عن الطموح المسفوح .. والاستقلال المجروح ..والمعبر المفتوح !ّ! بقلم :رشيد شاهين
نشر بتاريخ: 16/11/2005 ( آخر تحديث: 17/11/2005 الساعة: 00:30 )
بمزيد من الريبة، والشك، استقبل الشارع الفلسطيني ، التصريحات الصادرة عن اكثر من مسؤول في السلطة الفلسطينية ،حول الاتفاق الذي تم بموجبه افتتاح معبر رفح اعتبارا من الخامس والعشرين من الشهر الجاري،عقب مفاوضات وصفها المسؤولون الفلسطينيون بالشاقة حسمها تدخل وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس.
ولعل مشاعر الشك ، التي تنتاب ،الشارع الفلسطيني ،ازاء تصريحات المسؤولين الفلسطينيين, لم يأت على خلفية نزوع ،او ميل فطري، لممارسة الشك، بقدر ما هو شك نابع من صورة نمطية، كرستها تصريحات لهؤلاء المسؤولين ،خلال تجارب مماثلة سابقة، لم يتمتعوا فيها بالوضوح، والشفافية الكافيين.
فما أن تهدأ الزوبعة، وتخضع الاتفاقات للتنفيذ على الارض، حتى تنفجر عشرات علامات الاستفهام حول التفاصيل، الي يكمن فيها الشيطان ،لنجد انفسنا بحاجة لاتفاقيات لاحقة، تفسر الاتفاقيات السابقة،وليس اوسلو عن ذلك ببعيد .
فلم تعد التصريحات الرنانة ،ورفع اشارات النصر امام الكاميرات ،تخدع المواطن الذكي، الذي خبر زيف تلك الاستعراضات غير المجدية ،والتي لاتزيل حاجزا، ولا تطعم جائعا ،ولا تداوي مريضا ،ولا تحرر اسيرا، ذلك ان فتح معبر رفح ،وضمان حرية الحركة عليه، كان تحصيلا حاصلا ،لانسحاب الجيش الاسرائيلي من قطاع غزة ،وهو الانسحاب الذي تم التهليل له كثيرا، باعتباره انتصارا ،وفتحا عظيما، ليتبين بعد ذلك ،انه مجرد اعادة انتشار ،واحتلال من الخارج اقل كلفة، واخف ضررا.
فالمواطن الفلسطيني، يعتقد ان انسحاب شارون من قطاع غزة ،لم يات على خلفية تحول في ذهنية الجنرال العجوز ، او تخليه عن عقيدته العسكرية التي طالما صاغت فكره وسوكه،او لأنه هكذا فجأة ، تحول الى حمامة للسلام ,تهدل بالهدوء وتبشر بالسلام في ربوع المنطقة , لتنهي حالة الوقوف على الراس, المتواصلة منذ عقود من الزمن ، كما ان شارون لم يفعل ذلك من أجل عيون الشعب الفلسطيني , وقد قال ذلك صراحة عشية الانسحاب الاسرائيلي من القطاع , حيث أشار الى أنه ليس بامكان اسرائيل أن تبقى فارضة سيطرتها على مليون ونصف المليون فلسطيني, حيث يتضاعف هذا العدد كل عشر سنوات، وهذا ما لا يمكن لاسرائيل ان تتحمله.
فانسحاب شارون من القطاع حقق له إنجازا عظيماً، على مستوى العلاقات العامة والدولية ، حظي جراءه باشادة كل قادة الدول الغربية، والعربية والاسلامية, واستطاع أن يحصد بسرعة كبيرة ثمار خطوته ،من خلال علاقات دبلوماسية ، مع الباكستان ،وتركيا ودول شرق آسيا،واخيرا وليس اخرا تونس،والحبل على الجرار .
