الحديث ذو شجون ** دروس اليورو ! بقلم - فايز نصار
نشر بتاريخ: 17/06/2008 ( آخر تحديث: 17/06/2008 الساعة: 17:57 )
بيت لحم - معا - قبل أيام ، أجرى أحد الزملاء الكرام لقاء موسعا معي ، حول بطولة أمم أوروبا ، التي تستضيفها مشاركة سويسرا والنمسا ... وكان الحديث عبر الهاتف ذا شجون ، وتناول مستوى البطولة ، ونتائج المباريات ، وأبرز المنتخبات والنجوم ، وأسباب الإقبال الجماهيري الفلسطيني على متابعة البطولة .
وكالعادة ، سألني مهاتفي عن المنتخب الأكثر ترشيحا ، للظفر بكأس اليورو ، فكان جوابي ، أن كل المنتخبات المشاركة مرشحة ، إلا تلك التي خرجت من البطولة بخسارتين متتاليتين ، مستدلا بمنتخب الدنمرك ، الذي لم يجد أوروبيا واحد يراهن بفرنك قديم على فوزه بلقب سنة 1992 ، لأن لاعبيه كانوا منغمسين في إجازاتهم على شواطئ البحر ، قبل مناداتهم على جناح السرعة ، لتعويض منتخب يوغسلافيا العتيقة ، الذي عوقب على خلفية الجرائم التي ارتكبها الصرب في البوسنة والهرسك !
أما الدليل الثاني ، فسقته من بلاد الغريق ، التي شكل فيها الألماني ريهاغل منتخبا ناطح الكبار ، وصنع الفرجة في لشبونة ، متحولا الى حصان أسود خطف الأضواء ، وتوج باللقب عن جدارة ، مفندا كل التكهنات المسبقة ... ولكن المنتخب الإغريقي لم يحافظ على تاجه الأوروبي ، وغادر البطولة الحالية في أيامها الأولى ، مؤكدا حقيقة أن المنتخبات الأوروبية لا تحافظ على لقبها مرتين متتاليتين ، في عالم اليويو !
المهم أن الزميل محيسن كان على وشك وداعي ، فقلت له قبل الفراق : هناك سؤال لم تسألني عنه ، ألا تريد أن تعرف العبر ، التي يمكن أن نستخلصها ، كشعب فلسطيني ، وكأمة عربية مسلمة من يويو سويسرا والنمسا ؟ فرد متلهفا : بلا !
فقلت له : فلسطينيا يجب أن نتعلم من منتخبات أوروبا درسا في حشد النجوم ، بعيدا عن الحسابات العرقية والأثينية واللغوية والدينية ... والمناطقية ، ولا أقصد هنا أن نسعى إلى تجنيس الغانيين والنيجيريين والمغاربة ، من الأشبال ، الذين تتضح معالم تألقهم مبكرا ، بل أقصد أن يشكل المسئولون لجنة خاصة من الفنيين الفاهمين ، لمتابعة تفاصيل الحياة الكروية للفلسطينيين ، في كل أصقاع العالم ، من ملبورن شرقا ، إلى بوغوتا غربا ، ومتابعة اللاعبين الفلسطينيين ، الذين ينتظر تألقهم في الملاعب ، وتجنيسهم وإشراكهم في منتخبات المراحل السنية ، حتى نضمن لهم الحق الفلسطيني ، في الدفاع عن قميص المنتخب الوطني ، قبل أن يخطفهم سماسرة النجوم !
إنها مجرد فكرة ، استفاد منها الفرنسيون ، الذين نالوا كأس العالم سنة 1998 ، بمنتخب كان كهيئة الأمم ، يضم نجما من كل قطر ، ضمن المجموعة الفرانكفونية ، من مستعمرات فرنسا القديمة .
