الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مشعوذ لضحيته: الجان المختص بعلاجك في دورة علمية بروسيا- وزارة الصحة تستعين برجال الدين للحد من ظاهرة الشعوذة والدجل

نشر بتاريخ: 05/05/2008 ( آخر تحديث: 05/05/2008 الساعة: 15:43 )
بيت لحم- معا - انتشرت مؤخرا ما تسمى عيادات العلاج بالقران الكريم في عدة محافظات فلسطينية، ومن ثم ذاع صيط بعض ( المعالجين ) وادعاؤهم بأجراء اعقد العمليات الجراحية للمرضى عن طريق الجن في اقل من ربع ساعة، بالتالي أصبح هؤلاء محجا للمواطنين المرضى من كل حدب وصوب طلبا للعلاج الشافي حتى أصبح مجرد الدخول إلى هؤلاء حلما لدى البعض، بحيث قد ينتظر المريض ساعات طويلة طلبا للعلاج المنشود مقابل الثمن المادي.

وزارة الصحة حذرت المواطنين من هؤلاء ( المشعوذين ) وبالتالي طلبت من الأجهزة الأمنية ملاحقتهم على اعتبار أنهم يجرمون بحق المرضى مستغلين وضعهم النفسي وتعلقهم بأمل الشفاء لا سيما أصحاب الإمراض الخطيرة المزمنة مقابل المال ومن ثم أيهام المريض أن الجان قد عالجه ليتبين للأجهزة الأمنية بعد التحقيق أن احد هؤلاء يربط بطرف إصبعه دبوسا رفيعا يجرح ( ضحاياه ) بعد الطقوس التي يمارسها بادعاء أن هذا هو من فعل الجان وان الدم النازف هو دليل انتهاء العملية.

المضحك أن احد هؤلاء المرضى والذي يعاني من سرطان في الرئة ولدى مراجعته احد هؤلاء المشعوذين اخبره أن الجان الذي يعالج السرطان قد أوفده إلى روسيا للتخصص وسيعود بعد حوالي العام ليعالجه.

أمام كل هذه المشاهدات، كان لا بد لوزارة الصحة من التوجه للعلماء ورجال الدين وأهل الفتوى من اجل استقصاء الحقيقة التي غابت أو حتى غيبت من عقول البسطاء الذين لا زالوا يلهثون وراء سراب زائل بعلاج عن طريق السحر والجن والشعوذة: سألنا مجلس الفتوى عن حكم السحر والشعوذة والاتصال بالجن فقال:

أما الحكم الشرعي للسحر فهو حرام شرعا كما أن الذهاب إلى الكهان والتعامل معهم كله حرام وهو كبيرة من الكبائر فقد ورد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم) انه قال: ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، وعن معاوية بن الحكم السلمي قال: (... قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان قال: فلا تأتهم.. ) وقال ( لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر ، ولا قاطع رحم ) وقال ( ليس منا من تطير ولا من تطير له، أو تكهن أو تكهن له ، أو سحر أو سحر له ).

إن السحر والكهانة والعرافة حرام شرعا، يؤثم المتعامل معها سواء بالممارسة أو الذهاب إلى من يمارسها وكل ذلك من الكبائر المنهي عنها شرعا ويكفر مستحل ذلك.

كما سألنا دار الإفتاء عن خطر انتشار ظاهرة السحر والشعوذة والاتصال بالجن فأجاب: إن الأمم السابقة جاءتها رسلها بالبينات وبالتوحيد ولكن الناس ظلموا أنفسهم وانحرفوا عن نهج الأنبياء وعن عقيدة التوحيد، وكان من الأسباب التي أدت إلى ذلك انتشار ظاهرة السحر والشعوذة والكهانة، قال تعالى في سورة البقرة الآية 102 حكاية عن بني إسرائيل:  وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ.

