معضلة وتردد في واشنطن بخصوص كيفية التعامل مع سوريا
نشر بتاريخ: 29/10/2005 ( آخر تحديث: 29/10/2005 الساعة: 12:04 )
عن تقرير واشنطن... بقلم محمد المنشاوي
معا- دعم تقرير المحقق الألماني ديتليف ميليس موقف الحكومة الأمريكية الذي طالما دعا سوريا إلى إظهار حسن النية بالتعاون فيما يتعلق بالملف اللبناني بالإضافة إلى المطالب الأمريكية المتكررة لسوريا بضرورة ضبط حدودها مع العراق ومنع تسلل المقاتلين، ووقف دعم المنظمات الفلسطينية التي تعارض عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد عقد بمعهد بروكنغز Brookings Institution بالعاصمة الأمريكية ندوة هامة تحت عنوان "كيف سيؤثر اغتيال الحريري على العلاقات الأمريكية السورية"، وتناولت الندوة تطورات قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وانعكاسات تقرير المحقق الدولي ميليس على العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا. وظهر خلال كلمات المتحدثين في الندوة أهمية الحالة السورية وكونها نموذجا لكيفية تعامل الولايات المتحدة مع دول غير صديقة باسلوب يراعي التوازنات الإقليمية والمصالح الأمريكية في نفس الوقت.
كيف يجب أن تتعامل واشنطن مع سوريا؟
أشار فلينت إلى عدم وجود اي اتفاق في واشنطن بخصوص كيفية التعامل مع سوريا في ضوء تقرير المحقق ميليس المبدئي، ويرى أن سوريا تمثل مشكلة للولايات المتحدة على مستويين. الأول تكتيكي ويتعلق بكيفية حصول الولايات المتحدة على ما تريد من الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وكيف يمكن لواشنطن أن تشحذ الجهود داخل المجلس لمعاقبة النظام السوري. وهناك معارضة قوية من قبل الصين وروسيا والجزائر وإلى حد ما فرنسا بخصوص نظرية تطبيق عقوبات على سوريا.
والمستوى الثاني إستراتيجي ويتمثل في كيفية حصول الولايات المتحدة على ما تريد من النظام السوري. وهنا يثور التساؤل هل ستسلم سوريا للولايات المتحدة ما تريد خوفا من تبعات عدم التسليم. والحديث هنا يتعلق بضبط الحدود مع العراق، وعدم استقرار العراق يمثل مشكلة عويصة للولايات المتحدة وأيضا لسوريا. وهناك أيضا الدور السوري الداعم لجماعات فلسطينية رافضة للسلام مع إسرائيل، بالإضافة إلى رفع أيدي سوريا عن لبنان.
وأشار فلينت إلى عزلة النظام السوري التي قد يزيد معها احتمالات ظهور توترات داخلية خاصة بين الأكراد والإخوان المسلمين وأثار ذلك على العراق. ونبه فلينت إلى عدم وجود بديل لنظام بشار الأسد للتعامل معه، وعلى عكس التجربة العراقية يصعب ذكر اسم معارض سوري ذي وزن في خارج سوريا أو داخلها. ولهذا السبب يري فلينت ضرورة أن تساعد الإدارة الأمريكية نظام بشار الأسد للخروج من الأزمة التي اوجد نفسه فيها، وعلى أن يحسن سلوكياته لأنه وببساطة لا بديل له الآن.
امرأة وثلاثة رجال
أما الخبير الأمريكي في الشؤون السورية فلينت ليفرت فقد ذكر في كلمته أن هناك مشكلة تتمثل في الدائرة الصغيرة من الرئيس السوري بشار الأسد (أخوه ماهر، أخته بشرى وزوجها عاصف شوكت). ويرى فلينت أن هؤلاء الرجال الثلاثة يسيطرون على مقدرات النظام السوري، فبشار هو الرئيس والرجل الأقوى إلا أن أخوه ماهر لدية سلطة على الحرس الجمهوري الشديد التنظيم، أما عاصف شوكت فهو رئيس المخابرات العسكرية وزوج أخت بشار وهو وزوجته لهما طموح سياسي لا حدود له. ويرى فلينت أن تقرير المحقق الألماني ميليس وما أشار إليه من إمكانية توجيه تهم مباشرة لماهر الأسد ولعاصف شوكت قد يكون فرصة ذهبية لبشار للتخلص من عبء الأطراف القوية في نظامه حتى وأن كانت تتمثل في اقرب الناس إليه (أخوه وزوج أخته) من اجل الحفاظ على النظام الذي يترأسه على شاكلة The last man standing.
