الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحديث ذو شجون أولمبياد فلسطين ! **** بقلم فايز نصار

نشر بتاريخ: 04/08/2008 ( آخر تحديث: 04/08/2008 الساعة: 22:13 )
بيت لحم -معا - في مثل هذه الأيام ، قبل ست عشرة سنة ، كانت أنظار كل العالم متجهة إلى عاصمة الكاتلونيين برشلونة ، التي نجح ابنها الوفي خوان أنطونيو سامرانش في دفعها إلى الواجهة ، بمنحها فرصة تنظيم الألعاب الاولمبية ، مما لفت أنظار كل الناس إلى المدينة المنسية ، التي تكظم غيظها السياسي ، ولا تجد متنفسها إلا في فريقها الكروي ، الذي نجح في فرض نفسه غريما لدودا ، طالما تمنى أنصار الملكي أن يبتلعه بحر الظلمات !

يومها كنت منهمكا مع الزميل الأستاذ عزالدين ميهوبي في الإعداد لإصدار صحيفة صدى الملاعب الرياضية ، وكنا نسابق الزمن ، ونحاول حرق المراحل ليصدر العدد الأول قبل انطلاق المحفل الأولمبي.

أذكر أن بدايتنا كانت في مدينة سطيف الجزائرية ، وأذكر ان الميهوبي قرر الدخول إلى الميادين الرياضية ، بعد عتب سياسي جعله يحف بالطلاق الجزائري البائن بترك السياسة ، بعد أن كان رئيسا لتحرير كبرى صحف بلد الشهداء "الشعب" .. ولكن لقاء سياسيا مع التونسي راشد الغنوشي أنجب استدعاء أمنيا لم يرق للميهوبي ، فيمم صوب الصحافة الرياضية !

يوم انطلاق صدى الملاعب لم نكن نملك إلا طاولة وأربعة كراسي ، ومقرا في ضاحية موغلة بالشعبية ... ويومها لم نكن نملك كادرا قادرا على إصدار صحيفة رياضية ، في بلد يتفوق فيه المستوى الفني لكل الرياضات كثيرا ، على مستوى التقارير الرياضية ، وخاصة بلغة الضاد !

أذكر يومها أن "أبا أصالة" عز الدين ميهوبي اختار أن يكون العداء نور الدين مرسلي مفتاح السعد لصدى الملاعب ، ويومها كان مرسلي ملأ الدنيا بالبطولة ، وشغل الناس بالوعي والإبداع ، وضمن مع زميلته حسيبة بولمرقة مكانته باهت الجزائر بها العالمين .. ولان الفكرة كانت بان لا تكون صدى الملاعب عملا تقليديا ، كان المزج بين الرياضة والسياسة على أعمدة صدى الملاعب ، وكان العدد الأول إعدادا لمباريات الدوري بين الأحزاب الجزائرية ، التي كانت تستعد لخطوات التعددية الأولى ...

يومها أجريت لقاءا مع الصحفي الذي أصبح وزيرا ، وهو الآن مديرا عاما لتلفزيون الجزائر ، حمراوي حبيب شوقي ، وكان الحديث مع شوقي ذا شجون ، وكانت الأسئلة غير تقليدية ، عن الرياضات التي يختارها لزعماء العرب لو مثلوا بلدانهم في أولمبياد برشلونة ، وعن المهام السياسية التي يمكن أن توكل لمشاهير الرياضة .

يومها جلست مع ميهوبي على طاولة وخضنا تجربة - لا أدري إن خاضها غيرنا - فكتبنا موضوعا غريبا ، تعاونا في إعداده على طرقة الدويتو ، تماما كما فعل شاعرنا محمود درويش ، ورفيقه معين بسيسو في رسالة إلى جندي إسرائيلي كتباها في بيروت المحاصرة ... كان الموضوع الذي طرقته وميهوبي حول عنترة بن شداد ، تناقلته وكالة أنباء عبس ، وملخصه أن عنترة يجوب بلاد العرب لإعداد فريق عربي واحد يمثل أمة الرسالة الخالة في برشلونة ، وبين فصول الحكاية العنترية اتفاق على كل شيء قبل أن يختلف العرب " الذي اتفقوا على أن لا يتفقوا" على الراية ، وصار كل رياضي عربي يقدم أوراق راية بلاده ... بين راية تحمل الشهادتين ، وراية تحمل التكبير الخالد ، وثالثة عليها الهلال والنجمة .. فضاعت الطاسة ، واختلط الحابل بالنابل !

ولكن ما هو نصيب فلسطين العزيزة في العدد الأولى من صدى الملاعب ، انه دموع احتبست في مقلتي ومقلة ملايين الفلسطينيين ، والمتعاطفين معهم لان الراية الفلسطينية لن تمر في حفل الافتتاح ، ولان راية الدولة العبرية ستحظى بالتصفيق من قبل الكاتلونيين وضيوفهم من كل القارات .. يومها كانت انتفاضة الحجارة مستعرة ، على أنغام نزار قباني ، التي تغنت بأطفال بهروا الدنيا ، وما في يديهم إلا الحجارة ، ويومها كان أطفال غزة يعلمون كل الناس إبداع الانتفاضة كما اعترف الشاعر الدمشقي ، ويومها كان الرماة الفلسطينيون يبدعون في حربهم التي تحولت إلى تقليد مجده كل الشرفاء .. فكان المقال الذي اعتبره جزءا مني " لا تنسوا الرامي الفلسطيني ، الذي صنع المعزات " ويومها افترضت أن رياضة "رمي الحجارة" ستضاف إلى فعاليات الاولمبياد ، مما سيبشر بميدالية ذهبية فلسطينية ، لن ينازعنا في أمرها منازع !

ومع ساعة الصفر في برشلونة ، كانت فرق الأحلام تتنافس في كل الرياضات ، وكانت صدى الملاعب تغزو السوق مبشرة بإعلام رياضي جزائري ، يكتب بالعربية ، ويجد صدى واسعا من سوق أهراس على حدود تونس ، إلى وجدة على حدود المغرب ، وكانت بداية أنجبت للجزائر عشرات الإعلاميين الرياضيين ، الذي فهموا الرسالة ، وقدموا إبداعات فاقت تصوري ، وفاقت أيضا ما توقعه الميهوبي .!

تلك كانت مرحلة من حياتي الرياضية ، قبل عودتي إلى أرض الوطن ، بعد إعلان قيام السلطة الوطنية على ارض الوطن ، ولكن اللقاء جمعني بالميهوبي مرة أخرى في إذاعة الجزائر الدولية ، التي يعمل مديرا عاما لها ، بعد تقلده عشرات المناصب ، ليس أقلها عضوية مجلس الشعب ، ورئاسة الاتحادين الجزائري والعربي للكتاب والشعراء .. واليوم أتذكر الشاعر الميهوبي ببيت شعري يختصر كل شيء أشتقه من رائعته الفلسطينية " حجر لمجد الشمس"

الشمس آتية وإن شحّ المدى والأرض عائدةٌ على مهر الدمّ!

والحديث ذو شجون



[email protected]