم المنتظم خلال فترة الطواريء الحالية، فالتعليم الرقمي او الكتروني هو نظام تعليم عن بعد يستخدم العديد من البرامج الرقمية وبواسطة الانترنت والتي تتيح فرصة للطلبة والمعلمين اجراء المحاضرة والمناقشة والتحليل والنقد كما المحاضرات المعتادة ولكن دون فرصة التواجد وجها لوجه. وفي هذا السياق نناقش هل تحقق هذه الاستراتيجية اهداف ومخرجات التعليم المرجوه؟ وكيف تعاطى معها معلمين وطلبة الجامعات؟ وهل تم تبينها دون سابق تخطيط ام انها استندت الى تجارب سابقة استعملت فيها بدائل لنظام التعليم المعتاد في حالة طواريء وازمات مشابه؟
في البداية لا بد من الاشارة الى انه يسجل لجامعة بيت لحم فضل السبق والريادة في المبادرة لتطبيق نظام بديل للتعليم وهو التعليم الرقمي، حيث ان التجربة الاولى بدات في عام 2006 ، حيث حصلت على اعتماد وزارة التربية والتعليم العالي لاربعة برامج دبلوم مهني تنتهج التعليم المختلط (الذي يجمع بين التعليم المنتطم والتعليم الرقمي) ، مما اعطى مرونة أكبر في للتدريب وسمح بتخطي معيقات كالوقت والمسافة. وخلال الازمة الحالية اثناء انتشار فايروس كورونا عام 2020 ، اعتمدت الجامعة بالكامل على التعليم الرقمي ليحل محل التعليم المنتظم والمحاضرات وجها لوجه، وبالتالي فان تبني هذا المنهاج لم ياتي دفعة واحدة ودون سابق تحضير او تهيأة بل هو جزء لا يتجزء من السياسية الاكاديمية المتبعة في الجامعة منذ سنوات مما سهل عملية الانتقال والاعتماد الكلي عليه عند الحاجة.
ان التجربة الحالية لاعتماد نظام تعليم غير تقليدي جاءت ايضا مستندة الى تجربة اخرى تختلف في ظرفها وسياقها ولكنها تتشابه كونها اتت كمحاولة للحول دون تعطيل او انقطاع العملية التعليمية، حيث اتت تلك التجربة منعا لتمرير قرارات الاحتلال الاسرائيلي في حينه باغلاق مؤسسات التعليم العالي في عام 1987 اثناء انتفاضة الحجارة، ونحن كمعلمين جامعيين حاليا غالبيتنا هم ممن عايشوا تلك التجربة حيث كنا طلبة في ذلك الحين وكان حضور المحاضرات شكل من اشكال الصمود، واصبح كسر قرار الاغلاق شكل من اشكال المقاومة، فتهرب الطلبة عبر الحواجز العسكرية، وفتحت ابواب مؤسسات التاهيل والمستشفيات والكنائس والاديرة والمساجد ابوابها لاستعمالها كقاعات محاضرات لطلبة الجامعات بما فيهم نحن كطلبة جامعة بيت لحم.
الا ان التجربة الحالية تاتي في سياق انتشار وباء فايروس كورونا، حيث اتخذ قرار اغلاق جميع مؤسسات التعليم والتعليم العالي بهدف الحماية والوقاية من انتشار الوباء والحفاظ على حياة الطلبة والمعلمين والعاملين في الجامعات، ولاحقا لقرار الاغلاق تم البدء بالتعليم من خلال استخدام الانترنت ببرامجه المختلفة مما من شأنه ان يحد من قلق الطلبة على مستقبلهم الاكاديمي، ومن التوتر الناتج عن انفصالهم فيزيائيا عن محيطهم الجامعي واسهم في اخراج الطلبة من مناخ سلبي ومن موقع المترقب الى دور الفاعل النشط والمتحكم في مجريات يومه، بل واعطى فرصة للتقدم نحو المستقبل وانهاء المسيرة الاكاديمية للعديد من الطلبة.
