خبير اقتصادي: الاستثمارات وإقامة المشاريع الاقتصادية والتنمية الحقيقية لا تتم في ظل الحواجز والاغلاقات والاستيطان
نشر بتاريخ: 16/05/2008 ( آخر تحديث: 16/05/2008 الساعة: 18:19 )
بيت لحم -معا- أكد خبير اقتصادي، وأكاديمي فلسطيني بارز أن أي جهد حقيقي أو تغيير جاد أو خطوة نوعية لها معنى على طريق تحسين أوضاع الفلسطينيين فيما يخص القيود المفروضة على حرية تنقل الأفراد والتجارة والبضائع، يجب أن تبدأ من مدينة نابلس "مركز شمال الضفة الغربية".
وقال الدكتور نافذ ابراهيم ابو بكر، المحاضر بكلية الاقتصاد في جامعة النجاح تعقيبا على تصريح توني بلير مبعوث السلام للشرق الأوسط "بأن إسرائيل وافقت على أن تخفف تدريجيا بعض قيود التنقل والتجارة المفروضة على الفلسطينيين وأن تتخلى عن قدر أكبر من السلطة الأمنية في بعض المناطق في الضفة الغربية" أن المطلوب ان ينصب جهد المبعوث الدولي للسلام على إزالة الشبكة الإسرائيلية المكونة العديد من الحواجز ونقاط التفتيش المفروضة على المدينة.
ونوه إلى ان الجميع يعلم أن الجهود التي بذلت ولازالت من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل فرض الأمن والنظام والقانون قد تكللت إلى حد كبير بالنجاح رغم كل الإعاقات من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يعمل جاهدا على إفشال تلك الجهود من أجل إبقاء موضوعة الأمن الإسرائيلي في مركز الصدارة، وبالتالي وضع العراقيل أمام كل المحاولات والتحركات السياسية في هذه الأوقات الحرجة جدا للتهرب من الاستحقاقات التي فرضها المجتمع الدولي حول القضية الفلسطينية.
وقال أبو بكر :"انه لا يعقل أن تبقى هذه المدينة الكبيرة والمركزية في السياسة والاقتصاد والثقافة الفلسطينية محاصرة ومغلقة ومستباحة من قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدى أكثر من ثماني سنوات لمجرد مزاعم أمنية واهية ثبت للقاصي والداني ومنهم السيد توني بلير زيفها ومجافاتها للحقيقة".
وحول غلاء الأسعار أشار أبو بكر إلى أن مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية تتعرض كغيرها من بلدان العالم ومنذ تموز 2007 لموجات متتالية من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات والكثير من السلع الأخرى زادت في مجملها عن 40% مع انتهاء الثلث الأول من العام الحالي، وذلك جرّاء الارتفاعات الكبيرة والمتتالية في أسعار النفط، وتداعيات أزمة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، وشح الإنتاج الزراعي لكثير من المواد الأساسية كالقمح والشعير والأرز والذرة والصويا.
واستطرد ان التوقعات تزداد باستمرار هذه الموجات الرهيبة من ارتفاع الأسعار طالما بقيت الأسباب الموجبة لذلك، وخاصة شح الإنتاج الزراعي الذي نتج عن عوامل طبيعية ومناخية وأخرى تتعلق باستخدام الكثير من هذه المواد في إنتاج ما يسمى " بالوقود الحيوي " كأحد المصادر البديلة للطاقة، وارتفاع أسعار النفط حيث يتوقع أن يصل سعر البرميل إلى حوالي 150 دولارا أمريكيا قبل نهاية الربع الأخير من العام الحالي، في ظل تباطؤ نمو المعروض من النفط، وكون القيمة الحالية لأسعار النفط أقل مما كانت عليه في سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن المنصرم عندما كانت الأسعار مقومّة بالذهب، وكذلك عدم وجود مصادر بديلة للطاقة بسبب ارتفاع التكلفة.
واشار الى ان التضخم وارتفاع الأسعار ادى إلى زيادة تكاليف المعيشة بشكل جنوني وغير مسبوق، وخفض القدرة الشرائية للمواطن الفلسطيني، وخاصة من الطبقتين الفقيرة والوسطى بغض النظر عن كون دخله بالشيكل أو الدينار أو الدولار، بحيث أصبح غير قادر على تلبية احتياجاته الأساسية من الغذاء والدواء والملبس والصحة والتعليم والسكن والمواصلات والمحروقات. وبالرغم من المعونات الإنسانية والتنموية المقدمة، ما زالت أكثر من 60% من الأسر الفلسطينية تعيش تحت خط الفقر الذي وصل إلى أكثر من 2000 شيكل (400 دينار أردني).
