الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

خلال يوم دراسي في جنين متخصصون: فقر الدم وسوء التغذية واضطرابات ما بعد الصدمة تهدد أمن الطفولة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 14/04/2008 ( آخر تحديث: 14/04/2008 الساعة: 18:22 )
جنين - معا - حث متخصصون في مجال الصحة العامة والصحة النفسية، على الشروع الفوري بتبني سياسة صحية شاملة، تستهدف إنقاذ الأطفال من أمراض سوء التغذية وفقر الدم، بالتوازي مع الاهتمام بالصحة النفسية، وبخاصة في ظل الصدمات المتلاحقة التي عاشها الأطفال.

وقالت ميسون أبو زينة منسقة مشروع جنين في جمعية أرض الأطفال، إن نتائج الدراسات والأبحاث الميدانية التي نفذتها الجمعية في المحافظة، على صعيد مرض فقر الدم لا تبشر بالخير، إذ إن النسبة تجاوزت الخمسين في المائة في بعض التجمعات.

فيما أكد الأخصائي النفسي جمال دغلس مشرف مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب في جنين، أن خلاصات الأبحاث والمتابعات الميدانية التي أجراها المركز على أطفال من المحافظة، وتمحورت حول التأثيرات النفسية لآثار ما بعد الصدمة، وانعكاساتها على الطفولة، رسمت مشهداً قاتماً لهؤلاء يستوجب التغيير.

وأستعرض أبو زينة ودغلس خلال حلقة دراسية نظمتها وزارة الإعلام في جنين والإغاثة الدولية بالتعاون مع مركز شارك الشباب بعنوان "صحة أطفال محافظة جنين: الواقع والانعكاسات" العديد من القضايا الهامة التي تمس الأطفال.

واستهلت الورشة بكلمة عبد الباسط خلف، من وزارة الإعلام قال فيها: في بلادنا المصابة بالاحتلال، تتكاثر الأسئلة حول علاقة الصحة التي يتمتع بها أطفالنا، سواء الجسمية أو النفسية وما يتصل بها، ومدى انعكاسات الجانب الصحي على حياة أطفالنا اليومية.

وقدم خلف أرقاما لمناسبة يومي الطفل الفلسطيني والصحة العالمي، أشارت إلى أن 945 طفلاً فلسطينياً سقطوا خلال انتفاضة الأقصى، فيما تسرق قضبان الاحتلال حرية 327 طفلاً إلى يومنا هذا، في وقت فقدت محافظة جنين 74 طفلاً منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أيلول 2000.

واستعرضت ميسون أبو زينة أسباب الإصابة بفقر الدم عند الأطفال والتي تتمثل في نقص الحديد ،المكون الرئيسي لكريات الدم الحمراء، كما أو نوعا. إلى جانب الإصابة بالديدان و الطفيليات المعوية ، وفقدان كميات من الدم لأي سبب. إضافة إلى ممارسة عادات تغذوية غير صحية، بجوارأسباب وراثية (الثلاسيميا و فقر الدم المنجلي)، وأمراض مزمنة تؤدي إلى سوء امتصاص الفيتامينات و المواد الغذائية.

وتطرقت إلى أثر فقر الدم على النمو الجسدي و الذهني للطفل، وما يسببه من ضعف العام و ضعف في الشهية، وتدني القدرة على مقاومة الأمراض ، والإصابة بالالتهابات الفموية، والهيجان العصبي و التوتر، وانخفاض القدرة على التركيز و التذكر ما يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي.

وأشارت الأخصائية الاجتماعية أبو زينة إلى تأثير الأطعمة الجاهزة و المسليات الصناعية على صحة الطفل، وفي مقدمتها زيادة الوزن، وتسوس الأسنان وهشاشة العظام، وفقر الدم ، والنشاط و الحركة الزائدة، وأمراض الكلى بسبب الأملاح الزائدة، وأمراض السرطان لتعرضها لحرارة عالية و ملونات و منكهات صناعية.

