نشر بتاريخ: 23/03/2020 ( آخر تحديث: 23/03/2020 الساعة: 22:28 )
الكاتب : عدنان رمضان
كورونا الملك الذي توج نفسه على الملوك والرؤساء والائمة والوعاظ وعلى البشرية كافة في كافة انحاء الكرة الارضية ولم تقف امامه اعتى القوى العالمية بكل ما تملك من اسلحة وجيوش اقتحم الحدود ولحصون والقلاع دون ان يميز فقيرا عن غني أو جنس عن اخر أو عرق عن عرق مشهورين أو مجهولين معتمدا على نشر الرعب والخوف والهلع فهرب الناس فرادى يبحثون ملاذ بعيدا عن الاخرين ،فالجماعات ثغرة كبيرة في استراتيجيات الحماية ،حظر للتجوال في ارجاء المعمورة تعكس عجز البشرية امام كائن بمنتهى الصغر -فيروس - المليارات من البشر يلتزمون البيوت وامل الناس ينصب على مقاومين من نوع جديد والذين يقفون على خط المواجهة ال أول وهذه المرة جيوش بالرداء الابيض ليست ادوات العنف المختلفة والمعتادة بل العلماء وفدائيي الاجهزة الطبية اطباء/ات وممرضين/ات وعاملي/ات مختبرات الذي ينظر الجميع اليهم بعين والامل واخبار لقاح يعيد لهم بعض من الامان المنشود
الصورة الان والخبر الذي يكاد ان يكون وحيدا ومتكررا هو خبر الكورونا وضحايا الفيروس ومصابيه صور المدن الكبرى وشوارعها الفارغة كما في افلام الخيال العلمي الشاحنات العسكرية التي تنقل الموتى للحرق سباق الناس في الاسواق على اقتناء الاساسيات والتي اختلطت مع ورق التواليت والاسلحة التي ستحميهم من اخوهم الانسان ومن جهة اخرى وبطولات الناس العاديين في كل المدن والاحياء من جنود ونشطاء واعلاميين في مظهر يذكر بطبيعة الانسان الطيبة التي ارد الجشعون تغييبها
بشر زائدون عن الحاجة هذا احد الشعارات التي رفعتها الراسمالية المتوحشة اي البقاء لمن هم مهمين لدائرة ربح راس المال المتوحش وهذا بطيعة الحال يستثني نسبة كبيرة من البشر مثل كبار السن الذين يعتمدون على انظمة الضمان الاجتماعي والعاطلين عن العمل والمرضى والفقراء الذين لا يساهمون في تنشيط سوق العمل فحتى تكون صالحا يجب ان ترتفع من وتيرة الاستهلاك بمقدار ما تستهلك لك فلك الحق في الوجود وغير ذلك فانت زائد عن الحاجة فتم احتكار المجال العام ووجهت ماكنات الاعلام الضخمة لخدمة اغراض حكومات العالم الحقيقية نشرت مفاهيمها حول الحياة وعززت توجهات وقيم تخدم مصالحها اشعلت الحروب وادت بملايين البشر وشردت عشرات الاضعاف ولوثت البيئة وانهكت الكرة الارضية واطلقت من يرددون شعارات الحرية وحق الانسان والقضاء على الفقر في محافل دولية أوجدتها منزوعة الاسنان لتخدر بها الام االبشرية
كما يعلمنا التاريخ فان الطبيعة لا تقبل العبث بها دون ردود ففي صراعها الدائم مع الانسان العابث المخرب ستطلق اسلحتها لتذكر الانسان ان وظيفته اعمار الكون لا تخريبه ، الجائحات الكبرى هي احد اسلحتها التي اجبرت الانسان ان يعيد ترتيب اموره نحو مزيد من التوازن وازالة الاختلالات التي يسببها حكم الحفنة الجشعة التي تتحكم في مقدرات وموارد البشرية مستهترة في الضعفاء ومتمادية في غلوائها منتجة من تحالف الدولة الليبرالية مع الشعبوية وراسا لمال المتوحش نماذج من الجنون امثال الفيروس الامريكي ترامب - من لم يمت بالكورونا كان سيموت لسبب اخر هذه ردة فعلة الصادقة أو واصدقائه جونسون هيئوا انفسكم لفقدان احبائكم أو بولسانارو البرازيل
عندما يتسبب الجشع الراسمالي بازمات وحروب وجائحات فان الذي يدفع الثمن هم الفقراء بارواحهم واموالهم ، قد تتباطأ مراكمة الارباح لدى الراسمال لكنها تعود من جديد وان اقتضى الامر باشكال جديدة هذا ما اثبته التاريخ البعيد و القريب وما نشاهد باعيننا منذ عقود بل منذ سنوات وكان قد اخبرنا عنه الانبياء والفلاسفة الكبار عندم كتبوا و أوضحوا قبل قرنين عن الازمة العامة للراسمالية كمتلازمة لا ينتج عنها سوى الويلات والحروب ومزيد من الافقار فالطمع والجشع والتوحش بمقدار ما هو عدو الطبيعة هو عدو الفقراء ايضا
