طفل من الخليل يواجه بجسده المحترق جبروت الاحتلال والقوانين الاسرائيلية الجائرة
نشر بتاريخ: 25/06/2008 ( آخر تحديث: 25/06/2008 الساعة: 18:01 )
بيت لحم- معا- كان جالسا في سيارة والده الذي قفز الى احد المحال التجارية لشراء بعض الأشياء وفجأة ودون مقدمات سمع دوي انفجار رهيب نتج عن صاروخ أطلقته مروحية إسرائيلية قصد ناشطا في الجهاد الإسلامي فأستقر في سيارة الطفل محمد الزغير ابن العشرة أعوام من سكان مدينة الخليل.
ومنذ ست سنوات ترفض الحكومة الإسرائيلية تمويل نفقات علاج الطفل الذي لا زال يعاني من حروق شديدة وإعاقة بنسبة 100% وبدلا من ذلك تعمل على اقرار قانون في الكنيست يعفيها من مطالبة الضحايا الفلسطينيين بالتعويضات.
وفي هذا السياق كتب الصحفي الإسرائيلي "موشيه رونين" قائلا بان محمد الزغير الذي يبلغ حاليا 16 من عمره لم يستطع المثول أمام لجنة الكنيست التي ستبحث خلال الأيام القريبة في قانون الانتفاضة الثانية.
زمن المشكوك فيه ان يكون قد نمى للطفل محمد الزغير نبأ إقرار القانون بالقراءة الأولى خلال جلسة الأسبوع الماضي هذا القانون الذي جاء بناء على اقتراح حكومي وسيحرمه نهائيا من أي إمكانية لترميم حياته المدمرة.
ومن الصحيح أيضا ان نفترض بان أعضاء الكنيست الذين سيبحثون القانون الجديد لم يسمعوا بمحمد الزغير لكنهم سيبحثون في قانون يعفي الدولة من أي التزامات للضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا خلال العمليات العسكرية ولم يكونوا جزءا منها.
صحيح ان القانون سيوفر مبالغ طائلة على ميزانية الدولة لكن يبدو ان أعضاء الكنيست وحين يبحثون في تفاصيلها لن يضعوا نصب أعينهم القصص الشخصية القاسية لمحمد الزغير وغيره من الضحايا الفلسطينيين الذين أصيبوا عن طريق الخطأ بنيران الجيش الإسرائيلي.
يوم الجمعة الموافق 5/4/2002 عاد محمد الزغير الذي كان حينها ابن العاشرة مع والده " أمين " الى منزلهم في ضاحية عين سارة وذلك في سيارة "البيجو" التي يمتلكها الوالد والتي امضي فيها محمد جل وقت فراغه لتعلقه بها حيث أحب الجلوس فيها وتنظيفها وتزيينها ومرافقة والده خلال سفره بها ليلعب ويلهو بداخلها أثناء قيادة والده.
دخل أمين لعدة دقائق فقط لأحد المحال التجارية وطلب من ابنه محمد ان ينتظره داخل السيارة " دخلت الى الدكان وتبادلت بضع كلمات مع ابني الكبير عبد الرحمن الذي كان يعمل في الدكان وحينها ودون سابق إنذار سمعت انفجارا رهيبا هز البناية وملا الدخان المكان وكنت مرتبكا ولم افهم ماذا يجري وبعد ثوان معدودة سمعت انفجاراً آخر وكان هو الآخر قويا جدا " وصف والد الطفل ما جرى.
وفقط بعد الانفجار الثاني استوعب أمين ماذا يحدث، واستطرد قائلا " ركضت باتجاه الشارع وهناك شاهدت سيارتي تلتهمها النيران ومحمد ابني كان داخلها وشاهدت النيران وهي تحرق جسده حاولت فتح أبواب السيارة لكنني لم انجح وابعدت بعض أجزاء الشمسية الخلفية التي تفجرت وحينها نجحنا نحن الاثنان بإخراج محمد من السيارة المحترقة ملابسه ،احترقت وكانت تشتعل وبكى محمد وصرخ من الألم حتى فقد الوعي".
