الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

صورة قلمية : غزة في ظل الحصار آكو .. ماكو .. في .. فش .. لبن سمك تمر هندي !

نشر بتاريخ: 11/05/2008 ( آخر تحديث: 11/05/2008 الساعة: 19:41 )
غزة-معا- موسى أبو كرش- سأل الولد المدجج بالغضب وعلامات الاستفهام أمه التي تعكف على تنظيف " طشتا " امتلأ حتى حوافه بسمك السردين " البزرة " هو ما فش في السوق إلا ها السمك أبو أربعة كيلو بعشره اللي نفّص عينيك ؟ ؟ أجابت الأم بحسرة : هو لو كان في غيرو كنا جبناه ! ! وأردفت بعد أن طفح بها الكيل يا بني :" السمك بدو سولار والسولار بدو معبر والمعبر بدو مفتاح والمفتاح عند الجيران ..." صمت الولد المدجج بالغضب ونقر نوابض هاتفه النقال مرة تلو الأخرى وصاح بالفم المليان :" الله يلعن هالبلد إلي مافيها شغل ولا شبكة " .

في المقعد الخلفي للسيارة التي أقلتني للعمل سألت امرأة المرأة التي تجلس بجوارها : هل زوجتي أحدا من بناتك ؟ أجابت المرأة بأسى بدا واضحا في صوتها : " همه وين العرسان يا حسرة , والله سرت خايفة هالبنات يعنسن وما يسومهن حدا "
في الحديقة العامة وسط المدينة قال الرجل لصديقة الذي بدا مشغولا بحبيبات مسبحته :" انظر هذه المرأة تراوح مكانها وتضرب كفا بكف منذ ساعة ولم تجد سيارة تقلها ! حوقل الصديق الذي شغلته المسبحة وقال : لها الله .. الله يستر ما يمسيها زوجها بعلقة تنسيها اسمها " .

لا أدري من أين دخلت كلمة " فش " قاموسنا اليومي حتى صارت من أكثر الكلمات دورانا على الألسنة وجوابا لكل الأسئلة بدءا من وين الراتب فش فش , وانتهاء بوين الغاز فش فش !!

فش بطبيعة الحال ليس سمكا , وإن كان معناها الانجليزي يدل على ذلك بل صارت معادلا موضوعيا / معنويا لغياب الكثير من الجوانب المهمة لحياتنا في غزة في ظل الحصار الخانق المفروض علينا منذ ( الجلعاد شليط ) حتى الآن والأدهى من ذلك أنها صارت الشيفرة الرمزية ( لحلقة السمك لبن تمر هندي ) التي نحياها ونعيش جنونها , ونكتوي بنارها .

العراقيون إخواننا في الشقاء كانوا ولازالوا أكثر أهل الأرض استخداما لكلمة ( آكو ) التي تعني في وكلمة ( ماكو ) التي تعني ما في الشاميه صاروا يغبطوننا على استخدامنا لكلمة (ما في الشامية ) / فش الفلسطينية بعد أن كنا نتندر عليهم لقولهم( ماكو أوامر ) عندما دخل جيشهم فلسطين لقتال اليهود ولم يفعلوا شيئا .. وسبحان مغير الأحوال .

سيدي يا لطيف.. يا مفرّج الكرب اجعل حصارنا خفيف

في شارع الجلاء بغزة قابلت شابين كانا يسيران على رصيف الشارع وقد وضع كل منهما كمامة على أنفه وفيه : احترت للأمر للوهلة الأولى ودفعني فضولي الصحفي لسؤالهما : (هل لدينا سارز ايضا لتضعا هاتين الكمامتين على أنفيكما ؟ ) أجابا معا دون تردد : ( سارز مافي ولكن لدينا مسرطنات ألا تشم رائحة السيرج - الزيت المحروق التي تنفثها عوادم السيارات في الشارع ) للحظة شعرت باختناق وفكرت جديا بأن أضع كمامة على فمي وأنفي وقلت في نفسي ( لا بأس , طاقية تقيني من الشمس وكمامة تقيني من عوادم السيارات ) ولكنني ترددت بعد أن تصورت كيف سيكون عليه حالي إذا ما استمر الحصار حتى شهري تموز وآب .

في سوق الشيخ رضوان ضربتني الحيرة مرة أخرى بعد أن تورطت بشراء الكثير من شتلات الزهور ولما وجدتني عاجزا عن نقلها إلى البيت لعدم وجود سيارة وعجزي عن حملها , استجبت لعرض سخي من صاحب عربة كارو يجرها حصان تطوع لنقلي إلى البيت بعربته المفروشة خصيصا للركاب ورواد السوق الذين يبدو أنهم احتاطوا للأمر فلم يشتروا إلا ما يستطيعون حمله إلى بيوتهم , وهكذا وجدتني أركب الحنطور الغزي درجن درجن غير مكترث لصياح امرأة رفعت عقيرتها وهي تلعن السائقين الذين قاسموها غاز وزيت الطهي لتسيير عرباتهم .. والحق أن الأمر كان ممتعا بعد أن غطيت رأسي بطاقيتي لولا الحصان الذي فعل فعلته الكريهة , وأفرغ ما في جوفه في وجهي غير مكترث بتقززي واشمئزازي وسياط وصياح صاحب الكارو .