بالرغم من كل ما يعطيه التعليم الرقمي من فرص واهمها الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي قدر الامكان، وعدم تعطيل المسيرة التعليمية الا ان وجهات النظر حوله قد تباينت سواء من الطلبة او المعلمين ، اما اللذين ابدوا تايدهم في استخدامه كاستراتيجية فعالة فقد اكدوا ان التعليم الالكتروني يعني استمرار الحياة، ويشير احد الطلبة حول ما يراه في التعليم الرقمي "وهو احد الطرق الفعاله للتعامل مع الاوضاع التي نعيشها،بالرغم من عدم وجود تجارب سابقة لنا في هذا النوع من التعليم الا انني ارى بان نمط التعليم هذا يجب ان يتم تضمينه في التعليم المنتظم ليشكل جزء كبيرا منه ،فهو ايضا يجعلنا قادرين على التعامل ازمات مستقبلية ومن مصادر اخرى عدا الفيروس"، واشار اخرون من الذين يروا ان التعليم الرقمي يعطي فرصة لاستثمار الوقت بطريقة ايجابية وعدم الاستسلام لليأس والحزن ، وذهب اخرون لاعتبارها وسيلة لتوفير الوقت والجهد وهي يمكن ان تحل تماما محل التعليم المنتظم في واقعنا المتنوع الازمات واوصوا باستمراره الى ما بعد انتهاء حالة الطواريء، في حين اشار اخرون ان هذا النوع من التعليم مناسب لمساقات دون الاخرى فالمساقات التي تتطلب التدريب الميداني والتطبيق في المحاضرات يعتبر التعليم الرقمي مضيعة للوقت، واشار اخرين لصعوبات تقنية متعلقة بهذا النمط من التعليم ومنها عدم امتلاك بعض الطلبة كمبيوتر،عدم توفر انترنت في مكان سكن بعض الطلبة، وضعف الانترنت احيانا وغيرها من المعيقات المتعلقة بالاوضاع الاسرية والمعيشية لعدد من الطلبة. في حين اشار اخرين ان الانتقال المفاجئ للتعليم الالكتروني وعن بعد خلق لدينا حالة من الارتباك فنحن غير معتادين والمعلمين ايضا مما شكل ازعاج لنا خصوصا في اول محاضرات طبقت فيها هذه الاستراتيجية". كما واختلفت وجهات نظر المعلمين ايضا حيث اشار البعض ان التعليم الرقمي له متطلبات اعلى من التعليم المنتظم وهو يقع في غالبيته على عاتق المعلمين، واشار اخرون انه من الصعب العمل في البيت مع تواجد الاطفال وباقي الاسرة اللذين هم ايضا يعانون من قلق ومخاوف متعددة المصادر احدها الخوف من اصابة احدهم بالوباء، بينما اشار اخرون ان التعليم الرقمي يسهم في رفع الروح المعنوية للطلبة والمعلمين على حد سواء"، كما اننا نحافظ على اتصالنا بطلبتنا الذين هم في حاجة ماسه لنا سواء من الناحية الاكاديمية او الانسانية، نحن نموذج لطلبتنا وهم يتاثرون بقدرتنا على التهدئة من روعهم".
الخلاصة، ان العلم نقيض الجهل، والعمل نقيض العجز والاستسلام، ونحن كمجتمع وكمؤسسات وخصوصا مؤسسات التعليم العالي فان دورنا تعزيز صمود المجتمع في ظل الازمات والطوارىء، وتهيئة جيل من الخريجين المنتمين الذين يحملون المسؤولية اتجاه مجتمعهم، ويشكلون نواة قادته المستقبليين، وبالتالي فانه يقع على عاتقنا اتخاذ قرارات تدعم مسيرة طلبتنا نحو المستقبل لذا كان لا بد من اعتماد التعليم الرقمي في هذه المرحله كبديل للتعليم المنتظم ما دام يحقق اهدافه ومخرجات التعلم المتوقعة من المساقات ومن عملية التعليم.