البحث الامريكي عن انتصارات فارغة في العراق يدفع لقتل المدنيين واعتبارهم متمردين
نشر بتاريخ: 25/10/2005 ( آخر تحديث: 25/10/2005 الساعة: 12:41 )
ترجمة معا - من خلال لهفتها في البحث عن نجاحات مفقودة وغير موجودة في العراق، أعادت القيادة العسكرية النظر في سياستها السابقة, الرافضة والمتمنعة عن نشر الخسائر في الأرواح في الجانب العراقي، وبدأت بنشر هذه الأرقام بشكل دوري وذلك لإظهار تأثير بعض العمليات العسكرية الأميركية ضد "المتمردين"هناك.
إن عملية التعداد للقتلى في الجانب الآخر، اعتبرت ممارسة غير ذي مصداقية ومسيئة خلال حرب فيتنام، وهي كذلك لا يبدو أنها اتية من خلال توجيهات رسمية من البنتاغون.
المتحدث العسكري في واشنطن كما في بغداد قالا أنهما لم يتلقيا توجيهات مكتوبة في هذا الصدد، وما هي الظروف التي يمكن في ظلها التصريح بتلك الأرقام أو ما هي الخطوات التي يجب إتباعها للتأكد من دقتها وصدقيتها.
وعوضاً عن ذلك فقد قاما بمحاولة لتوصيف الكيفية التي تمت بها هذه العملية خلال السنة الماضية, حيث قالا أنه كان يسمح باعلان مجمل عن اعداد الضحايا.
على كل حال، فإن الغرض مما كان يسمح بنشره, هو أن يجري تنسيقه مع بعض الهجمات الرئيسية, والتي يتم خلالها قتل عدد كبير من" الأعداء" أو تلك التي تكون عمليات ذات مدى زمني طويل قد يمتد أياماً وأحياناً أسابيع، ففي يوم السبت على سبيل المثال, قالت القوات العسكرية الأميركية في العراق , أنها قامت بأسر أحد "المتمردين" , بينما استطاعت قتل 20 آخرين خلال الغارات التي قامت بها تلك القوات , على خمسة من البيوت التي يشتبه أنها تأوي عدداً من المقاتلين الأجانب في إحدى القرى القريبة من الحدود السورية مع العراق , قبل ذلك بستة أيام قامت فرقة المارينز الثانية بنشر بيان يقول , أن ما يقارب 70 من "المتمردين" قتلوا في منطقة الرمادي نتيجة للغارات التي قامت بها الطائرات المقاتلات والمروحيات.
هذا البيان الذي نشر في السادس عشر من " اكتوبر" تشرين الأول , يعكس الارباك الذي قد يترافق مع اصدار هكذا بيانات تتعلق بارقام بعينها، لقد تم تفنيد هذا الرقم وانكاره من قبل شهود العيان مباشرة بعد إصداره، وقال هؤلاء أن هنالك العديد ممن قتلوا لم يكونوا من " المتمردين" وإنما مدنيين عزل بما في ذلك أطفال ونساء.
العديد من المسؤولين العسكريين وكبار المسؤولين المدنيين في وزارة الدفاع يعبرون عن القلق بصورة غير معلنة, ويعتقدون أن الأمور ربما تكون قد ذهبت الى ما هو أبعد مما هو متوقع بهذا الصدد , خاصة وان الأرقام بدأت تتوالى ليس فقط من العراق وانما من أفغانستان كذلك، كما أنهم بدأوا بالتساؤل عن مدى فاعلية الكشف عن هذه الأرقام في نزاعات بدى أن" العدو" استطاع فيها من زج أناس جدد في المعارك, كتعويض عن كل أولئك الذين يتم قتلهم وبسرعة غير عادية, كما ان القادة بدأوا بالأقرار أنهم لا يستطيعوا بأي شكل من الأشكال أن يقدورا الأرقام أو حجم قوة " الأعداء".
بالرغم من ذلك، فإنه لم يتم مراجعة هذا الإجراء بشكل رسمي , وذلك استناداً الى ناطقين رسميين في كل من وزارة الدفاع وبغداد، وقد دافع كبار المسؤولين في وزارة الدفاع ممن يساهموا في رسم السياسات الاستراتيجية للوزارة عن هذا الإجراء , معتبرين أن نشر بعض الأرقام لإعداد القتلى من "الطرف المعادي " يعتبرذو أهمية فائقة أحياناً.
يقول البريغادير جنرال دونالد الستون ، مدير العلاقات والاتصالات بقيادة الجيش الأميريكي في بغداد , " يتم استعمال بعض الأرقام بشكل دوري لاعطاء دلالات وبراهين معينة وللمساعدة في تنظيم بعض المهام والاشتباكات" ويضيف الستون، " إلا أنه لا يوجد خطة معينة لنشر هكذا أرقام بشكل منتظم أو دوري".
خلال حرب فيتنام، أصبح تعداد أرقام القتلى في صفوف الأعداء سمة مميزة في البيانات العسكرية وذلك من أجل التدليل على مدى التقدم الحاصل، لكن الاحصائيات أظهرت أن ذلك لم يكن له تأثير يذكر على مجرى الحرب، الضغط الذي مورس على الوحدات الاميركية لإصدار تعداد بأرقام عالية في قتلى العدو قاد الى تضخيم غير عادي في البيانات، وهذا ما أدى الى تلاشي مصداقية " البنتاغون" وزارة الدفاع.