الان تدخل البشرية مرحلة اسماها البعض "مرحلة (نظام اللانظام ) الذي تصاحبه الفوضى عند الانهيار أو اعادة تشكيل النظام " فنشهد دولا كبرى تبحث عن خلاصها الفردي وتتسابق لتحمي مصالح فئات ضيقة متنكرة للقيم الإنسانية وتصبح الأدوات الطبية الواقية مجالا للتنافس والصراع والسرقة ايضا وتعود الدول لتعيد الاعتبار لحدودها الوطنية من باب الانانية واستعراض السيطرة وبالرغم من الازمة في بداياتها فهي تطيح بالمنظومات الدولية وتترنح الاحلاف امامها وتتصارع بعض ولايات امبراطورية العالم امريكا فيما بينها الازمة لا زالت في بداياتها والخوف من المرض والجوع ينقل الناس ؟؟؟
الركود الاقتصادي العالمي أصبح شبه مؤكد، وربما بمعدلات قياسية. كما تقول الامم المتحدة على لسان رجالاتها ومؤسساتها فالعالم يمكن أن يخسروا ما يصل إلى 3.4 تريليون دولار من الدخل بحلول نهاية 2020، هذه تقديرات المتفائلين وحسب ال أونكتاد مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية فان انتشار الفيروس قد تسبب في في خسارة 2 تريليون $ من الدخل العام والخسائر حتى اللحظة تج أوزت 220 مليار وان عشرات الملايين سيفقدون عملهم
من الجدير ذكره ان الن من اهم المطالبات التي وجهتها الامم المتحدة ومؤسساتها للشعوب هو تشكيل شبكات التضامن الاجتماعي ووجهوا اللوم لبعض الدول الفقيرة خاصة في اسيا وافريقيا على عدم وجود هذه الشبكات وهم بذلك يوجهون الاتهام للفقراء ويضعون عليهم مسؤوليات انتشار المرض بشكل أو باخر
ن باب التذكير فان الشركات الراسمالية هي ربحية ولا تقوم على اساس تامين حاجات الناس بل على الربح ومزيد من الربح والنظام الليبرالي المتوحش وبالرغم من ادعائه محاربة الاحتكار الا ان ممارساته تكفل له الهيمنة والسيطرة على الاسواق وتدخل الاجراءات الحماية وفقا لمصالح هذه الشركات هذه الشركات التي لا زالت تسيطر على الاعلام ووصول المعلومة وشكلها وتسيطر على البنوك واسواق المال وشركات التامين والاتصالات والمواصلات والتقنيات والطاقة وصناعة الادوية والصناعات الكبرى من سفن وطائرات و سيارات وادوات كهربائية ومواد غذائية واحتكار البذور الزراعية ومراكز الابحاث الكبرى وتهيمن على الحكومات والجامعات بمعنى تتحكم في حياة غالبية البشرية
ما العمل الان
الحديث عن عالم جديد قد يكون سابقا ل أوانه الان فهموم الناس تتركز فيما يداهمها وما توجهه على ابواب منازلها المرض والفقر والخوف من الجوع والموت لكنهم ايضا ملزمون بالبحث عن اليات تكيف وحلول هذه هي طبيعة البشر ومن ابجديات مواجهة الازمة هو انفكاك الناس قدر المستطاع عن هذه المنظومات ورفع مستوى قدرة الافراد على البقاء منعزلين ما امكنهم ولو لوقت قصير الا انه يرسل رسائل قوية عن قدرة هذه الاليات على التحول لاستراتيجيات بقاء والبدء في بناء منظومات جديدة تعكس هموم البشر وقادرة على الاستجابة للتحديات من المهم أيضا البحث في التداعيات الاقتصادية وأثرها على المنظومات السياسية والأمنية في العالم وقدرة هذه المنظومات على تقديم اداء أفضل،
الراسمالية المتوحشة ومنظوماتها لا زالت هي المهيمنة ولن تعترك الميدان هكذا والمعركة معها لن تكون سهلة ستستخدم كل ادواتها للعودة من جديد لسابق عهدها حتى ولو بشكل جديد ولمواجهتها لا بد م البدء باجراءات جريئة تتعلق بتوزيع الثروات والمقدرات وتسخيرها في صالح الناس جميعا
