عودة الغارات الوهمية: رعب وخوف طوال ساعات المساء وتمنيات برحيل الطائرات من سماء قطاع غزة
نشر بتاريخ: 25/10/2005 ( آخر تحديث: 25/10/2005 الساعة: 10:10 )
غزة- معا- مجددا تعود الغارات الوهمية إلى سماء غزة بعد فراق لم يدم سوى أيام قليلة للتخلص من ذلك الشبح الذي طالما أرعب الأطفال والنساء والرجال في قطاع غزة وخاصة في شماله أمس، في عودة لم يترقبها أهالي القطاع من جديد.
واستمراراً لنهج العقاب الجماعي والتخويف وبث الرعب في نفوس أهالي قطاع غزة، عادت الطائرات الإسرائيلية لتصدر أصواتها المرعبة في خرقها لجدار الصوت وتفريغ الهواء في كل وقت ودون موعد وبشكل فجائي، حيث يفيد أحد الأطباء بغزة أن ذلك يؤدي إلى تقطع فجائي للأنسجة وتوقف لبعض الأعضاء الداخلية كالبنكرياس والكبد والأمعاء جراء شفط الهواء من المنطقة المحيطة بالأشخاص ومن ثم ضخه بشكل فجائي ومكثف على ذات المنطقة.
وبالأمس عادت الطائرات "لتعلن عن موعد الإفطار ولتوقظ الأهالي لوقت السحور"، وقالت "ام نضال" من بيت حانون لـ "معا" إن أطفالها لم يستطيعوا النوم طوال ساعات الليل وبعضهم ينتابه خوف شديد وتشنجات مستمرة.
فيما قالت أم محمد:" نشعر أن الانسحاب الإسرائيلي وهمي وإن كان حقيقياً فلم يعاود الاحتلال إرعاب أطفالنا والحقيقية أنهم غادروا المستوطنات خوفاً على مستوطنيهم وأطفالهم لا أكثر".
وعندما أقدمت قوات الاحتلال على هذا الأسلوب الجديد بعد انسحابها مباشرة من قطاع غزة كان لـ "معا" عدد من اللقاءات مع طالبات المدارس اللواتي تحدثن عن معاناتهن الخاصة أثناء الغارات الوهمية.
فعائشة النزلي طالبة في الثانوية العامة في مدرسة الجليل الثانوية بمدينة غزة تفكر حقاً بعدم المغفرة للاحتلال الذي أفقدها وعيها ثلاث مرات متتالية، فلم يعد هناك بنظرها بيت آمن ولا مدرسة ولا طريق، وتقول إنها عانت من فقدان الوعي مرتين بالمدرسة، ولم تشعر إلا بارتفاع في درجة حرارة جسدها وخاصة في ساقيها، وعدم وضوح بالرؤية، عدا عن فقدان المقدرة على التركيز والاستيعاب السريع لما يدور في الحصة الدراسية، مشددة أنها ستكمل دراستها ولن تسمح لطائرات الاحتلال بزعزعة ثقتها بقدرتها على النجاح في الثانوية العامة.
أما دانية النخالة الطالبة في الصف الحادي عشر في مدرسة احمد شوقي الثانوية فتؤكد أنها تصبح فاقدة للقدرة على الوقوف في حال حلقت طائرات الاحتلال في سماء غزة، مشيرة إلى أن شعورها هذا بالخوف والقلق يتزايد بوجه خاص إذا كانت خارج المنزل في المدرسة أو الطريق، حيث تفتقد إلى حضن الأم التي اعتادت الهرع إليها فور انطلاق الطائرة في سماء المدينة.
أما نور القططي الطالبة في مدرسة أحمد شوقي الثانوية للبنات فقد شعرت بأن قلبها اخذ بالارتجاف في صدرها، ولم تعد قدماها قادرة على حملها عدا عن صداع مؤلم في رأسها، ورغبة في الصراخ لم تطاوعها أحبالها الصوتية وفقدانها التركيز على التعبير عنه.