لقد كان بامكان المفاوض الفلسطيني لو تسلح بالعناد، أن يجبر اسرائيل على فتح معبر رفح بدون أي رقابة أو غيرها , لأن العالم بدأ يدرك أن الخطوة الاسرائيلية (الأنسحاب من القطاع ) غير كاملة , وأن غزة وبدلاً من أن تتحرر أصبحت سجناً كبيراً , وانه اذا ما استمر الأمر كذلك , فان الانجاز الذي حققه شارون بانسحابه من غزة ،سوف يتحول الى فضيحة سياسية أمام العالم، ولأن كل انسحاب اسرائيلي انما هو مكفول من خلال المواثيق،الدولية وهو حق كان من المفروض الحصول عليه قبل سنوات , وانه انما اتى متأخرآ بسبب اصرار اسرائيل وتعنتها.
ويتساءل المواطن الفلسطيني لماذا يجب ان يكون الاتفاق مؤقتا ،وتتم اعادة النظر فيه بعد عام ؟ بل ويراهن البعض على ان اسرائيل، ومنذ اللحظة الاولى التي سيتم فيها البدء بالعمل بالاتفاق , سوف تعمل ليل نهار , ولن تترك شاردة ولا واردة , الا ودرستها لتستفيد من الاخطاء وتأخذ العبر, ولمعرفة اين كان الخلل هنا واين كان الخطأ هناك , لتأتي بعد عام وتقول ان الاتفاق يجب ان يتم بهذه الطريقة او تلك, وعندها سيكون الطرف الفلسطيني قد ألف نوعآ معينا من حرية الحركة , ونمطية الحياة وربما سهولتها , هذا الطرف الذي سوف ينام ليله الطويل، لانه يعتقد انه حقق انجازآ تاريخيآ وانتصارآ لا يضاهى , والذي لن يخوض لا في دروس التجربة ولا في أخذ العبر, عندئذ سيوقع على اي اتفاق وضمن الشروط التي لا بد ستكون كما هي الآن، لصالح الطرف الاسرائيلي , خاصة وان الطرف الفلسطيني سيبقى هوالطرف الأضعف في المعادلة.
لماذا العجلة, لقد ظلت غزة تحت الاحتلال لمدة 38 سنة؟ فلم اذن كل هذه العجلة في توقيع الاتفاق؟ و ماذا يضير لو بقيت تحت الاحتلال عاما اخر ؟ما المانع, ولماذا لا يتم احراج اسرائيل سنة احرى؟ الم يهدد ولفنسون بالعودة والانسحاب من المحادثات , وهو الذي كما قالت وسائل الاعلام، وضع اللوم كله على الجانب الاسرائيلي, لماذا يتم اعطاء فضل آحر لكونداليزا رايس، وهي التي ما فتئت تضع اللوم على الطرف الفلسطيني.
ولماذا الانجرار وراء اسرائيل التي طالما حاولت تقزيم الطموح الفلسطيني بالحرية والاستقلال الى حوار طرشان، حول معبر فيه رقابة اوروبية واسرائيلية, واين الحق في السماء، والمياه الاقليمية؟ ما هو مداها ، و كم هو عمقها ؟ وهل هناك حق فلسطيني في تلك المياه وتلك الأجواء ؟ و كم هو حجم هذا الحق ؟
اين هو الممر الحر الآمن الواصل بين جناحي الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة ؟ واين هي تلك الوفود التي تبحث شؤون عودة فلسطيني سوريا و/ او لبنان والذي كثر الحديث عنها في الشهرين الآخيرين؟
ان اسرائيل نجحت ولا تزال في تقليص الطموح الفلسطيني الى المدى والسقف الذي تريد.
لسنا هنا بصدد التشكيك في اي انجاز فلسطيني مهما كان حجمه, انما, هو الشعور بالحسرة والآسى على ما وصل اليه الوضع الفلسطيني , وعلى هذا التقزيم الذي لا ينتهي في كل مرة يتم التفاوض فيها مع الطرف الأسرائيلي، في نفس الوقت الذي يحتفل فيه الشعب الفلسطيني بإعلان الاستقلال الذي أتى متزامنآ مع الذكرى السنوية الاولى لرحيل القائد ياسر عرفات ،الذي لم يتردد يوما في رفض كل ما هو اقل من عودة كاملة لما تم احتلاله في حرب حزيران عام 1967 في محادثات كامب ديفيد وقد كان قاب قوسين او ادنى من تحقيق الحلم .