عالم جديد هو في طور التشكل والخطر بمقدار ما هو كوني فإنه أيضا يعزز الفردانية وفرصة ليعيد إلى المجتمعات بعضا من الاعتبارات الإنسانية والتشاركية والتع أون واعادة الاعتبار للعلوم في خدمة الإنسانية واحتياجاتها وما يرتبط مع ذلك من اقيم وانظمة حكم بدلا من انظمة الهيمنة والتمييز التي احولت الانسان إلى حيوان المستهلك
عطينا ازمة انتشار الفيروس دروسا قاسية واجبارية وباثمان مرتفعة عن ضرورة اعادة ترتيب أولويات البشر فانتشار الفيروس والوباء الذي يذكر الناس الان بضعفهم وعدم استعدادهم ولا جاهزيتهم وان لا جدوى من الاسلحة التي تكدست بعد ان استنفذت امكانياتهم وثرواتهم وجريمة الانظمة التي اهملت صحة الانسان الا بمقدار ما تحققه من ارباح وهو الان يعاني من عدم القدرة على توفير الدواء وادوات العلاج الجائحة بمقدار ما هي مؤلمة فانها فرصة لعالم أكثر توازن بدلا من عالم يحكمه الجنون والجشع
والدول العربية ليست بمعزل عن هذه التحولات وقد تكون هذه الجائحة فرصة لبعض من التوازن في منطقتنا العربية فلماذا تستمر الحرب على اليمن ولماذا يبقى الليبيين اسرى التناحر السلطوي بين تيارات سياسية أوجدها النظام الدولي المهتريء ولماذا تبقى غزة محاصرة ومهددة والصومال جائعة اسئلة كانت مطروحة منذ وقت لكن الفرصة سانحة الان لايجاد تيار قوي عابر للدول القطرية وفاعل لايقاف هذه الحروب العبثية ولماذا يتم الابقاء على المناضلين ومعتقلي الراي مقهورين خلف قضبان الاسر
لماذا لا يتم العمل على انشاء الصندوق العربي لمواجهة التداعيات الاقتصادية للفيروس براسمال لا يقل عن 150 مليار دولار ويصرف منه حسب نسبة عدد السكان وقدرة الدولة على الانتاج الغذائي وقيم الشراء في البلد المعني أو باليات شفافة وعادلة يحددها الخبراء ،وايضا انشاء صناديق وطنية تجمع ما تخصصة الحكومات و اموال المتبرعين ومساهمات الاثرياء أو الاقتطاعات من الاثرياء واموال الزكاة لمجابهة تحديات الكورونا وتداعياتها خاصة على الفقراء والعاطلين عن العمل
لماذا لا يتم الاسراع في التع أون لانشاء مركز ابحاث عربي قد يكون قادرا على المساهمة في ايجاد علاج فعال ولماذا لا يتم تنسيق العمل لانتاج المستلزمات الطبية اللازمة أو على الاقل شرائها وتوزيعها بعدالة حسب احتياجات المجتمعات العربية
لماذا لا يتم انتزاع مساحة للعلماء والمفكرين في القرارات المتخذة بشان حياة الناس ومستقبلها ويعطى دور للجامعات لانتاج علماء ومفكرين وعدم اقتصارها على انتاج ما تطلبه اسواق الجشعين
لماذا لا يتم الان تشجيع استصلاح الزراعة والانتاج الغذائي على كافة المستويات الافراد يستطيعوا العمل في الحقول واعتماد الاقتصاد المنزلي لمن يستطيع
يظن العض ان البشرية بعد هذه الجائحة ستتعلم دروسا مهمة عن اهمية التواضع وللتضامن وتغيير ال أولويات السياسية وغير ذلك من الامنيات الجميلة التي يسقطونها على التداعيات ولكن في الحقيقة هذا لن يتم الا عبر النضال وعبر العمل الجاد لانتزاع و اعادة الاعتبار للناس الافراد والمجموعات ليكون لهم دورا في اتخاذ القرار وهذا ما لن تمنحه منظمات الحكم للناس لكن جزء كبير من سلبية الناس تجاه عمليات التغيير ناتج عن فقدان الامل لكن مع الازمات والمحن الكبرى تنشا فرص التاثير والتغيير ومرة اخرى ولن تكون الامكانيات المحدودة للشعوب الفقيرة والصغيرة كافية لمواجهة التحديات بمعزل عن محيطنا العربي فالعالم يعيش تحولات على اكثر من مستوى وقد تكون مرحلة جديدة من عمر البشرية في طور التشكل وبوحي من معكرتنا مع الكورونا اين سيكون مكاننا في هذا العالم قيد التشكل ان اردنا ان يكون لنا مكان .