بمساعدة عدد من الجيران ادخل محمد الى سيارة كانت مارة في الطريق وتطوعت لنقله الى مستشفى الأهلي ومن هناك تم تحويله الى مستشفى هداسا عين كارم حيث وضع الطفل ابن العاشرة في قسم العناية المكثفة وجرى تصنيفه كمصاب بحروق من الدرجة الثالثة في 85% من جسده حيث اختفى تقريبا كامل جلده وكذلك أصيبت كافة مفاصله وكف يديه وكتفه بجروح خطيرة جدا.
وخلافا لتوقعات الأطباء صمد محمد الزغير ونجا من الموت ولكنه لا زال وبعد ست سنوات بحاجة الى علاجات كثيرة ومتنوعة ، جسده تشوه ومنظره تأكل وهو يعاني من مشاكل في الاستيعاب ويجد صعوبة جمة في الحركة رغم انه خضع حتى الآن الى 60 عملية جراحية ، لكن طريق الشفاء لا زالت طويلة وقاسية.
قبل عدة سنوات توقف مستشفى هداسا عن علاج الطفل بعد ان تراكمت عليه ديون تكاليف العمليات بما يعادل 307 الف شيكل، ولأنه مواطن فلسطيني لذلك لا يتمتع بمزايا التأمين الصحي وتم إرسال الفواتير للعائلة التي قال محاميها ميرون كين " لو كان الأمر متعلقا بارهابي أصيب واعتقل لتمت معالجته على حساب الدولة ولكن الأمر يتعلق بطفل بريء ينتمي لعائلة لا علاقة لها بأي جريمة فقد حكم عليه بالإهمال لدرجة الإجرام".
طالبت مستشفى هداسا والد الطفل بدفع التكاليف وحتى اصدر ضده أمر تنفيذ لكن دون جدوى كونه لا يملك الأموال المطلوبة ولكن هداسا لم تيأس فتوجهت الى وزارة الدفاع وطالبتها بتسديد الديون الميتة، وفي عملية تسوية تم التوصل إليها قبل عامين دفعت وزارة الدفاع الدين الأساسي المترتب على علاج الطفل فيما تنازلت المستشفى عن الفوائد وغرامات التأخير، ولكن ومنذ ذلك الحين ترفض مستشفى هداسا استقبال محمد الزغير وترفض علاجه أو إجراء العمليات الجراحية المطلوبة .
بصيص أمل
...............
بعد يومين من محاولة الاغتيال التي جرت في شارع عائلة الزغير نشرت صحيفة "يديعوت احرونوت" خبرا مقتضبا تحت عنوان " جيش الدفاع أطلق صاروخا والمخرب نجح بالفرار من السيارة " وكتب المراسل روني شاكيد ان عملية اغتيال مطلوب كبير من الجهاد الإسلامي في مدينة الخليل قد فشلت بعد ان تمكن المطلوب من الفرار من السيارة".
وأضاف شاكيد بأنه ليس كل عملية اغتيال ينفذها الجيش تحظى بالنجاح ، حاول الجيش بالتعاون مع الشاباك تصفية ذياب الشويكي احد كبار قادة الجهاد الإسلامي في الخليل فأطلقت طائرة أباتشي صاروخين باتجاه سيارته لكن الشويكي لاحظ وجود الطائرة واستطاع الفرار من السيارة وأدت الصواريخ الى إصابة أربعة من ركاب سيارة أخرى وأصابت الشظايا طفلا آخر كان يلعب بالقرب من المكان.
الطفل المجهول هو محمد الزغير وفي محاولة من الأب للحصول على تعويضات مالية تمكنه من ترميم حياة ابنه واستكمال علاجه قرر أمين التوجه الى القضاء واستأجر خدمات المحامي " ميرون كين " الذي قدم للجنة الداخلية والقانون في وزارة الجيش طلبا لتمويل علاج الطفل محمد الزغير وحتى تلقى جواب من هذه اللجنة ستضطر العائلة الى الاعتماد على جمعيات ولجان خيرية أمريكية وسويديه التي تمول عمليات جراحية يحتاجها الطفل الزغير في مستشفيات مصر والسعودية حيث تتحول كل رحلة الى المستشفى الى رحلة شاقة تغص بالمصاعب خاصة وان والد الطفل محمد يصنف كخطر على الأمن الإسرائيلي خشية إقدامه على الانتقام لذلك تفرض علية السلطات صعوبات كثيرة خلال سفره مع ابنه من الخليل الى غزة ومن هناك الى مصر.
