السبت: 05/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

محمد المغير .. كشف للعالم معاناة الفلسطينيين ... فجردوه من ملابسة وعذبوه بطريقة وحشية

نشر بتاريخ: 18/07/2008 ( آخر تحديث: 18/07/2008 الساعة: 13:57 )
غزة-معا- ابراهيم قنن-كان وحيدا في غرفته، يجلس صامتا، شارد الذهن، لا يقوى على الكلام أو الحركة، من شدة الألم، الذي لحق به نتيجة التعذيب الذي تعرض له .. وكان واهناً حزيناً يسترجع بمرارة لحظات مؤلمة وقاسية .. عاشها مع التنكيل والإذلال والاهانة، التي فاقت مقدرته جسده على التحمل، وقدرته على التصور، والتي كانت أشبة بمعاناة ستين عاما من حياة الشعب الفلسطيني !

وكان واثقاً أن مهنته كصحفي اشتهر على المستوى الدولي، بكتابته الإنسانية عن معاناة المواطنين الأبرياء، المسحوقين تحت وطأة الفقر والظلم والحصار المشدد !! ربما ستشفع له من أي ممارسات عنصرية قد يرتكبها الاحتلال.

لكن؛ توقعاته ذهبت أدراج الرياح بعد ساعة قضاها، في مقر المخابرات الإسرائيلية على جسر الكرامة، ليصبح أحد ضحايا تلك الممارسات التعسفية، واللانسانية، التي كتب عنها بجدارة للعالم.

التربص بالفريسة:
الصحفي محمد " المغير" الحاصل على جائزة «Martha Gelhorn Journalism Prize 2008» العالمية، عن مجموعة قصص إخبارية نشرها في مجلة "تقرير واشنطن لشؤون الشرق الأوسط الأميركية"، وفور عودته من لندن بعد جولة قضاها في معظم الدول الأوروبية، التي استضافته للحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني، فوجئ بمعاملة فجة، وغير إنسانية من قبل ضباط مخابرات إسرائيليين كانوا ينتظرونه في المطار وكأنهم ينتظرون فريستهم !

وقال " المغير " أن أول ما سئل عنه من قبل رجال المخابرات، هل أنت صاحب الجائزة ؟ فأجبتهم بنعم ، ثم أدخلوني مباشرة إلى إحدى الغرف، وقاموا فورا بتجريدي وتعريتي من كافة الملابس بطريقة همجية ! ترفضها كافة الأعراف الدولية والمواثيق الإنسانية ذات العلاقة بحقوق الإنسان، ثم ما لبثت أن بدأت عملية الاستجواب والتعذيب الإنساني والجسدي الذي فاق قدرتي الجسدية والعقلية حتى سقطت مغشيا على الأرض من شدة الضرب والالم !!

لقد أصبت بحالة ذهول مما يجري، حاولت إقناع نفسي أن المقصود ربما شخص آخر.. وربما هناك ثمة تشابه أسماء أو ما شابه .. لكن ؛ تكرار سؤالهم عن الجائزة الصحفية، التي حصلت عليها، وطبيعة اللقاءات التي أجريتها في اليونان وهولندا والسويد،... وغيرهما من الدول الأوروبية، قطعت الشك باليقين، أن المقصود من عملية التعذيب والتنكيل هو أنا بذاتي وبصفتي وليس احد سواى، وأيقنت أني مقبل على ساعات سوداء مؤلمة من حياتي، لن تمحوا من ذاكرتي ما بقيت حيا !

ثمن الجائزة :
وأوضح " المغير" أن محققي المخابرات، كانوا الحكم والجلاد والقاضي الذي يقرر الحكم " فكانت الضربات واللكمات، تنهال، على بطريقة مؤلمة جداً ، لقد " ضربوني بكل شيء ، بأيديهم .. بأرجلهم ، وفي كل مكان في جسدي لم يبقى جزءً من جسدي آلا وضربت علية بقسوة ، حتى الأماكن الحساسة لم يستثنوها وضُربت عليها بلا رحمة ، وتعمدوا اهانتي والاستهزاء بي".

يصمت محمد قليلاً... ثم يقول بحزن شديد " لقد داسوا على رقبتي بأحذيتهم، وأشهروا السلاح في وجهي، وهددت بإطلاق الرصاص "وقالوا لي يجب" أن تدفع ثمن الجائزة التي حصلت عليها ، وعليك دفع فاتورة العمل في الصحافة، فكل صحفي يجب أن يدفع ثمن " !

معاقبة ضحايا الحصار ُ:
جمع " محمد " ، بقايا قوته ولملم افكارة المتناثرة ، قبل أن يطلق تنهيدةٍ طويلة ؛ وقال " برغم شدة الألم وقسوة المعاملة التي تعرضت لها ؛ إلا أن أكثر ما المني أثناء عملية التعذيب، هي تلك الصور التي مرت بذاكرتي وأولئك المواطنين البسطاء ضحايا الحصار المشدد الذين كتبت عنهم !!

شعرتُ حينها أن الاحتلال يُعاقب الضحايا مرتين.. لتفوقها عليه وحصولها عن تقدير واحترام العالم .. فحاول أن يمرغ انفها في التراب- بتعذيبي- ، وكأنة يقول للعالم أن هؤلاء البؤساء المحاصرين في اكبر سجن في العالم.. لن يكون بإمكانهم الحصول على تقدير العالم واحترامه وإعطائهم الجوائز ، بل جُل ما يستحقونه هو التعذيب والتنكيل والإبادة !

ويتساءل "المغير"، كيف يمكن للعالم أن يقبل بموت الأطفال والمرضى دون أن يتمكنوا من السفر للحصول على العلاج الطبي لإنقاذ حياتهم ؟ وكيف يصمت عن الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين العزل الذين يقاسون ضنك الحياة ومشقتها في ظل الحصار المفروض على مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون جميعا حياة بؤس وتشرد ؟

استهداف الصحافة:
تعمدت دولة الاحتلال استهداف الصحفي الفلسطيني، بشتى الطرق والوسائل، سواء بالتضييق، أو إطلاق الرصاص، او الاستهداف المباشر من خلال عمليات القتل المتعمد للعاملين في قلب الميدان لنقل الحقيقة المجردة.

ولقد أكد الصحفيين الفلسطينيين بالمقابل أنهم مناضلون حقيقيون في ميدان العمل الصحفي، واستطاعوا بنجاح ملفت ، نقل الرسالة الصورة الحقيقية لمعاناة شعبهم ، وفضح ممارسات دولة الاحتلال، مما اغضب الاحتلال ومؤسسته السياسية والأمنية، فكان لا بد من اتخاذ إجراءات قمعية بحق الصحفيين وتكبيل حريتهم وقمعهم واستهدافهم ، فسقط منهم الشهداء أمثال : نزية دروزة، عصام تلاوي، والصحفي البريطاني جيمس ملير، عماد ابو زهرة ، محمد البشاوي، عماد القطناني، فضل شناعة ، وغيرهم من شهداء الحركة الإعلامية، بالإضافة إلى عشرات الصحفيين الذين تعرضوا للإصابة والملاحقات والزج بهم بالسجون بتهمة نقل الحقيقة .!

لقد دفع الصحفيين ثمنا باهظا من حياتهم، وكرامتهم ،من أجل إيصال رسالتهم التي يؤمنون بها، ولن يتخلوا عنها مما كان الثمن باهظا ومؤلماً. كما يقول المغير الذي ينتظر إجراء عملية جراحية نتيجة التعذيب.