200 ألف عامل بلا مصدر رزق- عمال غزة بين ضنك العيش وحلم توفير فرص عمل في ظل الحصار
نشر بتاريخ: 23/04/2008 ( آخر تحديث: 23/04/2008 الساعة: 14:52 )
غزة- معا- يعاني العمال الفلسطينيون، كغيرهم من فئات الشعب الفلسطيني, من سياسة تشديد الحصار المفروض على قطاع غزة منذ منتصف شهر حزيران 2007, حيث دفن الحصار الكثير من أحلام العمال الفلسطينيين في العيش بكرامة وتوفير لقمة العيش التي تسد رمق عائلاتهم وأطفالهم, ليعيشوا في وضع اقتصادي صعب لا يجدوا فيه أدنى متطلبات الحياة.
وفي ظل واقع أزمة الحصار التي يواجهها المواطن الفلسطيني, تشير الإحصاءات الاقتصادية أن ما يقارب 200 ألف عامل فلسطيني في غزة عاطل عن العمل نتيجة إغلاق المعابر التي أثر على توقف عمل المصانع, وحرمان هؤلاء العمال من أعمالهم.
معاناة عامل.
عائلة العامل الفلسطيني حامد عبد الرحمن الكحلوت من سكان بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة, والمكونة من 8 أفراد بما فيهم والدته المريضة, تعيش كباقي العائلات الفلسطينية معاناة ضنك العيش نتيجة فقدانه عمله بسبب الحصار الإسرائيلي.
وكان الكحلوت يعمل نجارا في منجرة داخل المنطقة الصناعية "إيرز" شمال القطاع, وبعد إغلاق المعبر, لجأ إلى العمل في منجرة داخل القطاع, ولكن بفعل الحصار وإغلاق المعابر الذي منعت من إدخال المواد الخام والأخشاب, أصبح بلا عمل, ليعيش فصول المعاناة في توفير لقمة العيش لأطفاله وأسرته.
وبوجهه الشاحب الذي يروي معاناة الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به:" كنت أعمل نجارا, وكنت أحصل كل شهر على مبلغ من المال يكفيني أنا وعائلتي, وكانت فترة ذهبية في حياتي, حيث كنت أشعر خلالها بأنني رب أسرة حقيقي، فعندما أعود إلى البيت مع غروب الشمس محمل بالحاجيات والأطعمة والألعاب، وأجد أطفالي ينتظرونني بابتسامة عريضة".
وأضاف:" لكن الآن أمر بأسوأ فترة بحياتي أنا وعائلتي, لقد أصبحت غير قادر على توفير المصروف اليومي لأطفالي وهم ذاهبون إلى المدرسة, وذلك بسبب إغلاق كافة ورش النجارة لعدم وجود الأخشاب والأدوات اللازمة للعمل".
ولم تُخفِ زوجة الكحلوت المعاناة التي يواجهونها, حيث قالت:" نحن نمر بمعاناة لا يعلم بها إلا الله, تمر علينا أيام ولا يكون لدينا الطعام, ويبكي أطفالي قائلين: متى ترجع الفترة التي كان يعمل بها أبي ويأتي لنا بالمال؟, و يضطر أبنائي الذهاب إلى المدرسة مشيا على الأقدام, وبدون مصروف يومي, لعدم توفره مع والدهم".
ولعل دموع الطفلة أسيل 12 عاما ابنة المواطن الكحلوت خير دليل على معاناتهم, حيث قالت وهي تبكي:" نحن نعيش في وضع صعب, لا يوجد شيء لدينا, ولا يوجد مصروف لي أنا وأخوتي للمدرسة, وأرى زميلاتي في المدرسة معهم الحاجات والسندوتشات, وأنا ما في معي".
وأضافت بحرقة:" نحن لا نريد مساعدات غذائية, ولا نريد كابونة, نحن نريد أن تغيثوا أطفال غزة, وعمال غزة, نريد كسر الحصار وفتح المعابر حتى يتمكن أبي من العمل, وتوفير كل ما نحتاج".
حال عائلة العامل الكحلوت هذه, هي نموذج لحال الآلاف من عمال قطاع غزة المتعطلين عن العمل منذ عدة أشهر, حيث بسبب سياسة تشديد الحصار, الذي حرمهم مصدر رزقهم, ليحرم عائلاتهم وأطفالهم من أدنى احتياجاتهم.
