حركة فتح بين انفولونزا (البرايمرز) وجنون..... بقلم محمد عبد النبي اللحام
نشر بتاريخ: 01/11/2005 ( آخر تحديث: 01/11/2005 الساعة: 05:07 )
معاً- "البرايمرز" مصطلح جديد دخل قاموس المشهد السياسي الفلسطيني عشية انطلاق أول انتخابات برلمانية فلسطينية بمشاركة معظم فصائل العمل الوطني ومما زاد من شيوع المصطلح الذي يعني "انتخابات تمهيدية" هو تبني حركة فتح كبرى الفصائل الفلسطينية له كإجراء مستحدث على هيكلياتها وسلوكها التاريخي والذي كان مرتبطاً بنظام المركزية الديمقراطية والديمقراطية المركزية حيث كانت الاسقاطات هي الغالبة على إختيار ممثلي فتح في معظم الهيئات ,و المؤسسات العامة مثل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والمجلس الوطني.
وأمام هذا القادم الجديد الذي "ملأ الدنيا, وشغل الناس " تباينت الآراء بإختلاف المصالح والمواقع ,ومن رأى في "البرايمز" وسيلة توصله الى مقعد مضمون في البرلمان القادم رحب وهلل له, ومن راى فيه عكس ذلك عارض ,وشجب, واستنكر, لتصل الحركة الى دوامة حقيقية ومحك جد خطير حتى احتار المراقب في أي الخيارات التى تريدها.
ففي حين أن الديمقراطية مطلب عارم كبديل عن التعيين والتنصيب والتفرد وتسمح لكافة اعضاء الحركة ومناصريها بالمشاركة في اختيار من يمثل الحركة تأتي وجهة النظر المناقضة لتقول أن "البرايمرز" يغيب المراتبية ويمسخها ويساوي ما بين صوت النصير وصوت الكادر مما يظلم ابناء الحركة الذين أمضوا سنوات عمرهم في كنفها ويسمح للعشائرية بالتوغل والتغلغل والتأثير في صياغة النتائج النهائية.
وفي الوقت الذي حاولت فيه اللجنة المكلفة بالأعداد"البرايمرز" تقليص منسوب العشائرية عبر الاستمارة الواجب توفر شروط معينة فيها قبل قبول صاحبها عبر التدقيق من قبل لجنة الاشراف ولجنة الأقليم في الموقع ونشرها في الاماكن العامة لتقديم الطعون والاعتراض عليها. إلا أن هذا الإجراء غير كفيل مئه بالمئة بانهاء ظاهرة التحشيد عبر الاستمارة التي طعن بها العديد من المرشحين حتى وصل الأمر حدّ التخوين كما جاء على لسان النائب احمد البطش في "صحيفة محلية" كنوع من الإهانة والتحقيرللاستمارة وبالمقابل دافع عنها البعض الآخر مثل د. أحمد الديك الذي قال إن المعلومات المطلوبة في الاستمارة لا تحتوي أي معلومات من شأنها تقديم صاحبها للمساءلة الأمنية وهي معلومات اجتماعية عامة.
وفي ظل هذا السجال بدأنا نسمع عن انسحابات لبعض رموز الحركة من سباق "البرايمرز" وابرزهم حتى اللحظة لؤي عبدو وهو أحد أكثر المرشحين حظوظاً للفوز بناءً على استفتاء وزع في نابلس قبل حوالي الشهر تقريباً وقد أكد عبدو في تصريحاته على أحقيته بممارسة حقه الدستوري بمعنى أن إمكانية ترشحه كمستقل ما زالت قائمة.
وأمام ظاهرة لؤي عبدو المعروف بفتحاويته ونضالاته والتي ستتكرر في أكثر من مكان ستفقد فتح عشرات الآلاف من الأصوات المستنزفة بين أتباعها على مستوى الانتخابات العامة بين من هم على قائمة فتح ومن هم من فتح على قوائم المستقلين مما سيفتح المجال لسقوط بعض رموزها ونجاح معارضيها وخاصة من الفصيل الثاني حماس.
ومساء الاثنين عقد اجتماع للجنة المكلفة على الإشراف لتدارس ما آلت له الأمور من تداعيات خطيرة على هذا المستوى وخاصة فيما يتعلق بموقف ابناء الحركة في قطاع غزة والذين تحفظوا على التعاطي مع "البرايمرز" الا بعدالحصول على استحقاقات حرموا منها وحجبت عنهم في السابق كما قال د.سفيان ابو زايدة ولم تخطً بعض الاقاليم في القطاع أي خطوة للأعداد لانعقاده في موعده المقرر بتاريخ 9/11 مما يزيد الأمور تعقيداً ويطرح السؤال الكبير كيف يكون (برايمرز) للضفة الغربية دون قطاع غزة؟!!