عام 2004 قدم الزغير مطالبة قانونية في المحكمة اللوائية في حيفا ضد دولة إسرائيل ووزارة الدفاع مطالبا بتعويضات وادعت الدولة إمام المحكمة بأنها غير ملزمة بدفع تعويضات للطفل محمد الزغير وأنها غير معنية بتمويل تكاليف معالجته ومع تقديم الدعوى وقع وزير الدفاع في تلك الفترة شاؤل موفاز على ما يشبه وثيقة تأمين تقضي بعدم اضطرار الجيش على الكشف أمام المحاكم تفاصيل تؤدي الى المس بأمن الدولة .
وحتى قبل ان يتم تقديم مرافعة الدفاع سارعت الدولة الى الطلب من المحكمة شطب الدعوى نهائيا.
وادعى احد كبار نواب المدعي العام لمنطقة تل أبيب المحامي " اهرون غال " الذي يمثل الدولة في قضايا تعويضات متعلقة بالانتفاضة بان الأمر يتعلق بعملية حربية لا يمكن طلب تعويضات على أساسها وقال غال بان الحادث وقع في منطقة مواجهات وهي جزء من الحرب الدائرة بين اسرائيل واعدائها .
وأضاف المحامي غال بأنه في حال اضطرت الدولة الى الدخول في عملية قضائية عادية تقضي بتقديم مرافعة دفاعية وإعلانات والتماسات فإنها ستضطر الى الكشف عن وثائق لذلك قدم اقتراح لتوفير وقت المحكمة التي أطالبها بإصدار قرار يقضي بعدم أحقية محمد الزغير بمقاضاة الدولة .
ولكن كاتبة المحكمة القاضية حني هوروفيتش لم تتأثر من ادعاءات المحامي غال ورفضت طلب الدولة ما اجبر المحامي غال على الاستئناف الذي بحثه هذه المرة نائب رئيس المحكمة اللوائية غدعون غنيت الذي رفض الطلب مرة أخرى فيما أكد قضاة المحكمة بان ادعاءات الدولة تستند على الوثائق لذلك يجب استيضاحها في المحكمة .
وفي أعقاب هذا القرار وجدت الدولة نفسها مجبرة على تقديم ادعاءاتها المفصلة واعترف المحامي غال كتابيا بأنه في اليوم الذي أصيب به محمد عمل الجيش الإسرائيلي جولة وان هدف العملية كان ذياب الشويكي ناشط كبير في الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وكان متورطا في إرسال " إرهابيين " ارتكبوا عمليات دامية داخل إسرائيل من بينها العملية في التلة الفرنسية .
وأضاف غال بان العملية نفذت جوا لأنه لم يكن هناك احتمالا لتصفية الشويكي إلا بهذه الطريقة وفي المكان الذي تواجد به .
وفيما يتعلق بالادعاء بان هذه العملية تشكل خطرا على حياة الناس رد المحامي غال بالقول " ان عمليات اغتيال من هذا النوع التي تهدف الى إنقاذ حياة البشر لا يتم القيام بها الا كخطوة استثنائية حين تقرر الأجهزة الأمنية عدم وجود خيار آخر أمامها لذلك يجب قياس هذه العمليات من باب المقارنة بين الفوائد العسكرية المرجوة منها و احتمالات إصابة الأبرياء ".
ورد المحامي كين عليه بالقول بان العملية التي تمت في حي سكني مكتظ مع احتمالات إصابة الأبرياء المرتفعة خرجت عن القواعد المسموح بها خلال الحروب لذلك فان الدولة غير معفية من دفع التعويضات لطفل أصيب رغم انه لم يكن على علاقة بأية عمليات " إرهابية " ان الطفل الزغير الذي بقي معاقا بنسبة 100% لم يحظ نهائيا بأي اهتمام خلال المرافعات التي قدمتها الدولة للمحكمة وكذلك الأسئلة المتعلقة باستمرارية العلاج الطبي لم تظهر نهائيا في مرافعات الدولة الدفاعية والسؤال الأخلاقي وحتى وان لم يكن من باب القانون يبدو انه لا يعني دولة اسرائيل في شيئ .