فتشابهت لديهن المشاعر لدرجة ان الخوف شمل كافة الجسد، فإحداهن اضطرت "للطيران" حول المدرسة وفي ساحاتها حتى تبلغ مأمناً لها، وثانية أقعدها الصوت المرعب وجعل الصراخ منها شيئاً مألوفاً فكادت الهستيريا تبلغ مداها حتى أصبحت حقن الأعصاب لا تكفي لتقعد الألم والارتجاف بالقلب والساقين، وأخرى فقدت إحساسها بالمحيط وغابت عن الوعي.
هذه بعض الصور التي استطاعت "معا" أن تصل لها في بعض مدارس قطاع غزة الذي تعرض قبيل بدء شهر رمضان بأيام قليلة وبشكل شبه يومي للغارات الوهمية والتحليق المروحي المكثف، وكأن حرباً على وشك التصاعد، فلا أحد يعلم كيف يستيقظ في الصباح ويواصل مهامه اليومية، او يسير مسافة مترين بتركيز ووعي كاملين.
أما الطالبة إحسان حمدان فتؤكد أنها فور سماعها للصوت الرهيب الذي تطلقه الطائرة فيما يسمى تفريغ الهواء، تشعر بتجمد في قدميها ويديها وتكاد تجن من فرط الصوت الذي يكاد يخرق أذنيها، مشيرة إلى موقف مضحك في ذات المرات عندما انطلق صوت التفريغ فتجمدت ملتصقة بطاولة الدراسة، في نفس الوقت الذي التصق فيها مدرس الفصل، سائلاً إياها هل هذه الطاولة لك أم لي، فأجابته بأنها لها، فشعر بالإحراج وانطلق ملتصقاً بطاولته.
وهذا ما أكدته وكيل عام مساعد المحافظات الجنوبية في وزارة التربية والتعليم العالي زينب الوزير التي قالت في تصريحات لأ "معا" أن الأسلوب الجديد الذي يستعمله الاحتلال الإسرائيلي في إرهاب المواطنين وخاصة الأطفال والطلبة لم يكن يعتمده بشكل نهائي أثناء تواجد المستوطنين وأبنائهم في قطاع غزة، حيث تقول:" يبدو أن الاحتلال استفرد بشكل كامل بأطفال القطاع، صحيح أن هناك قصفاً عنيفاً كان قبل الانسحاب، إلا أن أسلوبه الجديد في التفريغ الهوائي ذو الصوت المرتفع جداً لم يكن يعتمده قط خوفاً على ما يبدو على صحة وسلامة المستوطنين وأبنائهم" مضيفة بأنها بشكل شخصي تشعر بقلق كبير في حين تؤكد ان الشارع الفلسطيني وخاصة الطلبة والأطفال أصبحوا يهيئون أنفسهم مترقبين للغارة القادمة ويحسبون لها بالساعات والدقائق كي يفوتوا على الاحتلال فرص إرعابهم.
وأشارت الوزير إلى ان الوزارة فقدت كافة نوافذها الزجاجية التي ارتجت بشكل عنيف بفعل الصوت المرعب، عدا عن انطلاق صراخ المدرسة المجاورة فور سماع هذه الغارات، مؤكدة على أن دور المدرسين والمدرسات يظهر في مثل هذا الحالات منوهة إلى أنها رغم شعورها بالخوف تحاول احتضان أطفالها وإشعارهم بأن الصوت بعيد وغير مخيف ولن ينال من عزيمتهم.
ويطال الخوف الجميع حتى أن مديرة مدرسة أحمد شوقي أكدت بأنها لم تعد قادرة على القيام بمهامها وواجباتها المنزلية نظراً لقلة قسط النوم والإرهاق الجسدي والفكري والعصبي الذي ينتابها ليل نهار، فيما تفرض عليها واجباتها الوظيفية الحضور إلى المدرسة في وقت مبكر لتباشر عملها، مؤكدة على وجوب النظر بوجه خاص لمعاناة الطلبة والمدرسين ومحاولة وضع حد لهذا الرعب المتمثل في حرمان الأطفال من النوم.