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي حاول الاجابة على السؤال بقوله:إن (البرايمرز) كان قراراً خاطئاً لحركة تاريخية مثل فتح وإمكانية العودة عنه أصبحت صعبة وقد اتفقنا أن لا أحد سيسقط على ابنائها (بالبراشوت) ولن يكون لأي جغرافية " فيتو" على الحركة واذا لم يشأ ابناء فتح في القطاع هذا الشكل فعلى القيادة أن تتحرك لتدارك الأمور مضيفاً أن اجتماعاً للمجلس الثوري سيعقد يوم 7/11/2005 للاستماع من اللجنة المكلفة لآخر التقارير والتوصيات وعلى ضوء ذلك سيتم تدارس الموقف واتخاذ القرارات المناسبة.
ويتضح من كل ذلك أن الأزمة هي ليست في (البرايمرز) الذي ُحمل فوق طاقته فهو شكل ديمقراطي عملي وعلمي وشفاف فالأزمة الحقيقية في النظام الداخلي والهيكلية القديمة البالية للحركة التي أكل الدهر عليها وشرب.
فبعد 30 سنة من الثورة وعشرة أعوام من الدولة كان الأجدر بالحركة ترتيب بيتها عبر مؤتمرها السادس, فانعقاده كان كفيلاً بتعبيد الأرصفة لكافة الاستحقاقات العامة لتمر بأمن وسلام وخير ولما إختلفت اليوم على من هو صاحب حق الاقتراع ومن هو صاحب حق الترشيح؟ وما شكل آلية الإختيار؟ وما هو المعيار؟ فانعقاد المؤتمر السادس كان كفيلاً بحصر العضوية وتنظيم المراتبية وفرز ممثلي المناطق والأقاليم والقطاعات المختلفة وانتخاب اعضاء المؤتمر الذي يقوم بدوره بانتخاب اعضاء المجلس الثوري والذي ينتخب لجنة مركزية فلو كان ذلك لما كان هذا الارباك والاجتهاد.
ويقف البعض متناسيا ان فتح شارفت عقدها الخمسين دون ان تمارس ديمقراطية حقيقية كاملة وسط صفوفها في ظل غياب كامل للديمقراطية عن ساحة الوطن بفعل الاحتلال ومرور" 16" عاماً على اخر حراك تنظيمي تمثل بنعقاد المؤتمر الخامس للحركة فكل هذه السنوات راكمت كادراً من الاجيال المصطفة والمتراصة داخل هذه الحركة تريد ان تأخذ دورها فيها وتنظر للديمقراطية كفرصة استثنائية ينبغي استثمارها ولن تحول دونها حتى القرارات التنظيمية وهذا يوصلنا الى نتيجة واحدة مفادها ان اي عودة للاسقاط هو درب من دروب الجنون الذي من شأنه ان يشظي الحركة ويقطع أوصالها ويجعلها نهباً للانقسام والتشرذم.
وقد يقول قائل ها هي حماس متماسكة دون حراك تنظيمي وهناك التزام معهود لدى اعضائها. قد يكون هذا صحيحاً والسبب يعود كون عمر حماس الزمني لم يؤهلها لتراكم القيادات والاجيال فعمرها لا يتعدى السبعة عشر عام لتشهد هذا التزاحم القيادي رغم ان بوادرها كادت ان تظهر لولا الاستهداف الاسرائيلي لابرز قياداتها عبر الاغتيالات والابعاد والاعتقال مع عدم اغفال بوادر الخلاف بين التيار المعتدل في الحركة والتيار المتشدد وما بين قيادت الداخل والخارج ايضاً.
في غضون ذلك تبدو حركة فتح وقد باتت بين فكي كماشة و"البرايمرز" يذكرنا بأنفلونزا الطيور والتي لم تكن لا على البال ولا على الخاطر لتجتاح العالم حالة من النقاش والتدارس والتحليل والصخب الإعلامي رغم أن عدد من قضى جراء هذا المرض لا يتجاوز عدد الموتى في حوادث السير ليوم واحد في دولة أوروبية.
أما المفصل الثاني من هذه الكماشة, فهو العودة الى الجنون تحت عنوان الترشيد بقرارات فوقية وهذا هو الجنون حيث ستفقد فتح الكثير من مناصريها واعضائها ويتكرر سيناريو البلديات بالقوائم المزدوجة المحسوبة على فتح فهل يملك المجلس الثوري والمركزية عصا سحرية لتصويب أوضاع الحركة التي أوصلوها الى ما هي عليه اليوم؟؟ أم أن شريك المغنم لا يكون شريكاً في المغرم؟!!
أم أن تحركاً لكادر الوطن لتدارك الأمور وانقاذ ما يمكن انقاذه سنشاهده مع الأيام القادمة في محاولة لوقف الاستنزاف والخروج بأقل الخسائر.