وتطرقت إلى دور الرضاعة الطبيعية في النمو الذهني و الجسدي و النفسي عند الأطفال، إذ إنها يمنح الطفل مناعة من الأمراض المختلفة و أهمها الاسهالات والتهابات الجهاز التنفسي و الالتهابات المعوية، وتقوي الذكاء و الفطنة ساعد على تقوية الرابط العاطفي بين الأم و الطفل .

وقالت أبو زينة إن 10 أطفال من بين كل 100 طفل تقل أعمارهم عن 5 سنوات يعانون من قصر القامة المزمن أو الحاد، بارتفاع قدره 3.0% خلال الفترة ما بين 2004-2006، فيما بلغت هذه النسبة 7.9% في الضفة الغربية مقابل 12.4% في قطاع غزة.

فيما يعاني 13,741طفلا نقصاً في الوزن أي بنسبة %2.9، وتعد محافظة أريحا والأغوار في الضفة الغربية صاحبة أعلى معدل (6.4%)، فيما تعتلى محافظة شمال غزة رأس الهرم بمعدل (3.7%) في قطاع غزة .

وذكرت أن 38,818 من الأطفال كانت أوزانهم أقل من المعدل الطبيعي وقت ولادتهم (7.3%) ،واحتلت محافظاتي الخليل وخانيونس أعلى النسب بين هؤلاء الأطفال بواقع (9.2% و8.4%). وقالت : إن الدراسة التي تبنتها جامعة القدس بالتعاون مع جامعة جون هوبكنز الأميركية وبطلب من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بينت أن نسبة الإصابة بفقر الدم بالأراضي الفلسطينية بلغت مستويات خطيرة وصلت إلى 50%، وهو ما ينعكس سلبا على مستوى النمو الذهني والتحصيل العلمي للمصابين.

واستعرضت أبو زينة أرقاماً خاصة بمحافظة جنين، أكدت أن العام 2002 حمل لأطفال جنين 1023 حالة أجرت جمعيتها فحصاً عليهم من بين مراجعيها، فيما ارتفع الرقم إلى 1067 في العام التالين أما عام 2005 فشهد 656 حالة فقر دم، وفي العام التالي وصل العدد 1010، يليه 1016 طفلاً.

واختتمت بالإشارة إلى نتائج فحصوصات أجرتها الجمعية في بلدات المحافظة، إذ بلغت نسبة الإصابة في المدينة44.8 في المائة، مقابل53.2 في عرابة، وانخفضت إلى23.3 في كفرذان، أما في يعبد فانخفضت النسبة إلى 18.5 في المائة، وارتفعت إلى 65 في قرية فقوعة، وفاقت السبعين في المائة في قرية المطلة.

واستهل جمال دغلس بالقول: حين يتعرض أي طفل لخطر فإنه يحتمي بأمه أو أبيه أو يلوذ بالفرار نحو بيته ليجد فيه الأمان، أما في حالة الطفل الفلسطيني فلا يوجد مصدر للحماية ولا يوجد ملاذ آمن فالأب والأم حياتهما مستباحة والبيت حرمته منتهكة، وقوات الشرطة الفلسطينية مطاردة. أي أن الطفل الفلسطيني حين يداهمه الخطر فإنه يفتقد إلى أي غطاء للأمان ويفتقد إلى الحماية والرعاية بل قد يواجه الصواريخ والدبابات والمدافع والرشاشات بجسد عارٍ تماماً من وسائل الحماية. وهذا وضع متفرد لا يكاد يوجد مثيله في العالم كله، إذن فنحن أمام خبرات صادمة وأخطار هائلة وهذه الخبرات مستمرة ومتصاعدة ومفرطة وغير إنسانية وغير منطقية، يتعرض لها أطفال صغار يفتقدون للمأوى والملاذ والحماية، وهذا يجعلنا نقترب من الصورة الكارثية للحالة النفسية لهؤلاء الأطفال.