وشدد الخبير ابو بكر على ان الأمر يستدعي قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، بالرغم من محدودية خياراتها في مجال السياسة النقدية ومجال قدرتها على خفض الأنفاق الجاري، بالتحرك على مستويات رئيسية ثلاث:
فعلى المستوى المحلي، يتطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية العمل وبأسرع وقت ممكن على إلغاء الرسوم الجمركية والضرائب أو توفير الدعم لسلع الطحين والقمح والشعير والحليب والسكر والأرز والشاي واللحوم والزيوت والعدس والبقوليات وغاز الطبخ، كما يجب العمل على رفع مرتبات وأجور الموظفين والمتقاعدين في القطاعين العام والخاص بما لا يقل عن 20% للحد الأدنى للأجور، إضافة إلى إعفاء وسائط النقل العامّة من رسوم الترخيص. ومن الجدير بالذكر أنّ ما سبق من إجراءات كانت قد اتخذت في بعض الدول المجاورة مؤخراً كالأردن ولبنان ومصر وسوريا. وفي هذا السياق، لا بدّ من التذكير بأن قدرة السلطة الوطنية على جباية الأموال قد تحسنّت بشكل ملحوظ خلال الشهور الستة الماضية، إضافة إلى ارتفاع مستوى إيراداتها من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة نتيجة لارتفاع مستويات الأسعار والتكاليف الأمر الذي يساعد في توظيف الأموال المطلوبة لرفع المرتبات والأجور.
أما على المستوى الدولي، يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية حثّ الدول المانحة على زيادة مساعداتها المقررة في مؤتمر باريس للمانحين لتأخذ في الحسبان أوضاع الاقتصاد العالمي المتدهور، والارتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائية، واستمرار صعود أسعار النفط، من أجل تمكين الحكومة الفلسطينية من الاستمرار في أداء مهامها وتسيير الأمور الحياتية والمعيشية للفلسطينيين في هذه الأوقات الحرجة.
وعلى مستوى الدول العربية النفطية، يتطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية البدء بإعداد الدراسات والمشاريع والاتفاقيات والترتيبات اللازمة سياسية كانت أو فنية أو لوجيستية لبدء إمداد مناطق السلطة بمشتقات النفط والغاز بالمجان، طالما بقي الوضع السياسي الراهن للفلسطينيين يراوح مكانه.
وفيما يتعلق بمؤتمر فلسطين للاستثمار قال ابو بكر ان انعقاد "مؤتمر فلسطين للاستثمار" يأتي ضمن الجهود الدولية التي تبذل لتقوية الاقتصاد الفلسطيني في نطاق المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية برعاية أمريكية، مضيفا بانه يستطيع القول أن الفلسطينيين يباركون أي جهد يبذل على الصعيد الدولي أو العربي أو المحلي في سبيل توفير الدعم الاقتصادي الذي يمكنهم من الصمود والبقاء على أرضهم، وآمل أن يكون "مؤتمر فلسطين للاستثمار" ضمن هذا السياق، وليس مجرد تظاهرة اقتصادية في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية الصعبة للفلسطينيين.
واكد على استحالة الفصل بين الاقتصاد والسياسة والأمن والسلام، حيث أنّ الكل مترابط مع بعضه البعض. أن كل المحاولات التي بذلت حتى الآن في سبيل دعم الاقتصاد الفلسطيني وبناء ركائزه وملامحه من قبل المجتمع الدولي والفلسطينيين أنفسهم لم تؤد المطلوب بسبب العوائق الإسرائيلية والحصار الاقتصادي والأمني المفروض على الفلسطينيين وغياب حرية تنقل الناس والبضائع، فضخّ الأموال وحده لا يكفي بالرغم من أهميته.
وقال ابو بكر أن الاستثمارات وإقامة المشاريع الاقتصادية والتنمية الحقيقية لا تتم في ظل الحواجز والاغلاقات والاستيطان ومصادرة الأراضي والجدار والفصل وإنما هي ممكنة في ظل وجود أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية ووجود ضمانات واضحة لإنهاء الاحتلال بموجب قرارات الشرعية الدولية.