" في فيتنام، اتبعنا استراتيجية " الانهاك" وبدت عملية اصدار أو تعداد اعداد القتلى في صفوف العدو مقياس لأداء الوحدات العسكرية " , يقول كونراد كرين مدير معهد التاريخ العسكري في كلية الجيش الأميركي الحربية، ويضيف " إلا أن الارقام أصبحت من التضخيم مما أثر على روحية المهنة" . لقد دفعت تجربة فيتنام القادة العسكريين الأميركيين الى تجنب إصدار بيانات بإعداد القتلى من الأعداء في النزاعات اللاحقة.
وزير الدفاع دونالد رمسفيلد قال في نوفمبر 2003"" نحن لا نقوم بتعداد قتلى الآخرين " حتى لو زاد عدد قتلى" العدو" عنه لدى القوات الاميركية.
يبدو أن هذه السياسة قد تغيرت مع الهجوم على معقل " المتمردين" في الفلوجة في نوفمبر الماضي، تلك العملية التي اعتبرت حاسمة من أجل منع توفير ملاذ آمن لمقاتلي " العدو" في حينه , وقد قال الجيش الاميركي أنه تم القضاء على 1200 الى 1600 مقاتل , برغم أن المراسلين الميدانيين اشاروا الى أن قوات المارينز لم تجد سوى اعداد أقل من ذلك بعد توقف العمليات القتالية , الموجة العارمة من الأعمال المعادية هذا العام أدت الى زيادة ملحوظة في الهجمات " القاسية" والعدوانية من قبل القوات الاميركية والجيش العراقي مما أدى الى زيادة في البيانات العسكرية الاميركية التي تتضمن تعداداً لأرقام القتلى في صفوف " الاعداء" .
لقد أسهم بعض القادة رفيعي المستوى في هذا التوجه، ففي كانون الثاني من هذا العام قال الجنرال جورج كيسي، لقد قتلت القوات الأميركية والعراقيه أو أسرت، 15000 شخص في العام المنصرم، وفي أيار الماضي نوه الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان المشتركة الى مقتل 250 من اتباع ابو مصعب الزرقاوي , في إشارة للتدليل على تقدم الأوضاع في العراق.
وزارة الدفاع الأميركية " البنتاغون" تقول , أن سياستها لا تزال تتسم بمحاولة تجنب نشر تعداد الأرقام في صفوف القتلى من "ا الأعداء" , لكن القيادة العسكرية الاميركية في بغداد لا تزال تحتفظ بالأرقام وبطريقة مفندة ومصنفة .
وتوجد لدى القادة الميدانيين الصلاحية الكاملة لنشر اعداد القتلى من "الأعداء " خاصة فيما يتعلق بالاشتباكات المعزولة، يقول مسؤولون كبار، وذلك من أجل مواجهة الدعايات والرويج غير الصحيحة، ولنقل الحجم الحقيقي والفاعلية لبعض العمليات العسكرية للقوات الاميركية.
" من أجل القيام بعمليات مميزة، فإن ذلك يعتبر مقياساً للمساعدة في نقل التصور بشكل أفضل" يقول بريان وايتمان من المتحدثين باسم البنتاغون، أن نشر هذه الأرقام يساعد في رفع المعنويات بين صفوف القوات الأميركية , ويسهم بزيادة الثقة في صفوفها، " إن خططهم ورشاشاتهم تعمل بشكل جيد" يقول العقيد في المارينز ديفيد لابان المتحدث باسم قوات المارينز العاملة في غرب العراق.
يقول لابان في رسالة الكترونية له" أنه لا يوجد حدود أو ضوابط معينة لتقرير متى يتم الاعلان عن الأعداد من القتلى في صفوف " العدو" وأن مثل هذه القرارات يتم التعامل معها على أساس كل حالة على حدة وبعيداً عن أي حالة أخرى".
ويضيف لابان, أن الأرقام يتم اشتقاقها من التقديرات الأولية لاعداد المقاتلين" الأعداء" في موقع مستهدف , وهذا ما يفسر أن بعض الأرقام يتم نشرها مباشرة بعد عملية الهجوم لابان يقول كذلك" أن التحسن في عمليات المراقبة وتقنيات الاستهداف سمحت لنا بالوصول الى التحديد الدقيق لأعداد الإصابات التي نحققها في بعض الأحيان" .
إلا أن بعض المتخصصين في شؤون الدفاع مثل كونراد كرين " مدير معهد التاريخ" يحذروا من أن التعداد لأرقام القتلى في صفوف " الأعداء" في كل من العراق وأفغانستان تميل الى عدم الدقة , ومحل تساؤل فيما يتعلق بآثارها وفاعليتها.
إن الطبيعة الضبابية للصراع، يجعل من الصعب تحديد من هو " المتمرد" في أحيان كثيرة، أو المجرم، أو المدني البريء، ويقول كرين، " أن هناك مشكلة حقيقية في تحديد من هو " المتمرد" كما كان عليه الحال في فيتنام".
واشنطن بوست
برادلي غراهام