ونحن كفلسطينيين نملك جالية فلسطينية تنتشر كالأكسجين في كل مكان ، وليس معقولا أن أكثر من خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات ، في بلدان تتنفس كرة القدم ، لا يستطيعون رفد منتخبنا بنجوم يقارعون منتخبات الجوار العربي والآسيوي ، ويعوضون تراجع مستوى اللاعبين المحليين ، في غياب المنافسات الرسمية ، ولنا في هذا المجال سابقة خيرة ، بنادي "بلاستينا" التشيلي ، الذي قدم لنا عددا من النجوم ، الذين لا يشق لهم غبار ، والذين لم نحسن استغلالهم كما ينبغي ، تماما كما أننا لم نحسن استغلال مكارم رجال الأعمال المادية ، وفي مقدمتهم تيسير بركات ، الذي ما قصر ..... !
أما عربيا وإسلاميا ،فلنا في أوروبا الكروية أسوة حسنة ، لأن الأوروبيين ، الذين طحنتهم رحى الحرب الكونية الثانية ، وجدوا في كرة القدم ملاذا آمنا ، ومنتدى للحوار الخلاق حول كل القضايا ، فسبق الرياضيون السياسيين في أمر الوحدة !
فبعد الحرب الكونية الثانية ، أدرك الأوروبيون بأن ألسنة اللهب يجب أن تبتعد عن بيوتهم ، وان الخلاف على قفة تراب هنا ، أو صفقة بندورة هناك ، لا يجب أن يفسد للود قضية ... فأثبتت كرة القدم أنها قادرة على تقريب وجهات النظر ، وجسر الهوة بين المختلفين !
على امتداد الأطلسي غربا ، وصولا إلى جبال الأورال شرقا ، يجلس الأوروبيون هذه الأيام أمام الشاشات ، مستمتعين بفنون نجوم متعددي الجنسيات ، مؤكدين الدور الحضاري للعبة الأكثر شعبية ، التي تحولت مبارياتها إلى مواسم عززت مشاعر الوحدة قبل تفتح تين السياسة ، وعنب الاقتصاد !
سنة 1956 انطلقت أعراس اليورو ، قبل سنة من التوقيع على معاهدة روما ، التي كانت النواة الأولى للوحدة الأوروبية ... حيث لعب الأوروبيون الكرة رغم انف جدار برلين ، وتجمعوا في مدرجات ملاعب ، لم يكن يطلب منهم لدخولها إلا تذكرة ببضع فرنكات ، بغض النظر عن الشعارات السياسية ، والصراع الإيديولوجي ، فعززت كرة القدم مشاعر الوحدة والانتماء المشترك ، رغم أن بعض الدول كانت غير مرتبطة بعلاقات دبلوماسية مع بعضها !
وشكلت هذه البداية الكروية قناعة راسخة لدى السياسيين ، الذين تسارعت خطاهم في ورشة البناء السياسي والاقتصادي ، فكانت معاهدة ماستريخت لسنة 1992 حول أوروبا المفتوحة لجميع الأوروبيين ، لتأتي اتفاقية بوسمان 1995 ، وتفتح أوروبا على مصاريعها أمام نجوم اللعبة الأوروبيين بلا حدود !
والنتيجة أن الأتراك العثمانيين ، غير المرغوب فيهم لدى شقر أوروبا ، أصبحوا لاعبين أساسيين في منتخبات النمسا وسويسرا ، ولم يفسد الأمر فوز الاتراك في عقر الدار السويسرية ، بهدفين لهدف ،كلها سجلت بأقدام أحفاد أتاتورك باشا ... وأن بولندا وأوكرانيا ، غير المنتميتين للاتحاد الأوروبي ، ستنظمان بالشراكة بطولة اليورو القادمة !
كما في السياسة والاقتصاد ، تبقى أوروبا إمبراطورية مفتوحة لكرة القدم في زمن العولمة ... فهل فعلت الكرة الفعل نفسه في بلاد العرب والمسلمين ، وغيرهم من سكان آسيا وإفريقيا ؟
والحديث ذو شجون