في غزة .. السياقة مهنة من لا مهنة له ..جامعيون يزاحمون سائقي الأجرة عملهم ويفترشون الأرض في انتظار نصيبهم من السولار
نشر بتاريخ: 08/04/2008 ( آخر تحديث: 08/04/2008 الساعة: 19:37 )
غزة - معا- كتب موسى أبو كرش- " يقطعكوا في هالبلد ما في حدا قلبه على حدا، وما في حدا عارف حدوده وين"؟
بهذه العبارة أخذ السائق الشاب سامي يهذي والدموع تنهمر من عينيه بعد أن اكتشف أن أكثر من عشر سيارات ممن كن وراءه في الطابور أمام أحد محطات البترول في شارع الجلاء وسط مدينة غزة قد أصحبوا أمامه بعد أن عاد من قضاء حاجته ومضى يقول "شوية وينطوا من فوقنا الله يزيل هالمهنة واليوم الذي اضطرنا للعمل فيها.."
أن تعمل سائقا في غزة فعليك أن تكون مدججا بالصبر، ووفق التعبير القرآني أن "تصبر وتصابر" حتى يجعل الله لك مخرجا، وتحصل على وظيفة تغنيك عن سوء الحال وذل السؤال ومناكفة النسوان والانتظار في طابور طويل مرير للحصول على عشرين لترا من السولار تضمن لك العمل يوما آخر في هذا البلد المنكود المبتلى بالحصار والصغار ومحدثي النعمة.
يقول محمد الحاصل على الشهادة الجامعية منذ سبعة أعوام : " كما ترى أعمل على هذه السيارة منذ ثلاث سنوات لأساعد والدي الذي حال ضعف بصره بينه وبين مواصلة مهنته، يطرق محمد قليلا ويمضي يقول :لقد طرقت كل الأبواب واستنفذت كل معارفي للحصول على وظيفة في التربية والتعليم ولكن هيهات الوظائف تعرف طريقها هذه الأيام لمن لا يستحقونها، أو على الأقل لمن يمكنهم تدبير أمورهم بدونها، أما نحن فلنا الله، وعلينا أن نتفاوض مع كل زبون لتحديد الجهة والاتفاق مع كل راكب على الأجر، فضيق الحال يدفع بالنساء وطلاب المدارس لمفاوضتنا على نصف شيقل، والمشكلة أننا نقدر ظروف الناس ونرحمهم ولكن الناس لا تقدر عملنا ولا ترحمنا".
ويقول خالد الحاصل على البكالوريوس في الرياضيات: "هذه المهنة هي آخر ما كنت أفكر به أو على الأقل لم تكن تخطر على بالي في يوم من الأيام، ولكن ضيق الحال دفعني لأن أجلس وراء هذا المقود على هذه "الكركوبة" لألقط نصيبي، فوالدي سامحه الله وقد وجد حظي في العمل عاثرا قرر تزويجي "لعل الحظ يبتسم لي" وهكذا وجدتني، وبعد خمس سنوات من التخرج والمرمطة في الشوارع وأمام المؤسسات أبيع مصاغ زوجتي واقترض المال لاشتري هذه السيارة التي تأكل أكثر من نصف دخلي اليومي للتصليح والنصف الآخر نتقاسمه سويا للسولار ومصروف البيت.
ويؤكد خالد وهو ينظر الى أحدى الكازيات: ينتابني الرعب كلما نظرت الى هذا الطابور أمام محطات بيع الوقود لأنه يذكرني باستمرار بأن هناك ليلة أو ليلتين على أن أقضيهما كل أسبوع أمام هذه الكازيات للحصول على حصة كركوبتي من السولار، يصمت خالد فجأة ويدير نابض مسجله ويدندن أغنيته المفضلة مع وديع الصافي، يا ليل الصبر يا مصبر دموع العين.. أنا ملاح ومش عارف طريقي فين".
بجانب أحد الكازيات افترش السائق حامد بطانيته الى جانب عدد من السائقين بانتظار أن يصلهم الدور ويحصلون على نصيبهم من البترول، بعد أن تقاسموا نصيبهم من الفول المدمس والحمص وفحول البصل..يقول حامد الخريج الجامعي: أيضا الحمد لله فقد ملأنا أمعاءنا وإن شاء الله نملأ خزانات سياراتنا ولكن بعد أن نمضي الليل هنا ونتعرض للبرد ولدغات البعوض الذي يطلب دمنا ويعلق ساخرا يا الله حتى الحشرات تطلب دمنا، ألهذا الحد أصبح دمنا لذيذا؟، ويضيف نحن أحسن حظا من غيرنا من هؤلاء الخريجين الذين يعملون في تنظيف الشوارع ويخفون وجوههم بطاقياتهم خوف أن يتعرف عليهم المارة.
السياقة في غزة أضحت مهنة من لا مهنة لهم ولهذا أصبح يعمل فيها جيش من الخريجين وفاقدي العمل داخل الخط الأخضر، كما يقول أبو أحمد : المهم أن تحصل على سيارة مهما كان موديلها وسنة انتاجها وتتكل على الله وتجري على الخط حتى بدون رخصة وتصير سواقا أما نحن الذين امتهنا هذه المهنة منذ عشرات السنين فقد بتنا على الرف وأصبح عيشنا ضيقا بعد أن زاحمنا الآخرون لقمة عيشنا وجاء الحصار ليزيد الطين بلة، فصار وقتنا موزعا بين الانتظار الممل على المحطات والكراجات وأحيانا الانتظار في البيوت لحين وصول البترول، وإذا ما استمر الحصار ربما نضطر لبيع سياراتنا بالمزاد والجلوس على قارعات الطرق لاستجداء عيشنا.