تضرر الاقتصاد الفلسطيني
من جهته, أكد الخبير في الشئون الاقتصادية الفلسطينية عمر شعبان أن الضربة الأكثر سوءا وقسوة على العمال الفلسطينيين, هي سياسة تشديد الحصار المفروض على القطاع منذ منتصف حزيران 2007, وقال :" منذ أن فرض الحصار على القطاع, وبدأت سياسة تشديده على المواطنين, تضرر العمال بشكل كبير, وبدأ حالهم يزداد سوءا, وأوصدت أبواب الرزق أمامهم, وحرموا من أماكن عملهم, خاصة بعد أن أغلقت المصانع والشركات, وأغلقت المعابر أمام المواد الخام والضرورية.
وأضاف:" وبفعل تشديد الحصار منع إدخال المواد الخام والأساسية اللازمة للتشغيل والبناء, ونتج عن ذلك توقف 4 آلاف مؤسسة إنشائية خدمية للقطاع الخاص والمصانع والشركات, وتسبب ذلك بتوقف مشاريع الإسكان والإعمار والمشاريع التنموية.
وأشار شعبان إلى أن إغلاق المصانع بفعل الحصار زاد من نسبة العمال العاطلين عن العمل, حيث أصبح ما يقارب 80 ألف عامل كان يعملوا في المصانع والمؤسسات الإنشائية والخدمية في قطاع غزة, وهذا العدد يضاف إلى ما يقارب 120 ألف عامل كانوا يعملوا داخل الخط الأخضر "إسرائيل".
وأوضح أن الطبقة العمالية الفلسطينية في قطاع غزة أكثر الطبقات تضررا ومعاناة من الاحتلال والحصار الإسرائيلي, مشيرا إلى أن العامل يشعر دائما بمرارة نظرا لعدم اهتمام القوى السياسية لهم بشكل كبير.
وقال الخبير الاقتصادي :" على الرغم من أن العمال يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع الفلسطيني, إلا أنهم أقل الفئات اهتماما من الجهات الرسمية الحكومية, وهي غير منتظمة في منظومة كبيرة تدافع عنها, وتطالب بحقوقها, فطبقة العمال طبقة كادحة, غير قادرة على إسماع صوتها وشكوتها للجميع, ولا يمتلكون تأثيرا كبيرا على رجال السياسة".
وأوضح أن توقف العمال كان نتيجة لتوقف عمل المصانع, وهذا أثر على توقف مشاريع الإعمار والبناء, كما أثر على حرمان العمل على مصدر رزقهم, وبالتالي العيش بمعاناة وعدم القدرة على توفير أدنى احتياجات عائلات وأطفال العمال.
إغاثة "تكافل"
وقد أظهر تجمع المؤسسات الخيرية العاملة في قطاع غزة مبادرة إغاثة للعمال الفلسطينيين الذين فقدوا مصدر رزقهم بسبب الحصار وإغلاق المعابر, فكان انطلاقة برنامج "تكافل" لتوفير فرص عمل, من أجل التخفيف عن العمال من آثار وآلام الحصار القاسية.
وفي هذا الصدد, قال أ. أحمد الكرد منسق عام برنامج "تكافل":" يعيش الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في ظل أوضاع اقتصادية و اجتماعية بالغة الصعوبة والتعقيد وقد ازدادت حدتها خلال الفترة الماضية كنتيجة مباشرة لمواصلة وتصعيد الحصار الاقتصادي الخانق المفروض على قطاع غزة".
وأضاف:" ومن هذا المنطلق الإنساني والاجتماعي جاءت فكرة تنفيذ برنامج تكافل لتوفير فرص عمل, من أجل توفير فرص عمل للمتعطلين عنه منذ فترات طويلة ومحاولة من تجمع المؤسسات الخيرية للمساهمة في إنعاش الاقتصاد الفلسطيني ومد جسور الثقة ما بين هذه المؤسسات وشرائح المستفيدين من المجتمع الفلسطيني".
وأشار أ. الكرد إلى أن البرنامج يهدف تشغيل ما يقارب عشرة آلاف عامل شهريا, وتم تخصيص 10% شهريا للخريجين, ومن المتوقع أن يبلغ عدد الذين سيتم تشغيلهم خلال المشروع 55,620 عامل.
وذكر أن برنامج تكافل يهدف للتخفيف من أثار الحصار, من خلال توفير الحاجات الأساسية لعشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية التي توقف مصدر دخلها ولضمان القيم الإنسانية والمجتمعية الفلسطينية وتوفير امن غذائي واستقرار .
وأشار إلى أن البرنامج أنهى بنجاح تشغيل العمال الفلسطينيين خلال المرحلة الأولى, والذين تم فرزهم على مختلف البلديات والمؤسسات الصحية والخدمية الحكومية والأهلية على امتداد محافظات القطاع.