وقال سبحانه وتعالى في سورة الحجر الآية 9: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ولكن سيبقى أثر هؤلاء المشعوذين والسحرة محصورا بالتأثير على ضعاف النفوس الذين قل حظهم في الثقافة الدينية وإننا نهيب بالمسلمين كافة أن يغضبوا غضبة لله تعالى، فيهاجموا السحرة والمشعوذين ويحطموا مكاتبهم ويتلفوا أثاثهم، وأن يشردوهم في الآفاق فلا يجدوا مكانا يلجأون إليه ذلك أن هذه الأمور تعمل على نشر الفساد في المجتمع والعداوة والبغضاء بين الناس وهي من أكل أموال الناس بالباطل، ويحذر مجلس الفتوى الأعلى المشتغلين بهذه الأمور، ويطلب من العلماء وأئمة المساجد تحذير العامة وبيان الحكم الشرعي لهم حتى لا يقعوا في شباك هؤلاء المشعوذين، وإن من عقيدتنا أن الضار والنافع هو الله عز وجل وليس لأحد أن يضر أو ينفع من تلقاء نفسه إلا بمشيئة الله عز وجل، وليس لأحد أن يشرع للناس إلا الله عز وجل، كما أن علم الغيب هو مما اختص به الله عز وجل وأن هذه الأمور تمس عقيدة الناس فكان لا بد من تعاون بين كافة الأجهزة من وزارة فتوى ووزارة أوقاف ومحاكم شرعية وأجهزة وإذاعة وتلفاز وتكثيف الحملة على هؤلاء المشعوذين وكذلك لا بد أن تأخذ الأجهزة المعنية دورها في ملاحقة هؤلاء المشعوذين ومعاقبتهم.

كما سألنا دار الإفتاء بالنسبة للجن والتعامل معهم:

الجن عالم آخر غير عالم الإنسان وهم من مخلوقات الله عز وجل وقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن وجودهم وبعضا من صفاتهم وهم مكلفون كالإنسان وفيهم المسلم والكافر ومن صفات الجن أنهم يرونا ولا نراهم. قال تعالى في سورة الأعراف الآية27:  إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ  كما أن بإمكانهم الظهور بصور الإنس أو الحيوانات الأخرى ولا يجوز الاستعانة بهم أو الركون إليهم، قال تعالى في سورة الجن الآية 6:وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا .

أما الأستاذ الدكتور محمد حافظ الشريدة المحاضر في جامعة النجاح الوطنية واحد العلماء الأجلاء الذين ذاع سيطهم على مستوى الوطن العربي فقال:

إن ما يثير الدهشة والاستغراب هذه الأيام بالذات قيام كثير من الناس مثقفين وجاهلين بالتردد على السحرة والمشعوذين لجلب نفع أو دفع ضرر أو بحث عن مفقود أو استطلاع غيب أو إلحاق أذى ببعض الناس، مما أدى إلى رواج سوق المنجمين وأفول نجم الدعاة العلماء الصادقين والتشكيك في توجهات الأطباء المتخصصين وإشاعة المنكر في عوام المسلمين وإسقاط كثير من المغفلين في حبائل الشياطين، ولعل أسباب انتشار السحرة وكثرة العرافين في هذه الأيام يعود لقلة التفقه بالدين وضعف الأيمان في النفوس وفشو البدع والتكاسل عن الطاعات وندرة العلماء العاملين والتقليد الأعمى للكافرين وإهمال الجانب الروحي السلفي.

وهنا يجب علينا أن نقف صفا واحدا مع كل من يسعى لكشف عوار السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين وهتك أسرار مقلديهم من الذين يزعمون أنهم من الإسلاميين الذين ركبوا موجة الدعوة إلى الله وبضاعتهم من العلوم الشرعية مزجاة فأساؤوا لأنفسهم ودينهم وإخوانهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

إن من المعلوم لدى كافة العقلاء أن جميع الإمراض قديما وحديثا ثلاثة أنواع: عضوية جسدية ونفسية عصبية وروحانية معنوية.