إحباط شعبي داخلي وإحباط دولي خارجي
وذكر النشط السوري عمار عبد الحميد واصفا فترة حكم الرئيس السوري بشار الأسد أنها جاءت مخيبة لآمال السوريين ولآمال المجتمع الدولي. داخليا تناول عمار كيف صعد نظام الحكم السوري للحكم وكيف تسنى له التخلص من أهم العداء (الأخوان المسلمين عام 1982) وصولا لسيطرة عائلة الأسد نفسها ومن ورائها دعم الأقلية العلوية في البلاد. وذكر عمار أن النظام السوري بزعامة الرئيس بشار الأسد فشل في فهم المتغيرات الدولية، فعندما جاء بشار للحكم كانت هناك فرصة ذهبية للتخلص من إرث الحرس القديم المحيط بمركز القوة في سوريا، لكن بشار بدلا من ذلك عمد على تدعيم صلاته بمراكز القوى التقليدية الباقية منذ عهد والده. وهنا أحبط الشعب السوري الذي توقع زعيما صغيرا تعلم في الغرب، ولم يحدث الانقلاب من أعلى كما راهن الشعب.
وأشار عمار إلى مخاوف الشعب السوري من ازدياد خطر ظهور الهويات الضيقة الاثنية، مع خبرة العراق والتقسيمات الدينية التي ظهرت على السطح بصورة علنية غير مسبوقة، فإن الخوف من تطور وضع داخلي يسبب فوضى وعنف أصبح أكثر من ذي قبل.
وأشار عمار إلى وثيقة المعارضة السورية التي أصدرها تجمع من الجماعات المعارضة تحت مسمى "وثيقة دمشق" كسابقة تدعو لمزيد من الديمقراطية من قوى المجتمع المدني السوري الليبرالية والقومية والشيوعية بالإضافة إلى الإخوان المسلمين.
خارجيا، يري عمار أن العالم الخارجي وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا توقعت أن يقود الرئيس السوري الصغير إصلاحات ديمقراطية تخفف قبضة النظام السوري على الحياة السياسية وتتيح تحسن في أوضاع حقوق الإنسان. ومازالت الأوضاع في سوريا فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرية الصحافة من الأسوأ في العالم.
لا للتراجع الأمريكي
من ناحيته ذكر مارتن إنديك أن هناك جريمة اغتيال سياسي ذهب ضحيتها 22 شخصا من ضمنهم رئيس وزراء لبناني سابق، وبغض النظر عن أي حسابات وتوازنات داخلية أو خارجية يجب أن يقدم المسئولون عن هذه الجريمة لمحكمة دولية. وأشار إنديك إلى أن الإدارة الأمريكية لا تعرف ما تريد من سوريا في هذه اللحظات الحاسمة.وتساءل هل ستعمل أمريكا على إسقاط نظام الأسد أم وبسبب الخوف من الفوضى المتوقعة سيتم التعامل معه؟ إلا أنه أشار إلى عدم ضرورة توفر أجوبة على الكثير من الأسئلة عندما يتعلق الأمر بقضايا في الشرق الأوسط.
شارك في الندوة
عمار عبد الحميد Ammar Abdulhamid رئيس دار عمار للنشر بدمشق وهو ناشط سياسي من اجل حقوق الاقليات والديمقراطية والمجتمع المدني. وحاليا هو زميل زائر في معهد سابان لدراسات الشرق الأوسط.
مارتن انديك Martin Indyk وهو مدير معهد سابان لدراسات الشرق الأوسط في بروكنغز، عمل سابق مساعدا للرئيس كلينتون ولوزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط، كذلك عمل سفيرا مرتين في إسرائيل، و هو أسترالي الأصل.
فلينت ليفرت Flynt Leveret زميل الدراسات الدولية بمعهد بروكنغز، عمل سابقا في مجلس الأمن القومي، و كان مستشارا للرئيس السابق كلينتون فيما يتعلق بالشرق الأوسط.