وقال منسق عام برنامج تكافل:" لقد وفر برنامج تكافل 5400 فرصة عمل للعمال ضمن المرحلة الأولى لتشغيل العمال الفلسطينيين, وتم توزيعهم على المؤسسات الحكومية والخيرية والبلديات, حيث بلغت نسبة العاملين في البلديات بمحافظات القطاع 23%, وفي وزارة الصحة 22%, ونسبة 18% في وزارة التعليم, و37% في المؤسسات الأهلية في القطاع".
وأضاف:" وبرنامج تكافل ليس مجرد برنامج تشغيل للعاطلين عن العمل فقط, بقدر ما هو وسيله من وسائل التنمية التي تهدف إلى استثمار الطاقات البشرية العاطلة عن العمل لتساهم مساهمة ايجابية في خدمة برامج التنمية في القطاع الزراعي والصحي والخدماتي".
فرحة بعد معاناة
ومن العمال الذين توفرت لهم فرصة عمل مؤقتة من برنامج تكافل, العامل فايز دوله 42 عاما, والذي عانى الكثير حتى توفرت له هذه الفرصة في ظل تشديد الحصار المفروض على قطاع غزة, حيث قال :" هل تعتقد أن حملي لتلك المُكنسة جاء بسهولة!؟, طبعا لا, لأنني تجرعت المعاناة كغيري من العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم بسبب الحصار, وما إن توفرت لي فرصة العمل "البطالة" حتى طرت فرحا".
وأضاف:" إنني أفقد عملي منذ أكثر من عام, حيث كنت أعمل داخل الخط الأخضر, ومن ثم كنت أعمل في مجال البناء في غزة, ولكن إغلاق المعابر أوقف عملي لمنع إدخال مواد البناء, بالإضافة إلى أنني مريض بالمعدة وهذا يحتاج إلى علاج ومصاريف".
وأكد المواطن دوله أن فرصة العمل التي وفرها له برنامج تكافل, حركت حياته بعد تعطل عن العمل منذ عدة شهور, بالإضافة إلى أنه توفر له مبلغ من المال تساعده على توفير ما يحتاجه أطفال وعائلته, ولا سيما أنه يعيل سبعة أطفال إضافة إلى زوجته ووالدته المريضة.
وتمنى المواطن دوله أن تتجدد له فرصة العمل التي حصل عليها, وأن يستمر برنامج تكافل في توفير فرص عمل للعمال, حتى يجدوا مصدر رزق, ويتمكنوا من توفير أدنى احتياجات عائلتهم الأساسية.
سبل حل في ظل الحصار
وحول سبل الحل المتوفرة لتوفير فرص عمل للعمال, في ظل استمرار سياسة تشديد الحصار, قال الخبير الاقتصادي عمر شعبان :" إن استمر الحصار ولم يوجد أي حل شامل لكسره, فهناك عدة سبل مقترحة, فالجميع مطالب سواء الجهات الرسمية والأهلية والمؤسسات الخيرية, ورجال السياسة, وعليهم أن يشاركوا العمال في تحمل أعباءهم, والتخفيف عنهم في ظل الحصار".
وطالب شعبان بإنشاء برامج تكافل اجتماعي للشرائح المتضررة, والأيتام والفقراء, والطلبة المحتاجين, من خلال تلبية أدنى احتياجاتهم, والوفاء بالالتزامات التي تقع على عاتقهم, مثل رسوم دراسية, ورسوم إيجار.
وشدد على ضرورة أن تقوم المؤسسات والجهات الرسمية والأهلية والخيرية بحلول إبداعية وآليات جديدة ومختلفة, من أجل توفير فرص عمل, ومصدر رزق تخفف آلام الحصار على العمال والعائلات الفلسطينية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن المؤسسات الخيرية الفلسطينية لها دور أساس في تخفيف معاناة العمال وشرائح المجتمع الفقيرة, ولولا دورها لما استطاع الناس أن يصمدوا طيلة هذه الفترة القاسية, مشيرا إلى أن المجهود الذي قام به برنامج تكافل يساهم في تخفيف المعاناة عن عدد كبير من العائلات التي لا تجد مصدر رزق, ولها دور في استمرار صمود وصبر الناس في ظل الحصار.
وشدد على ضرورة وجود تنسيق بين المؤسسات الخيرية والمؤسسات الإغاثية مثل الأونروا وغيرها, لضمان تشغيل فئات أكثر, عدم حرمان أي عامل, حيث أن الجميع دون استثناء قد وقعوا في براثن الحصار, الذي أفقدهم أدنى سبل الحياة الكريمة.