على أثير صوت فلسطين:الأبنودي يرثي درويش من على سرير المرض والفرا وجويدة يتباريان في عزف نشيد البحر
نشر بتاريخ: 16/08/2008 ( آخر تحديث: 16/08/2008 الساعة: 17:01 )
رام الله-معا- في لقاء نادر من نوعه على أثير صوت فلسطين عزف الأبنودي والفرا وجويدة نشيد البحر في رثاء الشاعر الراحل محمود درويش.
وكان صوت فلسطين وفي برنامج خاص بعنوان " درويش نشيد البحر " استضاف ظهر أول امس الخميس عمالقة الشعر العربي، وعلى رأسهم الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي إلى جانب الشاعر السوري عمر الفرا والمصري فاروق جويدة، فضلا عن مشاركة الفنانة المصرية القديرة فردوس عبد الحميد.
وكانت أولى لقاءات البرنامج مع الشاعر المصري فاروق جويدة، الذي قدم واجب العزاء للأمة العربية بأكملها، قائلا إن عزاء محمود درويش ليس فقط لاشقائي في فلسطين، لان عزاء درويش هو عزاء لامة كاملة، أحبت هذا الشاعر وارتبطت به قلبا ووجدانا وعمرا وتاريخا، مشيرا إلى أن خسارة درويش ليست فقط للشعب الفلسطيني وإنما لكل بيت عربي.
وفي معرض اجابته على تسأل أحمد زكارنة معد ومقدم البرنامج عن رؤيته لمحمود درويش بعد ان غادرنا تاركا خلفه هذا الارث الكبير من الادب والشعر؟. قال جويدة إن درويش قامة شعرية لا نزاع ولا خلاف عليه، مفسرا قوله إننا حينما نتحدث عن الشعر وعن الشاعر فإننا نتحدث عن محمود درويش الذي عاش من اجل وطنه ومات من اجل حريته، ما يذكرني بتلك الابيات التي كنت قد كتبتها في رثاء الراحل الكبير ياسر عرفات وما أشبه اليوم بامبارحة حيث قلت في وداع عرفات واليوم اعيد في وداع درويش:
وطني الذي يوما جننت بحبه
مازال حلمي، قصتي، مأساتي
قد عشت احلم أن أموت بأرضه
ويكون أخر ما طوت صفحاتي
وقال فاروق جويدة الذي قرأ القصيدة كاملة، هذا هو محمود درويش الذي ارتبط بالارض وارتبط بالتاريخ، وارتبط بالشعب، عاش مدافعا عن حق شعبه في أرضه وترابه، وعاش مدافعا عن قضية هي أم القضايا العربية، هي الحلم الذي عشنا له وسوف نموت من أجله، هي القدس هي فلسطين، هي هذا الشعب العظيم الذي صنع اسطورة في الدفاع عن حقه، فإن امثال محمود درويش لا يموتون لان الرموز لا تموت، فقد تتغير الاحوال ويتغير الزمن، ولكن الشاعر محمود درويش سيبقى في ضمير هذه الامة أغنية من أغاني النضال، ورحلة مع الكلمة الجميلة والشعر الصادق الأصيل، فأن خسارتنا في محمود درويش خسارة كبيرة لا تعوض ولكن الذي يعوضنا هو أن محمود درويش اغنية شعب، وقضية أمة، وتاريخ إنسانية.
وردا على تساؤل المذيعة ختام الديك التي شاركت في البرنامج حول قراءته لما أبدعه خيال محمود درويش من قصائد في الحب ؟. قال فاروق جويدة: أنا أرى أن كل ما كتب دوريش في النضال، قصائد حب، وكل ما كتب في فلسطين هو قصائد حب، وكل ما سطره درويش من مناجاة لهذا الوطن السليب وحلم في العودة إليه وإيمان بمستقبله كل هذا كان قصائد حب، فإن محمود درويش كان اغنية حب سطرت تاريخها بالدم والمشاعر والصدق، ولهذا انا أعتبر أن كل ما كتب درويش هو اغينة حب، وهو لا يندم ابدا أنه كتب شعرا للنضال، لان هذا النضال كان في حقيقته قصائد حب لوطنه.
عمر الفرا:
أما الشاعر السوري الكبير عمر الفرا فرد على سؤال المذيعة رزان أبو زنط المشاركة الثالثة في البرنامج هل أستطاع شاعر فلسطين محمود درويش بقصائده التي شغلت الدنيا ان يبلغ رسالة القضية الفلسطينية للعالم؟.
قال الفرا: لقد كان درويش مالئ الدنيا وشاغل الناس، خرج من اسرة بسيطة، ومن قرية بسيطة، وبعد فترة قصيرة أصبح صوته ملئ فلسطين على كل لسان من عشاق المقاومة، ورفض الاحتلال والظلم، وما هي إلا فترة اخرى قصيرة حتى اصبح صوته في كل الوطن العربي يرددون شعره في كل تجمع شعبي، في المدارس، والصحف، والمجلات، والإذاعة، والتلفزيون، حتى أصبح رمزا من رموز فلسطين الحبيبة، ولم يمضي طويلا حتى أصبح اسمه وصوته يغطي العالم بأسره، بجانب أصوات الثوار العالميين من امثال بابلو رينودا ، وجيفارا، ومانديلا، وناظم حكمت، وفيدل كاسترو، إلا أن درويش كان نسيجة واحدة، فهو بحق كان رجل في أمة، وامة في رجل، فأننا إعتدنا على أن فلسطين خصبة التراب، وذكرية المولد ورحما ولودا، لنا موعد معها دائما على انجاب للعباقرة والثوار والشعراء، فلن تمضي فترة طويلة حتى نسمع باصوات شابة علمها محمود درويش لتصبح ملئ الفضاء العالمي فسلام عليك يا محمود طبت حيا وميتا لقد اصبحت فينا حلما جميلا، نود ان لا نفيق منه فلنا موعد معك في تحرير كل ارضنا، وكل شبر من ترابنا المقدس فلسطين وكأني بالشاعر يعنيه عندما يقول:
متوكد منه الزمان وربما كان الزمان بآخرين بليدا .