نجحت ممثلة الدولة التي فشلت في منع قيام المحكمة بمنع نشر أخبارها في وسائل الإعلام تحت ذريعة الحفاظ على امن إسرائيل حيث قررت المحكمة اللوائية عام 2004 إجراء المحكمة خلف أبواب مغلقة مع حظر نشر أية تفاصيل تتعلق بالدعوى التي رفعها الطفل محمد الزغير ضد دولة إسرائيل.
لكن ملحق "24 ساعة" الصادر عن صحيفة "يديعوت احرونوت" لم يسلم بالأمر وتوجه للمحكمة بطلب السماح بنشر القصة معللا طلبة كون مبادئ حرية التعبير وقانون علنية المحاكمات تلزم باطلاع الجمهور على تفاصيل الدعوى القضائية التي أقامها محمد الزغير وبعد مداولات أجراها القاضي عادي زرينكين وافق على الاتفاقية التي بلورها محامي الصحيفة يارون حنان و ممثل الحكومة اهرون غال والقاضية بالسماح بنشر أجزاء من القضية ومجريات المحاكمة رغم عقدها خلف أبواب مغلقة على ان لا تمس الأجزاء المنشورة بالأمن الإسرائيلي.
الآن قد تنجح الحكومة في التهرب من التزاماتها اتجاه الطفل محمد الزغير بطرق أخرى عبر قانون الانتفاضة الثانية علما بان الحكومة حاولت عام 2006 تمرير قانون مشابه إلا ان المحكمة العليا ألغت وجوده بناء على التماسات قدمتها منظمات حقوقية حيث قال قاضي المحكمة العليا في حينه اهرون باراك " رغم ان القانون قد يوفر على خزينة الدولة ملايين الشواقل ويشكل حماية للحكومة أمام طلبات التعويضات لكن ليست كافة الطرق مشروعه وعادلة لتحقيق هذا الهدف " وأوضح القاضي بان المصابين بإصابات خطيرة سيتحولون الى معاقين ما سيلحق أضرارا كبيرة بقدرتهم على الارتزاق وتوفير العيش الكريم وقرر بان قانون الانتفاضة يتعارض مع القانون الأساسي المتعلق بكرامة وحرية الإنسان .
وسيجد أعضاء الكنيست أنفسهم خلال أيام قليلة مرة أخرى أمام السؤال الأخلاقي المتعلق بحدود مسؤولية دولة إسرائيل عن إصابة المارة الفلسطينيين غير المتورطين بأي عمل أو فعل مخالف للقانون مثل محمد الزغير الذي لم يقم بشيء سوى انتظار والده داخل السيارة في الوقت والزمان الخطأ .
وجاء في رد مستشفى هداسا عين كارم ردا على ما ورد بالتحقيق الصحفي ان الطفل محمد الزغير تلقى العلاج في المستشفى دون مقابل لفترة طويلة مثلما نعمل في حالات فلسطينية كثيرة وان الديون المتراكمة بدلا عن العلاج والمبيت في المستشفى غطت وزارة الدفاع جزءا منها اضافة الى مبلغ 10 الف شيكل حولتها الوزارة لتغطية علاجات أخرى فيما غطت المستشفى بقية الديون ".
لا أريد شيئاً من دولة إسرائيل سوى إكمال علاج طفلي
.........................................................................
ما زال أمين الزغير يحمل دولة إسرائيل مسؤولية ما حدث لطفله محمد ، مطالباً إياها بالعدول عن قرارها بعدم استكمال تقديم العلاج له .
وأضاف أمين " ست سنوات مرت لم نذق فيها طعم الراحة ليوم واحد ، أيام وشهور طويلة من الألم والعذاب ، حياتنا متوقفة منذ ذلك التاريخ ، وكأن الصاروخين اللذين أطلقتهما طائرة الأباتشي لم تضرب طفلي فقط ، بل ضربا عائلتي بأكملها ، لا نريد الصعود للقمر ، لا نريد أي شيء سوى تقديم العلاج اللازم لطفلي .
ويأمل الزغير ان تحكم المحكمة الإسرائيلية والتي ستنعقد بتاريخ 6/7/2008 ، ان تحكم لصالح طفله وتلزم مستشفى هداسا بتقديم العلاجات اللازمة وترميم حياة طفلي المدمرة.