فعلاج الإمراض العضوية يكون بالفحوصات والأدوية والحمية والنفسية يكون بالتداوي وقراءه المأثورات وعلاج الإمراض الروحانية يكون بالرقى المشروعة من أي مسلم كان.

ومما يلفت النظر هذه الأيام أن جانب السحر والشعوذة والأحلام والخرافات اخذ أكثر من حجمه وصار حديث الساعة في هذه البلاد المباركة مما أدى إلى إدبار السنة النبوية وإقبال البدع الشيطانية، مما أدى كذلك إلى قيام جهلة محسوبين على الاتجاه الإسلامي بفتح عيادات خاصة لمعالجة المرضى بالصرع أو السحر أو الحسد أو العين أو انفصام في الشخصية أو النكد أو عدم الإنجاب أو العنوسة أو الغباء.

كل ذلك لمصلحة الدعوة والدعاة كما سول لهم الشيطان فوقع ما لم يكن بالحسبان من اختلاط وخلوه ومداواة بغير علم أو اخذ بالأسباب وتخبط في تشخيص الداء ووصف الدواء فأختلط الحابل بالنابل والحق بالباطل والتبس الأمر على الكثير من الناس فيمموا وجوههم قبل المشعوذين الجدد من الإسلاميين الذين تاجروا بالدين وهجروا الطب والعلم الحديث والدواء المجرب والأخذ بالأسباب المادية والمعنوية لمجرد مصادفة نجاح مشعوذ في حالة علاج حالة معينة - من باب الفتنة - واستغلت ذلك جهات مشبوهة في الداخل والخارج تمكر للإسلام والمسلمين السوء فأشاعت من بنات أفكارها قصصا خرافية لهؤلاء المشعوذين الجدد وذلك لإقناع العوام الجهلة بشراكهم وتم افتتاح فضائيات عالمية لإلهاء الناس صالحهم وطالحهم بما يشغلهم عن الحق ومعالي الأمور.

إن بامكان أي مسلم عادي غير مجاهر بفسقه ولا مرتكب الكبائر أن يعالج نفسه وأهله من الإمراض المعنوية عن طريق قراءة الرقى المشروعة والآثار والاسترشاد بكلام أئمة السلف الصالح بدون توسيع ولا تزكية للنفس ولا متاجرة بالدين والاقتصار على ما ثبت وصح من الأخبار والآثار والابتعاد عن البدع والخرافات والشعوذات والمنامات والوصفات الشعبية المتعارضة ودونما حاجة للاستعانة بأي مسلم تقي أو عاص أو قراءه كتب السحر والجن والشعوذة وذلك سدا للذريعة وقطعا لدابر الفتنة وحماية لجناب التوحيد ولقطع الطريق على كل من تسول له نفسه إسقاط فسقه وجهله على المسلمين فيما لا تحمد عقباه وإفشالا لمخططات المنافقين ممن يتصيدون في الماء العكر في حال غياب السلطة والقانون.

إن علم الغيب من اختصاص الله تعالى وحده كما قال عز وجل " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو " ومما هو معلوم من الدين بالضرورة أن الأنفاس معدودة والأرزاق محدودة والمصائب مقدرة مكتوبة والمسلم مطالب بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله من قبل ومن بعد ومن ثم انتظار الفرج من السماء حيث لا يرد القضاء سوى الدعاء، أما فيمن يسألون تفسيرا لما ما يقوم به المنجمون والعرافون والكهنة والسحرة والفتاحون من اكتشاف المجهول أو الأخبار بمفقود أو حل لمشكلة مستعصية أو مداوة لداء عضال، فنذكر الجميع بقول الله تعالى " ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ".

لقد أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا السؤال السالف الذكر في حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت " سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: ليسوا بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يتحدثون أحيانا بشيء فيكون حقا فقال: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرأها، يلقيها في أذن وليه فيخلطون معه مائة كذبة " متفق عليه.