الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

النكبــــة "في الذكرى الستين " بلا مقدمات ولا حتى خاتمـــة فإلى متى ؟!

نشر بتاريخ: 15/05/2008 ( آخر تحديث: 15/05/2008 الساعة: 10:20 )
غزة- معا- منذ عام ال 48 والحكاية تتكرر بأبعاد مختلفة وجوانب جديدة تركت الأفواه فاغرة دهشة والعقول حائرة تعجبا , حتى ان حلقات الرواية باتت محكمة تستعصي حتى على الفرج ,وجوه متجعدة تحمل بين ملامحها العجوز ذكريات غصت بالألم والمعاناة لعقود وعقود حتى أنها من رحم أحزانها نسجت بصيص أمل لجنين العودة المرتقب.

عايشت النكبة الفلسطينية وتعي ما ذاقه الفلسطينيين من الأمرّين , لا زالت تحتفظ بمفتاحها الذي غطاه الصدأ و أوراق متهرئة تثبت حقها بالعودة لبيتها القديم وحقل ارض عائلتها الأخضر , " "جنة على الأرض " هذا ما باتت تمثله مدن وقرى الفلسطينيين المهجّرين من أراضيهم للشتات, عائشة الزعانين (79 عام ) تواسي ذكرياتها الناقصة بحلم العودة المكتمل , للأرض والبيت والشجر من حوله.

" أمنيتي الوحيدة التي تجعلني أتشبث بالحياة هو حلمي بالعودة لمدينتي دردونة , لا زلت اذكر حياتي السعيدة هناك ! ولا استطيع ان افهم كيف انتهت بهذه السرعة , لا زلت أتعلق ببقايا تلك الحياة وكلي أمل أن أعود , وان لم اعش طويلا لأرى ذلك الحلم يتحقق فلقد أوصيت أبنائي وأحفادي مرارا وتكرار ان يعودوا إلى هناك ووصفت لهم المكان بالتفصيل , حتى أنني عددت لهم الخطوات التي تفصلنا عن دردونه وعن ارض عائلتي حينذاك "
هكذا بدأت الحاجة عائشة تسرد تفاصيل الحكاية التي اختلفت معالمها مع تقادم الزمن ولم تنتهي بعد , تابعت :" لقد مر الكثير من الوقت ولكنه لم يفت بعد , لقد أخرجت مع عائلتي قصرا وكلنا أمل في ان نعود غدا او بعد غد ! ولم نعد , لكني حتى اليوم انتظر أن أعود ,ولم افقد الأمل بذلك ولن أتخلى عن شبر واحد من ارضي ومنزلي هناك , انا شاكرة لله عز وجل أنني استطيع أن انظر من أعلى التل بجانب منزلي هنا واصل ببصري لحدود دردونه من وراء الأسلاك ا لشائكة , يعزيني ذلك ولو قليلا ,على الأقل اعرف أنني لن أنساها فكل مرة أراها لا تتغير بنظري هي أرضي وأنا عائدة إليها مهما حصل , يستطيعون إبعادنا عنها بضعة كيلومترات ولا أكثر "
أبعدت نظراتها بحزن نحو المفتاح الذي استقر بين أحضان كفيها وقالت بحسرة :" كنا نزرع ونعتاش من محصولنا أكثر من سنة , الان يتمنون علينا بكبونة او أكثر تكفل رمق العيش ولربما اقل , أراضينا وممتلكاتنا التي عشنا في كنفها جيل بعد جيل سلبت منا ولا زلت اتسائل لماذا ؟ , ناشدنا العرب فخذلونا وما لنا الا الله فالشكوى لغير الله مذلة , أنا واثقة أن أحفادي سيعودون إن لم أشهد ذاك اليوم في حياتي فعلى الأقل هم سيفعلون , حق التعويض الذين يتبجح الاسرائيلين فيه كثيرا مجرد أكذوبة لا نصدقها , التعويض الوحيد لنا هو العودة لأراضينا وبيوتنا حيث تركناها , لقد تركت 60 ألف فدان ومنزل عائلتي وذكرياتنا كلها فان عوضوني عن المال من سيعوض الذكرى ؟ "
محمد أبو قمر (88 عام ) لم يكن ببعيد عن فصول حكاية النكبة , فهو الاخر هجّر من مدينته في أراضي ال 48 ليحمل هم حلم العودة المنتظر على عاتقه هو ايضا , شاركنا بقوله :" لم أكن اعرف انني لن أعود الى مدينتي ولو اني اعلم ذلك لفضلت ان ادفن فيها على أن أمسي مهاجر يعتمد على الدعم ووكالات الغوث هنا وهناك , لكن ما رأيته يوم أجبرت على الرحيل لم يدع مجالا للشك ان الخيار الأمثل سيكون انتظار العودة القريبة بعد ان ابيد معظم الفلسطينيين في قريتي, حتى ان النساء والأطفال ذبحوا , كانت ليلة مرعبة لن أنساها ما حييت ولكننا لا زلنا نشهدها هنا بقطاع غزة يوميا , مع الاجتياحات والغارات الإسرائيلية أتذكر صوت المدفعية يوم ترحيلنا عن ارضنا عام 48 , نفس الصوت ولكن هذه المرة المختلف إننا نموت ولا نرحل ! النكبة لم تنتهي عام 48 هي باقية كل يوم هنا تتكرر! "
بطرف ثوبه مسح أبو قمر دموع عيناه وأضاف :" كل ما اطلبه من الله ان اعود لادفن هناك , ارجو ان اشهد ذلك اليوم ,فأنا مع كبر سني وشيخوختي أنسى الكثير من مجريات حياتي اليومية ولكني أذكر منزلي العتيق كأنني غادرته البارحة "
فذكرى النكبة مع ألمها ومأساة ذكراها الا أن الأذهان لا تزال تبادر لإحيائها في كل نكبة تتجدد الأولى التي بدأت عا م48 بلا مقدمات وحتى اليوم بلا خاتمة مع ان " العودة" هي النهاية المنتظرة لدى الفلسطينيين بقطاع غزة والشتات ... وللحكاية بقية .