مشيرا إلى أن روح درويش باقية بقاء الدهر، فإن صوت درويش هو ملأ اذاننا العربية، نسمعه في كل يوم بآذاننا بأحلامنا بيقظتنا، فان محمود درويش لن يرحل ابدا، ربما يكون قد رحل جسدا ولكنه باق فينا، روحا وشعرا وقضية ورجلا مقاوما، واستفاض الفرا الذي كتب قصيدة في رثاء درويش نستعرض منها :
أفديك يا رجلا مقاوما يفنى الوجود ولا تساوم
لا شيء عندك مستحيل متى عزمت تجيئ غانم
يحميك ربي إن سرت تعود عند الصبح سالم
للناس أقنعة وأنت رؤاك واضحة المعالم
أقسمت وحدك تستحق قرار تسطير الملاحم
كل الذين تجرؤا في صنع انواع الجرائم
لما ظهرت تأرنبوا وغدو لضعفهم حمائم
فردوس عبد الحميد:
من جانبها اكدت الفنانة المصرية القديرة فردوس عبد الحميد أن منْ عرف الاجيال الشابة في الوطن العربي على القضية الفلسطينية هو محمود درويش من خلال قصائده التي كان يرددها الطلاب العرب في مدارسهم وجامعاتهم، قائلة ان درويش ناضل بكلمته من أجل القضية العربية الفلسطينية، معلما كل أجيال الأمة ماذا تعني القضية الفلسطينية، وماذا يعني نضال الكلمة، مشيرة إلى أن درويش ناضل بكلمته من أجل القضية بأقتدار شديد جدا، وبلاغة شديدة جدا، مربيا أجيالا من شعراء النضال.
عبد الرحمن الابنودي:
اما الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الابنودي والذي كان يرقد على فراش المرض، أصر على المشاركة رغم تواجد الأطباء من حوله وردا على تسأل ماذا تحمل ذكرياتك مع درويش الأخ والصديق وهو من قال انه يعشق الأبنودي؟. قال بتأثر شديد الأبنودي:
إن اخر كلمة في اخر مكالمة هاتفية أجريت بيننا قبل السفر للعلاج قال لي محمود " يا عبد الرحمن علما انني لست مغدقا في الحب، وعواطفي قليلة ولكن لتعلم جيدا انني احبك بشكل خاص" ، مشيرا إن محمود "ابن بيتنا" هو أهم شاعر عربي بلا منازع، فهو من طور شعر القصيدة المباشرة البسيطة الغنائية، إلى الشعر المركب الذي استولى على كل آليات الحداثة، مبتعدا بالحداثة عن الغموض والعنكبوتية والظلام إلى أخره، موظفا الحداثة توظيفا عاليا جدا من أجل القضية العربية والقضية الفلسطينية.
مؤكدا أن محمود درويش هو ابن كل بلد عربي، قائلا: إن الجميع يعتقد أنه صديق محمود درويش الوحيد، فلم يحدث أن أجمع احد في الأمة على سياسي أو أديب أو فنان، ذلك الإجماع الذي ناله محمود، مضيفا أنني شقيق لإخوة خمسة لم أبكي على أحدهم قدر ما بكيت محمود حتى إنهارت قواي بكائا، لدرجة أن الطبيب الذي يجلس إلى جواري الان، يؤكد أنني أمر بمرحلة مرضية خطرة جدا يجب للخروج منها نسيان محمود، خاصة وأنه نظر إلى جدار غرفتي فلم يرى إلا محمود.
وعن قصته مع قصيدة " لاعب النرد " الذي يزين بها حائط غرفة نومه كجدرية معلقة قال الأبنودي: إنني أوحى إلي إن هذه القصيدة بها نوع من الوداع الذي لم يكتشفه أحد، وهو وداع مستتر وخفي لم يعرفه إلا من هم على صلة حميمة بمحمود، ومحمود بالنسبة لي هو من أعلى القيم الادبية التي عرفتها في حياتي إلى جانب نجيب محفوظ رحمة الله عليه والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل أطال الله في عمره.
وعن غياب محمود درويش عن الساحة الأدبية وما سيخلفه؟ قال الأبنودي إن محمود كان قيمة شعرية عالية، خلف وراءه مئات " المحمودات " فإن محمود لم يعرف من متع الحياة متعة أخرى او وظيفة أخرى سوى الشعر، فإن زوجته هي القصيدة، وأبناؤه هم قصائده، خاصة أن محمود حاول أن يجرب متع الحياة التي جربناها قبله ولكنه تراجع إلى قصيدته، كهفه العظيم الخالد، وأتصور أن محمود لن يتكرر فإننا كنا محظوظين أننا عرفنا محمود درويش وقرأناه واستمعنا إليه، وتلك أعتبرها إحدى حسنات الدنيا، وطالما ان فلسطين تعيش في ضمائرنا ، فإن محمود سيبقى في ضمائرنا جميعا، ذلك لان محمود هو فلسطين.