وقدم الاخصائي النفسي دغلس تعريفاً باضطراب "كرب" ما بعد الصدمة، وقال: إن السمة المرضية (Psychopathology) الأساسية في هذا الاضطراب هي"الذاكرة الصدمية" (Traumatic Memory) وهذا ينعكس في أعراض نفسية محددة وردت في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للأمراض النفسية (DSM IV 1994) ، وهي تعرض الشخص لحادث صدمي (أذوي)، و إعادة معايشة الحدث الصدمي بطريقة أو بأخرى من الطرق.إلى جانب التفادي المستمر لأي مثيرات مرتبطة بالحدث إضافة إلى خدر عام في الاستجابات، عدا عن أعراض زيادة الاستثارة بشكل دائم.

وتابع: في الأطفال ربما لا نلاحظ عملية استعادة الحدث بالشكل المألوف لدى الكبار، وإنما نتحدث عن عملية تمثيل الحدث أثناء اللعب، أو نجد أحلاما مفزعة لا يستطيع الطفل ذكر محتواها.

وعدد تصنيفات اضطراب ما بعد الصدمة، الحاد والمزمن والمتأخر، إلى جانب ردود الفعل التي تبدو في سلوك الأطفال على المدى القريب والبعيد. قائلاً: إن الصدمة تحدث عادة في الأفكار وليس السلوك، موضحاً أشكال اضطرابات ما بعد الصدمة عند الأطفال، كالنوم والقلق والخوف ورفض الذهاب إلى المدرسة والخوف من بعض الأماكن المرتبطة بأحداث معينة، واضطرابات السلوك والرغبة في الانسحاب وتأثير التحصيل العلمي سلباً وقلة الكلام.

وأضاف: هذه الأشكال كلها تعاملنا معها، ونحاول جاهدين الإسهام في علاجها، ووقف معاناة الأطفال الذين يدفعون الثمن الباهظ لها.

وقسّم دغلس مراحل العـــلاج المختلفة اللازمة لاضطراب كرب ما بعد الصدمة، مشيراً إلى الصعوبات الموجودة في المجتمع الفلسطيني، والتي ربما تعوق الكثير من هذه الوسائل العلاجية في النهاية، ونقترح بعض الحلول المتاحة للتغلب على هذه الصعوبات ،أو بعضها، كلما أمكن ذلك.

وقال: هناك احتياجات لازمة للعلاج كاستعادة الأمان، واستعادة القدرة على التعامل مع عواقب الحدث الصادم، و استعادة شبكة الدعم والمساندة، وإمكانية استيعاب الخبرة الصادمة.

كما تطرق إلى العلاج الدوائي والنفسي و الاجتماعي والديني والدولي والبرامج التدريبية و العون الإلكتروني، والعلاج الإنساني.

وتطرق إلى حالات يشرف عليها مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب في محافظة جنين، قائلاً: المصيبة أن أطفالاً تجتمع فوقهم مصادر متعددة للصدمة، كفقد الأب واعتقال الأخ وتفكك الروابط الأسيرة، ما يشوه طفولتهم.

وأضاف: نحاول أخراج الأطفال من الجو الذي يعيشون فيه، ونوفر عدة إجراءات كالمتابعة الميدانية، وتوفير غرف التفريغ والألعاب، وإقامة المخيمات الصيفية المتخصصة لذوي ضحايا التعذيب، لكننا نكتشف في كل يوم أن الفجوة كبيرة، وأن الطفولة الفلسطينية بحاجة إلى غرفة إنعاش.

وناقش الحاضرون من مؤسسات تربوية ومتخصصة بالعمل مع الأطفال، عدة محاور هامة أجمعت كلها على ضرورة البدء الفوري بحملة لإنقاذ أمن الطفولة الفلسطينية التي تتفوق في أهميتها على أمن الوطن.